Image Credit: Milo Sharafeddine

أزمة عدم تسجيل ولادات اللاجئين السوريين تتفاقم… والحل بالتوعية

“ابني غير موجود… فهو يعيش بلحمه ودمه لكنه غير معترف به قانوناً”، بكلمات بسيطة ومؤثرة ترافقت مع دمعة على الخد، تحدثت اللاجئة السورية فاطمة. س عن معانتها بسبب عدم حصول ابنها أحمد على أوراق ثبوتية.

فاطمة لاجئة سورية، فرت مع عائلتها إلى لبنان هربًا من الحرب السورية، وتعرفت في البقاع على اللاجئ السوري اسماعيل الذي يسكن في البقاع الغربي ويعمل في الزراعة والبناء، وهو معارض للنظام السوري، فرّ من ريف دمشق.

وقالت لـ”بيروت توداي”: “تزوجت في العام 2013 وكنت أقيم في البقاع الغربي وبعد عام تقريبًا رزقت بطفل اسميناه أحمد، وأصبح عمره 8 سنوات لكنه من دون أوراق ثبوتية”.

“أشعر بالخوف”

أضافت بحسرة: “قد يكون عدم التسجيل إهمالًا مني لعدم حصول ابني على أوراق ثبوتية، لكنني بعد أسبوع من ولادته ألحيت على زوجي بضرورة الحصول على هوية لابننا، لكن من دون جدوى، حتى وصل بنا الأمر في بعض الأحيان إلى الطلاق، لأنني أشعر بالخوف على مستقبل ابني لكن زوجي لا يهتم لهذه الأمور [التافهة] بحسب تعبيره”.

وتابعت بعدما طلبت وقف الحديث مرات عدة: “لا أستطيع تسجيل ابني في مدرسة، وأخاف على مستقبله، حتى أخاف أن أنقله إلى المستشفى في حال أصابه أي مكروه، فهو غير موجود، لذلك لدي قلق دائم أعاني منه”.

فاطمة التي تمنّعت أكثر من مرة عن كشف أسباب عدم تسجيل طفلها، قالت من دون علم زوجها وتمنّت عدم ذكر اسمها بالكامل: “لو بقي بعمري يوم واحد سأسجل ابني لكي يحصل على أوراق ثبوتية، ويكفي قهر وحرمان”.

خطوات للقيد

وبحسب القانون، كل مولود يبصر النور على الأراضي اللبنانية يجب تسجيل قيده أصولًا من خلال اتباع خطوات محددة، تبدأ بالحصول على شهادة ولادة من المستشفى التي تمت فيها الولادة يوقعها الطبيب أو القابلة القانونية التي حصلت على يدها الولادة، ومن ثم توقيع وثيقة الولادة من أحد مخاتير المنطقة التابع لها المستشفى أو محل إقامة الوالدين، ليتم تسجيلها في “دائرة وقوعات الأجانب” في وزارة الداخلية، ثم يتم تصديقها من وزارة الخارجية، وأخيرًا في السفارة السورية في لبنان على أن ينجز القيد في بلده سوريا للاستحصال على ما يسمى بدفتر العائلة قبل أن يتم الطفل السنة من عمره وإلا سيحتاج بعد ذلك إلى دعوى مدنية.

أسباب عددم التسجيل

أما عن أسباب عدم تسجيل الولادات فهي عديدة، منها الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها اللاجئون، أو وجودهم في مناطق ريفية لا يتوفر فيها مراكز التسجيل، بالإضافة إلى جائحة كورونا وما تسببها الفيروس من إقفال المؤسسات الخاصة والعامة، أو الإضرابات التي يجريها الموظفون في المؤسسات العامة .

ويضاف أيضًا سبب آخر أصبح سائدًا في القرى النائية التي لجأ إليها اللاجئون، وهو الولادة عبر قابلة قانونية (داية) غير مرخصة ولا يمكنها تقديم شهادة ولادة.

وبحسب مصدر أمني، فإن اللاجئين الذين يتهمون بانتمائهم إلى جماعات معارضة لا يلجأون إلى السفارة السورية في لبنان لتسجيل أولادهم خوفًا من توقيفهم، ويفضلون عدم التسجيل أو التهرب منه.

ومن أسباب عدم التسجيل أيضًا، هو زواج القاصرين، وهو يحتاج إلى آلية معينة ووقتًا إضافيًا لإعطاء العقد الصيغة التنفيذية، خصوصًا إذا كانت الزوجة في عمر صغير. 

المتحدثة الرسمية لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان نادين مظلوم أوضحت لـ”بيروت توداي” أن “مفوضية اللاجئين في لبنان، وبالتنسيق مع السلطات اللبنانية والشركاء، تواصل مهمتها التوعوية للاجئين في لبنان حول أهمية تسجيل الولادات، وتقدم المشورة القانونية والمساعدة للاجئين لإتمام عملية تسجيلهم لحديثي الولادة”.

تقديرات

وبحسب تقديرات الحكومة اللبنانية، هناك نحو 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان، ومنذ عام 2011 ولغاية أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ولد 193,422 طفلًا لأهالٍ سوريين لاجئين مسجلين لدى مفوضية اللاجئين، في وقت يوجد 844,056 لاجئًا سوريًا مسجلًا لدى المفوضية.

ومنذ عام 2018، انخفض معدل الولادات عند اللاجئين السوريين في لبنان بنسبة 27٪، وفي العام 2021، تم تسجيل 31٪ من الولادات في سجل الأجانب، مقارنة بـ 28٪ في العام 2020 و30٪ في العام 2019 . 

هذا مع الإشارة إلى أن معظم الأطفال السوريين المولودين في لبنان (بنسبة 98%) لديهم الحد الأدنى من وثائق الولادة الصادرة عن شهادة الطبيب أو القابلة القانونية.

ومع ذلك، وبالنسبة لتسجيل الزواج، لا تزال هناك حاجة إلى إقامة سارية المفعول لأحد الزوجين وهي تحدٍ بحدّ ذاتها، ما يحدّ زيادةً من قدرة الوالدين اللذين يتزوجان في لبنان على إكمال تسجيل ولادات أطفالهم حديثي الولادة.

وإدراكًا منها للتحديات التي يواجهها اللاجئون السوريون في تسجيل أطفالهم حديثي الولادة، تبنّت الحكومة اللبنانية في السنوات الماضية سياسات وتدابير رئيسية لمعالجة هذه التحديات، وتشمل هذه السياسات: الإعفاء من إجراءات تسجيل الولادات المتأخر للأطفال المولودين بين 1 يناير (كانون الثاني) 2011 و8 فبراير (شباط) 2022، والتنازل عن الإقامة القانونية لتسجيل الولادات، وتسهيل إثبات الزواج لتسجيل الولادات من خلال السماح للآباء السوريين المتزوجين في لبنان بتقديم شهادة زواج محققة في لبنان بدلًا من دفتر العائلة أو شهادة الزواج الصادرة من سوريا كما كان مطلوب سابقًا. 

تسجيل الأطفال عند ولادتهم، حق من حقوقهم التي نصت عليها اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، وعلى الأشخاص البالغين أن يفعلوا ما هو الأفضل بالنسبة للأطفال… فالطفل ليس لعبة بل روح وله حقوق وواجبات.