Image Credit: Milo Sharafeddine

11% من سكان لبنان يموتون ”كل يوم ألف مرة“… كبار السن في خطر

يمثل كبار السن في لبنان شريحة كبيرة “منبوذة” ومهملة في كثير من الأحيان، فرغم أن البلد يعاني من أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية تطال المجتمع ككل، إلا أن هذه الشريحة تبقى الأضعف.

عجز الدولة عن تأمين احتياجات كبار السن من مأكل ومشرب ومأوى وطبابة جسدية ونفسية دفع بالجمعيات المحلية والدولية والمنظمات بالحلول مكان الدولة نسبياً واستطاعت تقديم خدماتها لإعادة كبار السن إلى الانخراط في المجتمع إلى حد ما. 

حقوق كبار السن

وحددت الأمم المتحدة وخطة العمل الدولية للشيخوخة حقوق كبار السن، لاسيما الاستقلالية والمشاركة عبر الاندماج في المجتمع، والاستفادة من الرعاية  الحقوقية والصحية والحصول على الخدمات الاجتماعية والقانونية لتعزيز استقلاليتهم وحمايتهم ورعايتهم والتركيز على تحقيق الذات والعيش في كنف الكرامة والأمن ودون الخضوع لأي استغلال أو سوء معاملة جسدياً أو ذهنياً.

ورغم هذه الحقوق التي أقرتها الأمم المتحدة لحماية كبار السن، إلا أن الحال في لبنان يتوجه شيئاً فشيئاً إلى “جهنم” مغاير، فقصة ك. منصور (68 عاماً) دليل ملموس على ما يعانيه كبار السن في لبنان، فهي ربة منزل وتعاني من قصور كلوي وضعف بعضلة القلب ومصابة بمرض السكري، حالتها الصحية تتطلب كثيراً من الأحيان إلى دخول مستشفى، نتيجة تعبئة الرئتين بالماء بسبب القصور الكلوي، وكونها لا تتمتع بأي تغطية صحية ولا تستفيد من أي جهة ضامنة كانت تدخل على حسابها إلى مسشتفيات خاصة نظراً لوضعها الحرج. وفي كل مرة تدفع مبلغاً كبيراً من المال، رغم مساهمة وزارة الصحة بمبلغ ضئيل جداً.

منصور التي لا تستفيد من أي ضمان أو تأمين صحي، هي أم لثلاثة أولاد، بنتان عازبتان (44 عاماً و35 عاماً) وابن متزوج (42 عاماً)، وتذكر في آخر مرة دخلت المستشفى أنها تمنت أن “تموت” لأنها عانت الكثير ورفضتها مسشتفيات عدة قبل وضع تأمين (مبلغ لا يقل عن 3 آلاف دولار) ولكن عائلتها لا تملك من هذا المبلغ سوى 500$ وبعد جهد كبير استطاعت دخول المستشفى بعد تدهور حالتها الصحية جدا وانخفض مستوى الأوكسجين في الدم، فاضطرت المستشفى إلى إدخالها بشرط تعهد عائلتها بدفع المبلغ لاحقاً.

“لا أريد أن أكون عبئاً على أحد”

“لا أريد أن أكون عبئاً على أحد… أريد أن أعيش بكرامتي وأموت بكرامتي”… قالت ك. منصور التي خفت صوتها وذرفت عيناها، وقالت لـ”بيروت توداي”: “هذا البلد حلو ولكن لا يحترم الانسان، كنت في بلد عربي طيلة أربعين عاماً وعدت إلى لبنان من دون أي مدخرات، ولكن أصبح الوضع كارثياً، أحتاج يومياً إلى طعام صحي ولا استطيع تناول جميع المأكولات، بالإضافة إلى أن هناك مشكلة كبيرة وهي أننا لا نستطيع تأمين الدواء، وأكثر حلمنا أصبح تأمينه بعد ارتفاع اسعاره إلى أضعاف”.

وختمت: “لا أطلب من الدولة إلا ضمان شيخوختنا، فالذل أمام المستشفيات أو الإستدانة للحصول على الدواء هو عار على الدولة، ففي بلدان أخرى هناك كرامة أو تقدير لكبار السن، ولكن هنا نموت كل يوم ألف مرة، وأنا اتمنى أن اموت على سريري بعيداً عن الذل أمام أبواب المستشفيات”.

