Photo: E! Online

قضية العام.. أيهما على حق جوني ديب أم آمبر هيرد؟

قبل أقل من ثلاثة أشهر كان العالم الافتراضي منهمكًا في تداول المنشورات المرتبطة بحادثة الصفع الشهيرة التي شهد عليها مسرح دولبي، وكما الحال مع القضايا الحقوقية التي تتحول إلى تريند على منصات التواصل الاجتماعي، بدأت الصحافة العربية تنبش في تاريخ العلاقة الإشكالية بين ويل سميث (الرجل الذي وجه الصفعة للكوميدي الأميركي كريس ووك) وزوجته جادا بينكيت، بينما كانت صحافة صناعة الترفيه الهوليوودية تركّز على تأثير هذه الحادثة على “مجتمع السود” (black society) الذي نظم حملات تطالب بزيادة تمثيل لا “مجتمع السود” بل كافة الفئات المهمشة في الصناعة العالمية

اليوم، تعود منصات التواصل الاجتماعي مجددًا إلى تصدّر الصحف العربية بعدما كسب جوني ديب دعوى التشهير التي رفعها ضد زوجته السابقة آمبر هيرد في محكمة فيرفاكس في ولاية فرجينيا، كان ديب المدعوم بفريقه القانوني الذي تقوده المحامية كاميل فاسكيز قد تقدّم بدعوى تشهير ضد هيرد بالاستناد إلى المقال الذي نشرته (هيرد نفسها) في صحيفة واشنطن بوست الأميركية في نهاية عام 2018، وقالت في المقال حينها إنها “شخصية عامة تمثل العنف المنزلي”، وعلى الرغم من عدم ذكرها اسم ديب في المقال فإن القبطان “جاك سبارو” كما يحلو لجمهور ديب مناداته خرج منتصرًا في هذه القضية، كما الحال في كافة أجزاء سلسلة “قراصنة الكاريبي”.

نصر متبادل بين هيرد وديب

قبل نشر هيرد مقالها في صحيفة واشنطن بوست، كانت صحيفة التابلويد البريطانية ذا صن قد استبقت الجميع بنشرها مقالًا في عام 2018، وصف فيه ديب بأنه “ضارب زوجته”، وقال القاضي عند إصدار الحكم في عام 2020: “لقد وجدت إن الغالبية العظمى من الاعتداءات المزعومة على السيدة هيرد من قبل السيد ديب تم إثباتها”، مضيفًا “أنا أقبل دليلها على طبيعة الاعتداءات التي ارتكبها ضدها، لا بد أنها كانت مرعبة”، وختم حديثه قبل إصدار الحكم بالقول: “أجد أن ديب جعلها تخشى حياتها” وخلص في القرار إلى أن 12 من 14 حادثة عنف منزلي مزعومة ارتكبها ديب ضد هيرد. 

الأمر الواضح أن ديب رد على دعوى التشهير التي خسرها في المحاكم البريطانية بدعوى مضادة ضد هيرد في محكمة فيرفاكس، وخلصت المحكمة في قرارها الذي صدر قبل أيام إلى أن هيرد عملت على “تشويه وتعنيف” نجم سلسلة أفلام “قراصنة الكاريبي”، وقضت بدفع هيرد مبلغ 15 مليون دولار لديب (10 ملايين دولار كتعويضات و 5 ملايين دولار كتعويضات عقابية)، بينما قضت في مقابل ذلك بدفع ديب مليوني دولار لهيرد كتعويض عن “تشويه” سمعتها.

لكن اللافت في هذه القضية التي أحدثت انقسامًا في الرأي العام على منصات التواصل الاجتماعي تجاهلها لحقيقة أن هيئة المحلفين التي قضت بالحكم أن الاثنين كانا مسؤولين عن التشهير في دعاوى قضائية ضد بعضهما البعض، حيثُ كان ديب وهيرد قد تزوجا في عام 2015، قبل أن يعلنا عن انفصالهما في العام التالي، ومنذ تلك الفترة دخل الثنائي في معارك قانونية يتهمان فيها بعضهما البعض بالتعنيف المتبادل. 

