Image Credit: Embrace

الانتحار في لبنان يتجاوز الوضع الاقتصادي… ضغط اجتماعي وتطرف عقائدي

يكاد لا يمر يوم إلا ونسمع بحالة انتحار، وهناك العديد من الدوافع، بما في ذلك الظروف الاقتصادية والأزمة المالية، والصعوبات الاجتماعية والسياسية التي تعصف بالبلد، إضافة إلى دوافع عقائدية أو شعائرية برزت مؤخراً.
هذه الأسباب وغيرها رفعت حالات الانتحار خلال الأشهر والأيام المنصرمة من العام الحالي إلى نحو 70 ضحية مسجّلة ارتفاعًا بنسبة 65% مقارنة بالعام الماضي.
وتوقعت مجلة “الدولية للمعلومات” أن يرتفع عدد حالات الانتحار في نهاية العام إلى أكثر من 170 ضحية، وهو الرقم الأعلى المسجّل بين الأرقام في الأعوام الممتدّة من 2012 إلى 2022.

ارتفاع بنسبة 65 %
وفي 12 حزيران، نشرت مجلة “الدولية للمعلومات” إحصاء عن ارتفاع نسبة حالات الانتحار ولفتت إلى أن “حالات الانتحار خلال الأشهر والأيام المنصرمة من العام الحالي ارتفعت إلى 66 ضحية، مقارنة بـ 40 حالة في الفترة نفسها من العام الماضي، مسجّلة ارتفاعاً بنسبة 65 في المئة”.
وأشارت إلى أن “من شأن استمرار الأمر على هذه الوتيرة، أن يرفع العدد في نهاية العام إلى أكثر من 170 ضحية، وهو الرقم الأعلى المسجّل بين الأرقام في الأعوام الممتدّة من 2012 إلى 2022”.
وذكّرت المجلة أنّ “حالات الانتحار المذكورة أعلاه، هي تلك التي سجلتها قوى الأمن الداخلي، وقد تكون هناك حالات لم تسجّل على أنّها حالات انتحار.

الأوضاع غير الاقتصادية
الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين توقع أن تكون حالات الانتحار الفعلية أعلى من الأرقام الموثّقة لأن هناك حالات لا يتم إعلام القوى الأمنية بها أو لا تدرج في خانة الانتحار. وأوضح لـ”بيروت توداي” أن أسباب الانتحار قد لا تكون مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية فقط.
نعم، قد لا تكون الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية أسبابا للانتحار، ففي 29 حزيران الماضي خلال عيد الأضحى عُثر على جثة المواطن علي عصام فرحات على جانب الطريق في محلة حارة حريك في الضاحية الجنوبية. تبيّن أن الشاب الذي حضر من كندا إلى لبنان مؤخراً قد رمى نفسه عارياً من سطح مبنى، وبعد ساعات قليلة حاولت زوجته الانتحار بالطريقة نفسها، لكنها لم تمت بسبب عدم اصطدامها بالأرض مباشرة.

جماعة “القربان”
وكشفت إفادات الجيران والتحقيقات غير الرسمية ارتباط الزوج والزوجة بجماعة دينية تُدعى جماعة “القربان”. ويتم اختيار “القربان” بالاعتماد على قرعة والاسم الذي يقع اختيار القرعة عليه ينهي حياته. لذلك أنهى علي حياته قربانًا للإمام علي، وكان من المفترض أن تلحقه زوجته وطفله ابن الأشهر، لأنّ اختيار القرعة وقع على هذه العائلة ولا يمكن مخالفتها.
وحسب المنشورات فإن الجماعة تؤمن بتقديم القرابين في سبيل عقيدتها، ويتم اختيار أحد الأتباع بالقرعة ليقدم نفسه قرباناً، وعادة ما يقوم هذا الشخص بشنق نفسه أو القفز، خلال مجلس عزاء ديني في ذكرى الامام علي أو أحد أبنائه أو أحفاده.
ففي العقيدة الشيعية الإمامية، يُعتقد أن الإمام علي ورث الإمامة بعد النبي محمد وأنهما واحد في الأساس. وبالتالي، فإن تقديم القربان إلى الإمام علي يُعتبر تعبيرًا عن التبعية والتعظيم له كقائد روحي وقدوة للمسلمين الشيعة، لكن لا شك أن هذه الدوافع غريبة ورفضها رجال الدين.

الخط الساخن
وقدم مركز “أمبرايس” للصحة النفسية خلال شهر أيار الماضي 457 استشارة نفسية مجانية إلى 189 مستفيداً، وأوضح في منشور له على “فايسبوك” أن 63% من المستفيدين من خدمات المركز هم نساء و68% تتراوح أعمارهم بين 18 و34 سنة.
وأعلن أن 28% من المستفيدين الجدد أفادوا بأنهم عاطلون عن العمل و53% من المستفيدين الذين حضروا إلى الاستشارة الأولى في المركز أفادوا بأنهم يعانون من عوارض اكتئابية متوسطة إلى شديدة، مترافقة مع عوارض قلق شديدة.
ويحث مركز “أمبرايس” المواطنين على الاتصال بخط الحياة 1564 – الخط الوطني الساخن للدعم النفسي والوقاية من الانتحار بالتعاون مع البرنامج الوطني للصحة النفسية.

البرامج المُعلبة
وتوجد في لبنان إحصائيات لحالات الانتحار، وغالباً ما تكون متاحة للعامة من خلال التقارير الصحفية والإعلامية وتقارير المنظمات الحكومية وغير الحكومية، فالمشكلة ليست بالإحصائيات إنما بغياب الأبحاث العلمية عن الانتحار وطرق الحد منه.
ولاحظ مؤسس المركز اللبناني للعلوم النفسية والاجتماعية “نفسانيون” علي الأطرش “أننا لم نعمل في لبنان بشكل علمي وصحيح على موضوع الانتحار، واكتفينا فقط باستيراد البرامج المُعلبة والتي لا تشبه ولا تتلاءم مع معطيات بلدنا ومجتمعنا وواقعنا النفسي والاجتماعي”.
وقال لـ”بيروت توداي”: “نحن بأمس الحاجة لأبحاث نفسية اجتماعية ودراسات علمية جدّية، ومؤتمرات وورش عمل حول موضوع الانتحار، لنصل إلى مُخرجات وأفكار من شأنها أن تتحول إلى برامج توعوية ووقائية، لإننا الآن في لبنان أبعد ما نكون عن الأساليب والتقنيات التوعوية والعلاجية الناجعة لهذا الموضوع، والسبب الأساسي هو غياب البحث العلمي وانعدام دور المؤسسات المختصة”.
وختم: “إذا أمعنا بالملاحظة لحالات الانتحار في لبنان، يمكننا أن نتبين نمطاً معيناً يصلح لأن يكون مادةً للدراسة، فكل حالة انتحار يعقبها سلسلة من حالات الانتحار والتي غالباً ما تكون في منطقة واحدة.”