لاجئون بلا طبابة

حال اللبنانيين لا يختلف كثيراً عن حال اللاجئين السوريين في لبنان، ورغم وضع الخط الساخن من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان 01504020 للاستعلام عن المستشفيات المدعومة من قبل المفوضية وشركائها والإستفادة منها، إلا أن معظم اللاجئين لا يعرفون حقوقهم والتقديمات خصوصا الصحية المتوفرة لتأمين طبابتهم.

أم أحمد لاجئة سورية (69 عاما)، رفضت ذكر اسمها واكتفت بلقبها، هربت من بلدة الضمير في القلمون الشرقي بريف دمشق في العام 2015، وجاءت مع عدد من أفراد أسرتها إلى بلدة الشعرة البقاعية حيث سكنت مع أقارب لها يعملون في الزراعة.

أم أحمد (أرملة ولديها ولد متوفي وابنتان إحداهما متزوجة)، استرجعت ذكرياتها باكية: “كنت أعيش مع إبني الذي استشهد خلال الحرب، ولدي ابنة غير متزوجة تسكن معي، لكن عندما اشتدت وطأة الحرب جئت إلى لبنان”.

فهي سجلت إسمها في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وتستفيد من التقديمات الإجتماعية للاجئين، إلا أنها ونظراً لبعد المسافات مع المراكز الصحية لاسيما المستشفيات في البقاع مع مركز اقامتها فذلك سبب عائقاً في الآونة الأخيرة بعد غلاء التنقلات، وتستعيض عن ذلك بمستوصفات قريبة منها، ولكن بتقديمات قليلة وأحيانا لا تستطيع تأمين دواء السكري.

وتعاني أم أحمد من مشاكل صحية عدة، لاسيما ارتفاع ضغط الدم، والسكري، ووجع دائم في مفاصلها ورجليها ما سبب عائقاً في حركة تنقلاتها والمشي، وقالت لـ”بيروت توداي”: “أعيش في لبنان كأنه بلدي، ولكنني أحلم بالعودة إلى بلدتي الضمير، الأوضاع الاقتصادية صعبة ونفتقد إلى أدنى مقومات الحياة، لاسيما مياه الشرب والكهرباء، فنحن نسهر على ضوء “القنديل” لأننها لا نستطيع الإشتراك بمولد كهرباء لأنه أصبح غالي الثمن”.

وأعربت أم أحمد عن شعورها بالمرارة والحزن لوضعها “المزري”، “الله لا يسامح يلي هجرنا، مش مبسوطين هون، وكل يوم عم نموت، بس شو الحل، إلنا الله ينظر إلينا، وبدنا نصبر، بس بتمنى موت ببلدي”.

“صرخة أمل وألم”

ويشكّل كبار السن في لبنان 11% من سكان البلاد، مع أمد أعمار يصل إلى 78 عاماً للرجال و82 عاماً للنساء، حسبما أفاد تقرير اصدرته  المؤسسة الدولية لكبار السن ومنظمة العمل الدولية في أيار الماضي وحمل عنوان: “صرخة أمل وألم” وأظهر أن الأشخاص الأكبر سنًا في لبنان يعيشون “واقعاً صعباً ومستقبلًا قاتماً بسبب افتقار لبنان إلى ضمانات الحماية الاجتماعية الأساسية”.

وبحسب التقرير يعتمد نحو 80% من كبار السن في لبنان على أسرهم للحصول على الدعم المالي أو على مدخراتهم التي فقدت قيمتها، إن وجدت، ومعظمهم لا يتلقون أي معاش تقاعدي أو دعم مالي من الدولة على الإطلاق.

وفي تعليق على التقرير أوضحت المؤسسة لـ”بيروت توداي” أن التقرير هدفه تسليط الضوء على حقوق كبار السن، ومدى استطاعة المؤسسات تقديم الحماية الإجتماعية لهم وهو وجزء من مشروع كبير لمساعدة كبار السن، شارحة أنها شبكة من منظمات دولية وتهدف إلى تعزيز حقوق كبار السن، كي يعيشوا حياة كريمة وصحية وآمنة.

