أحدثت ظاهرة انتشار فيروس كورونا المستجد الكثير من التغيرات حول العالم على كافة الأصعدة، ترأسها ما تم تداوله عن التحولات البيئية إثر التراجع الكبير لنسب التلوّث، نظرا لإعلان حالة الطوارئ والإغلاق الكامل أو الجزئي وحظر التجول الذي شهدته معظم دول العالم. إلا أنه تم –وبشكل كبير– إغفال الجانب الآخر من اتباع أساليب ومعايير الوقاية من الفيروس الذي انعكس سلبا بطريقة غير مباشرة على البيئة وصحة الإنسان على حد سواء.
أدت عملية إقفال المصانع والحدّ من حركة وسائل النقل الى التخفيف من انبعاث الغازات الملوثة للهواء بنسب كبيرة. فأشارت دراسة قام بها باحثون من المكسيك والأكوادور، نُشرت في المجلة العلمية ”Science of The Total Environment“، تخللها شرحٌ حول الآثار الايجابية والسلبية لانتشار فيروس كورونا عالميا على البيئة، إلى أن نسبة ثنائي أكسيد النيتروجين NO2 وثاني أوكسيد الكربون CO2 وغيرها من الغازات الملوثة للهواء وصلت لأدنى مستويات لها منذ الحرب العالمية الثانية.
كذلك سمح توقف الأعمال والتنقلات ومنع التجمعات بانخفاض معدل التلوث السمعي في الهواء. كما ساهمت إجراءات التباعد الاجتماعي في تنظيف العديد من الشواطئ نتيجة لانخفاض روادها حول العالم وبالتالي انخفاض كمية النفايات. فما سبق ذكره كان كفيلا بإقناعنا بأنّ فيروس كورونا سينقذ الارض من تلوثها البيئي. إلا أننا اليوم نصطدم بعودة الحياة تدريجيا الى ما كانت عليه وبالتالي عودة نسب التلوث الى سابق عهدها. سنذكر فيما يأتي بعض النتائج السلبية التي لا يمكن تجاهلها لانتشار وباء كورونا حول العالم.
مواد التعقيم وأبرزها الكلور
يعدّ الكلور مادة فعّالة في عمليات التعقيم بحسب منظمة الصحة العالمية. وقد شهدنا استخداما مفرطا لهذه المحاليل في لبنان، إن كان من قبل بعض البلديات والمؤسسات العامة والخاصة أو داخل المنازل. تحتوي هذه المعقمات على الكلور ومشتقاته مثل الهيبوكلورايت (hypochlorite) أي ماء الجافيل لتعقيم الأسطح في المنازل والمكاتب.
كما تم استخدام هذه المحاليل في بداية انتشار الوباء في لبنان لتعقيم الأحياء والطرقات حيث كان يتم رش هذه المواد عبر مضخات كبيرة في الهواء. وفي بعض الدول مثل الصين، طُلب من محطات معالجة مياه الصرف الصحي تعزيز إجراءات التطهير الخاصة بها من خلال زيادة استخدام الكلور بشكل أساسي لمنع انتشار الفيروس التاجي الجديد عبر مياه الصرف الصحي. رغم كل ذلك، لا يوجد دليل على بقاء فيروس SARS-CoV2 في مياه الشرب أو مياه الصرف الصحي بحسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في 23 نيسان الفائت.
ينتج عن هذا الاستخدام العشوائي للكلور آثار ضارة على البيئة كما على صحة الناس. فبحسب المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (Centers for Disease Control and Prevention) إنّ محاليل الكلور هي مواد آكلة تستطيع حفر المعادن وإتلاف الجلد.
كما وإنّ استنشاق كميات صغيرة من الكلور لفترة قصيرة يؤثّر سلبًا على الجهاز التنفسي البشري. فتختلف التأثيرات من السعال وآلام الصدر، الى احتباس الماء في الرئتين بالاضافة الى أنه يساهم في تهيّج الجلد والعينين والجهاز التنفسي.
على الرغم من أن الكلور نفسه لا يسبب عادة أضررًا بيئية، إلا أنه يتّحد سريعًا لتكوين مواد كيميائية مثل الديوكسين التي تلوث المياه وتلوث الأسماك وتنتقل إلى البشر والحيوانات الكبيرة التي تقتات الأسماك. قد تتأثر الكائنات الحية التي تعيش في التربة أيضًا بنسبة الكلور مما يشكل خللا في السلسلة الغذائية.