كيف تحول موقف ديب من الخسارة إلى الفوز في المحاكم الأميركية؟

في النظر إلى التقارير الصحفية التي صدرت بشأن قضية ديب – هيرد الأخيرة، لا بد من التوقف قليلًا عند نقطة خسارة ديب دعوى التشهير التي رفعها في المحاكم البريطانية، في مقابل انتصاره في محكمة فيرفاكس، إذ إن المحامي في قضايا الإعلام الدولية مارك ستيفنز يرى أنه “من النادر جدًا” أن تُنظر نفس القضية في مكانين مختلفين وتكون النتائج مختلفة، مرجعًا ذلك إلى أن القضية التي رفعت في بريطانيا نظر فيها قاض واحد، على عكس القضية المرفوعة في الولايات المتحدة، والتي كانت أمام “محكمة الرأي العام وهيئة المحلفين”.

ما كان واضحًا في اختلاف الحكمين أن الفريق القانوني لديب ادعى مرارًا في جلسات المحاكمة أن هيرد هي الشريك المسيء والمعنف في الوقت ذاته، وهو ما اعتبره ستيفنز “أسلوب دفاع شائع في قضايا الاعتداء الجنسي والعنف الأسري يسمى: أنكر، وهاجم، واعكس الضحية والجاني”، ووفقًا لستيفنز فإن القاضي خلص إلى هذه الاستراتيجية، ورفض الكثير من الأدلة التي لم تتناول بشكل مباشر ما إذا كان ديب قد ارتكب اعتداء أم لا.

وأوضح ذلك قائلًا: “لا يميل المحامون والقضاة إلى الانصياع لهذه الاستراتيجية، لكنها فعالة للغاية ضد هيئات المحلفين”، حيث يكون الرجال أكثر ميلا لتصديق استراتيجية “أنكر، وهاجم، واعكس الضحية والجاني”، لكن هيئات المُحلفين من النساء تكون أيضا عرضة لذلك، وتابع مضيفًا أنه: “لدى الناس نموذج معين في أذهانهم عن كيف يمكن أن يكون شكل الضحية التي تعرضت للإساءة، وكيف يمكن أن تتصرف، وبالطبع نعلم جميعًا أن هذا غالبًا ما يكون خاطئًا”.

كذلك فإن القضية التي ربحها ديب في المحاكم الأميركية لم تقف عند الاستراتيجية التي أوضحها ستيفنز، إنما تأخذ منحى آخرًا متمثلًا بتحولها إلى قضية رأي عام، كما رأت الصحفية في صحيفة الغارديان البريطانية هادلي فريمان التي أشارت إلى وجود اختلاف آخر يتمثل في حقيقة أن المحاكمة الأميركية كانت متلفزة، مما جعلها تتحول إلى  “ما يشبه المباريات الرياضية”، وهي ترى أن النقد اللاذع الذي وجهه الجمهور لهيرد كان “نوعًا من رد الفعل العنيف على حملة أنا أيضًا”، مضيفةً أن “فرضية صدق النساء يبدو أنها ولت منذ وقت طويل جدًا عندما يتعلق الأمر بآمبر هيرد”.

التداعيات الكارثية لبث هذه القضية على الهواء

على الطرف المقابل من ذلك في هذه القضية التي جعلت جمهور ديب يتوجه إلى منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن فرحهم بفوزه في دعوى التشهير، وما تخللها من تعليقات تنتقد التقارير التي تتحدث حول العنف المنزلي ضد النساء بشكل عام، كان لقرار القاضية بيني أزكاريت التي سمحت لمحطات التلفزيون بنقل وقائع جلسات القضية – على الرغم من اعتراض الفريق القانوني لهيرد – دور كارثي على ضحايا العنف الأسري، وقد يكون لها دور في تصاعد المواقف السلبية اتجاه النساء، بالأخص بعد توجه المحكمة العليا في الولايات المتحدة إلى إعادة الانظر في قانون حق الإجهاض للنساء.