وأكدت أن دورها يقوم على العمل مع النساء والرجال المسنين في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، لتوفير خدمات وسياسات افضل. إضافة الى تغيير سلوكيات ومواقف بعض الأفراد والمجتمعات تجاه كبار السن.

تأمين واقع أفضل لكبار السن

وأفادت أن “عمل المؤسسة انطلق في لبنان في العام 2013 بالتزامن مع الأزمة السورية وارتفاع عدد اللاجئين الهاربين من الحرب، فتحول عملنا الإنساني إلى تقديم الخدمات الصحية والإجتماعية لكبار السن اللبنانيين واللاجئين بالتعاون مع المؤسسات والجمعيات المحلية”.

وأكدت أن “تأمين واقع أفضل لكبار السن يكون عبر معرفة احتياجاتهم وقدراتهم والاستفادة من خبراتهم، خصوصاً أن ليس معظم كبار السن غير قادرين على العطاء، فلا يجب أن نسلب دورهم في المجتمع”.

واعترفت المؤسسة بأن دور الجمعيات والمؤسسات لا تستطيع أن تؤمن كل احتياجات كبار السن، وشددت على دور المؤسسات المحلية والمنظمات الدولية في توعية كبار السن على أبسط حقوقهم لكي يتم تأمينها من قبل الوزارت والمؤسسات الرسمية.

ومن أعمال المؤسسة في لبنان: إقامة حلقات توعوية عن حقوق كبار السن، إجراء فحوصات لمرضى السكري من النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم عبر مستوصفات أو مؤسسات مع توفير الاستشارات الطبية مع الفحوصات المخبرية وجلسات توعية لمساعدتهم على إدارة حالتهم.

وأكدت أن الشراكة مع المنظمة الدولية للعمل ستفتح باباً لها مع وزارة الشؤون الإجتماعية لتقديم مساعدات إلى شريحة أكبر من كبار السن، مؤكدة أن المؤسسة لا تستطيع القيام بدور تشريعي في لبنان لكنها يمكنها أن تكون آلية ضغط أو إشراك أصحاب القرار بالحوارات التي تجريها المؤسسة وتلقي الضوء فيها على حقوق كبار السن وكيفية مساعدتهم.

برامج مجانية

ووضعت المؤسسة رقم هاتفها 009611637789 في خدمة كل من يريد أن يتواصل معها، فهي حالياً تعمل على برامج عدة لكبار السن، بدعم من وزارة الخارجية الألمانية وتتعاون مع جمعية “إدراك” في بيروت وجبل لبنان لتقديم خدمات صحية نفسية لكبار السن.

وتضمن الخدمات في هذا المشروع: المعاينات والإستشارة من قبل معالج نفسي وجلسات الدعم النفسي الاجتماعي والتوعية عبر مجموعات، بالإضافة إلى زيارات منزلية لبعض الأشخاص الذين يعانون من مشاكل اجتماعية ولا يستطيعون الحضور إلى المركز المختص.

وجمعية “إدراك” تركَز بشكل خاص على كيفية حماية كبار السن الذي يعانون من أمراض نفسية أو عصبية كالمراحل الأولى لمرض الألزهايمر أو الهذيان أو الجلطات الدماغية وغيرها. 

تأهيل الكوادر البشرية

وتنظم المؤسسة الدولية لكبار السن أيضاً مشروعاً ممولاً من الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ودعم من جمعية فرنسية ويهدف إلى بناء قدرات متطوعي الجمعيات المحلية وموظفي مراكز الشؤون الاجتماعية لتقديم خدمات تعنى باحتياجات كبار السن.

وتقوم المؤسسة بتأهيل الكوادر البشرية والمتطوعين لتمرينهم على كيفية التعامل مع كبار السن وتأمين احتياجاتهم، بالإضافة إلى المساعدة في وضع استشارات لجمعيات تعنى بكبار السن.

إن تأمين حياة كريمة لكبار السن بات ضرورة ان عبر الدولة أو عبر الجمعيات الدولية والمحلية والمنظمات أو عبر اعتماد معاش شيخوخة غير قائم على الاشتراكات يكفل حد أدنى مـن الدخـل لجميـع كبار السـن في لبنان.