وترى في هذا الشأن أستاذة القانون في جامعة ستانفورد والناشطة ضد الاعتداءات الجنسية ميشال دوبر في حديثها لوكالة فرانس برس أن هذا: “أسوأ قرار بالنسبة إلى الضحايا تتخذه محكمة منذ عقود”، وهو ما أظهر “سوء فهم القاضية العميق للعنف الجنسي”، مشيرةً إلى هيرد اضطرت إلى أن “تروي عبر شاشة التلفزيون تفاصيل الاغتصاب” الذي قالت إنها تعرضت له من قبل ديب، وأضافت “إنه أمر صادم ويشكل إساءة لجميع النساء والضحايا، سواء أيدنّ الحكم أم لا”.

دوبر في حديثها للوكالة الفرنسية رأت أيضًا أن: “لا مصلحة عامة في هذه القضية يمكن أن تكون أهم من الضرر الذي يتسبب به” بث جلساتها على الهواء مباشرة، لكنها في المقابل ستدفع “كل ضحية” إلى التفيكر “من اليوم فصاعدًا مرتين قبل التقدم بطلب أمر تقييدي أو لإخبار أي شخص عن الإساءة التي تعرضت لها”، مشيرةً إلى أن “النساء قد يتعرضنّ للأذى، أو حتى للقتل، إذا لم يطلبنّ المساعدة”، وشددت على أن “هذه القضية كانت مضرّة جدًا ومن المحتمل أن تكون كارثية”.

وتجاهلت أن الإساءة كانت متبادلة من الطرفين

ما بدا لافتًا في تغطية الصحافة العربية لهذه القضية أن تجاهلت الكثير من التقارير التي أكدت حدوث موجات تعنيف متبادلة بين ديب وآمبرد، نذكر منها واحدة وردت تقرير نشره موقع فوكس الأميركي، يقول في مضمونه إن ديب انتابه موجة من الغضب بعد معانقة هيرد لإحدى صديقاتها في عام 2013، كما من بين التقارير التي تم تجاهلها الرسائل المتبادلة بين ديب وبول بيتاني، حيثُ اقترح ديب في إحدى الرسائل قائلًا: “دعنا نحرقها” في إشارة لهيرد، وأضاف: “دعنا نغرقها قبل أن نحرقها”، قبل أن يتابع “للتأكد من موتها”، في حين يسرد التقرير أن هيرد رمت في إحدى المرات ديب بزجاجة فودكا، فضلًا عن التسريبات الصوتية لهيرد التي عرضت أمام هيئة المحلفين، وأظهرت على الطرف المقابل أن ديب هو الضحية.

كما وصفت مستشارة العلاقات الزوجية الخاصة بالزوجين لوريل أندرسون خلال شهادتها أمام المحكمة، علاقتهما ب”الإساءة المتبادلة”، وقالت إنها شهدت إصابة هيرد مرات عديدة، وأن الأخيرة أخبرتها أنها خاضت عراكًا جسديًّا مع ديب، وفسرت المعالجة النفسية ذلك بأن الزوجين تعرضا للإيذاء الجسدي عندما كانا أطفالًا، ودفعتهما علاقتهما إلى استعادة أنماطهما السامة عند التربية، فأصبح كل طرف يسيء إلى الطرف الآخر، وأن كليهما متساويان في هذا، ولا يتحمل أحدهما مسؤولية أكبر من الآخر. 

ذكر تقرير فوكس أيضًا أن فريق هيرد القانوني كان قد أصدر تقريرًا بالتعاون مع مجموعة Bot Sentinel أظهر أن فريق ديب استخدم الذكاء الاصطناعي لتحويل الرأي العام ضد هيرد في عام 2020، وخلص التقرير إلى التشكيك بمجموعة من الحسابات على منصة تويتر كانت تطالب بطرد هيرد من صناعة الترفيه الهوليوودية، وعلى الرغم من أن التقرير لا يعني أن جميع جمهور ديب من الذكاء الاصطناعي، إلا أنه يدل على أن فريق ديب عمل على تضخيم القضية بهدف تحويلها لصالحه أمام الرأي العام، فضلًا عن التحيز الواضح ضد هيرد من قبل وسائل الإعلام المحافظة التي غطت القضية.

هل تؤثر هذه القضية على حركة “أنا أيضًا”؟

أشارت مويرا دونيغان في مقال نشر في صحيفة الغارديان البريطانية، إلى أن الجمهور لجأ جنبًا إلى جنب مع عدد من قليل من المشاهير إلى منصات التواصل الاجتماعي للسخرية من هيرد، بعدما أعادوا تركيب اللقطة التي كانت تبكي فيها في قاعة المحكمة على مجموعة من الصور بتصميم مروع، وترى بأن جلسات القضية تحولت إلى موجة عامة من الكراهية الموجهة ضد النساء، معتبرةً أن هذه الموجة جاءت ردًا على الانتصارات التي حققتها حركة “أنا أيضًا”، وبالأخص النساء اللاتي تحدثن عن الإساءة والاعتداءات الجنسية، وهو ما جعلها تصف التفاعل مع هذه القضية بأنها “رد فعل عنيف ضد الحركة النسوية”.

وسلطت دونيغان الضوء في مقالها على حقيقة التهديدات التي تعرضت لها هيرد، صحيح أنها بلغت ذروتها بعد يث جلسات المحاكمة على الشاشات الصغيرة، ووصلت إلى حد الاستهزاء بشهادتها أولًا، وتهديد هيرد بوضع “طفلتيها داخل المايكرويف” وفقًا لشهادتها ثانيًا، فضلًا عن خسارتها لأدوارها في الأعمال السينمائية القادمة ثالثًا، لكن دونيغان ذكرت أن هيئة المحلفين تجاهلت أن هيرد كانت عرضة لموجات الغضب والانتقام من قبل جمهور ديب منذ عام 2018، تاريخ صدور مقال واشنطن بوست. 

كما كانت القضية عرضة للسخرية في الحلقة التي بثها برنامج “ساترداي نايت لايف” (Saturday Night Live) يوم 14 مايو (أيار) الماضي، عندما قلل من تقارير العنف المنزلي بوصفه أحداث جلسات القضية المنقولة على الشاشات بأنها “قصة إخبارية يمكننا جميعًا مشاهدتها بشكل جماعي والقول: [سعيد لأنني لست أنا]”، وهو ما دفع بالناقدة إيلا داوسون للرد على الحلقة بالقول إن: “العنف المنزلي ليس مزحة”، وتابعت مضيفة أنه “في غضون عشرين عامًا، سوف يشعر الناس بالاشئمزاز بعد النظر إلى هذه المحاكمة وجميع التغطيات الإعلامية”، لتختم تعليقها بالقول: “بعضنا يشعر بالاشمئزاز بالفعل”.

لكن في إجابة مغايرة عن السؤال المرتبط بأن كان لهذه القضية تأثير على حركة “أنا أيضًا” التي أدت للإطاحة بعملاق صناعة الترفيه في هوليوود هارفي واينستين الذي أدين بالتحرش والاعتداء الجنسي ضد 90 امرأة في عام 2020، تجيب مؤسسة “أنا أيضًا” تارانا بورك حول ذلك بالقول إن “هذه الحركة لا تزال حيّة بالكامل” ، مطالبة بالتركيز على شجاعة ملايين النساء اللواتي فضحن العنف، بدلًا من التركيز على المعارك القانونية، أو سواء أكانت رابحة أو خاسرة.