علاوةً على ذلك، يمكن للديوكسين تغيير مستويات الهرمونات عن طريق محاكاة المواد الطبيعية مثل هرمون الاستروجين. بالاضافة الى ذلك يمكن أن تشكل أيضًا خطر الإصابة بالسرطان، إضعاف جهاز المناعة، إلحاق الضرر بالجنين للنساء الحوامل والتسبب بأمراض الجلد.
زيادة إنتاج النفايات
ترافق توليد النفايات العضوية وغير العضوية بشكل غير مباشر مع مجموعة واسعة من القضايا البيئية، مثل تآكل التربة وإزالة الغابات وتلوث المياه والهواء.
دفعت سياسات الحجر الصحي المستهلكين إلى زيادة طلبهم للتسوق عبر الإنترنت بغية توصيل الطلبات إلى المنازل. ونتيجة لذلك، زادت النفايات العضوية الناتجة عن المنازل (والتي تشكل أكثر من 50 بالمئة من النفايات المنزلية في لبنان وفق دراسة قامت بها الجامعة الأميريكية في بيروت عام 2015).
كما يتم شحن المواد الغذائية التي يتم شراؤها عبر الإنترنت معلّبةً، فزادت النفايات غير العضوية أيضًا. كما زاد استهلاك المنتجات ذات الاستخدام الواحد ظنًا بأنها أكثر أمانا، علما بإمكانية نقل الفيروس من خلالها أيضا بسبب لمسها من قبل عدة أشخاص، ما يجعل تلك القابلة لعدة استعمالات أقلّ خطرا اذا قمنا بغسلها بالطريقة الصحيحة.
وإنه لجدير بالذكر هنا، أنّ شهدت الشوارع في لبنان سلوكيات وتصرفات غير مسؤولة مثل رمي القفازات والكمامات بطريقة عشوائية على جوانب الطرقات ومن شبابيك السيارات، وذلك فضلا عن تلويث البيئة ساهمت بشكل كبير في نشر الفيروس على نطاق أوسع.
وتظهر الدراسة المذكورة سابقا تزايد إنتاج النفايات الطبية حيث أنتجت المستشفيات في ووهان مثلا، ما يعادل حوالي 240 طنًا من النفايات الطبية يوميًا خلال تفشي الفيروس، مقارنة بالمتوسط السابق الذي كان يسجل أقل من 50 طنًا. وفي دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، سُجّلت زيادة في معدلات النفايات الناتجة عن معدات الحماية الشخصية.
وتجدر الاشارة الى أنّ النفايات الطبية مثل الأقنعة والقفازات والأدوية المستخدمة أو منتهية الصلاحية وغيرها من العناصر ترمى مع النفايات المنزلية. الّا انه، وبحسب منظمة الصحة العالمية، ينبغي معالجتها على أنها نفايات خطرة والتخلص منها بشكل منفصل.
علاوة على ذلك، يجب جمع هذا النوع من النفايات من قبل متخصصين. وفي هذا الصدد، حثّ برنامج الأمم المتحدة للبيئة الحكومات على معالجة إدارة النفايات، بما في ذلك النفايات الطبية والمنزلية، كخدمة عامة عاجلة وضرورية للحد من الآثار الصحية والبيئية الثانوية المحتملة للوباء.
فالإدارة الفعالة للنفايات الطبية الحيوية ونفايات الرعاية الصحية تتطلب تحديدها وجمعها وفصلها وتخزينها ونقلها ومعالجتها والتخلص منها بشكل مناسب، فضلاً عن التطهير وحماية الموظفين وتدريبهم.
الحد من إعادة تدوير النفايات في بعض البلدان
لا تنطبق عملية إعادة التدوير الخاصة بالنفايات كثيرا على لبنان، إذ أننا لا زلنا نعاني من أزمة إدارة النفايات بالشكل الصحيح. ولكن في بلدان أخرى تسبب الوباء في زيادة التلوث بسبب اقفال المصانع التي تقوم بعملية اعادة التدوير التي تعتبر طريقة فعالة لوقف التلوث وتوفير الطاقة والحفاظ على الموارد الطبيعية.
كما وأوقفت دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية برامج إعادة التدوير في بعض مدنها، نتيجة لقلق السلطات بشأن خطر انتشار COVID-19 في مراكز إعادة التدوير. وفي الدول الأوروبية المتضررة بشكل خاص، تم تقييد إدارة النفايات. على سبيل المثال، منعت إيطاليا السكان المصابين من فرز نفاياتهم. من ناحية أخرى سمحت بعض الدول باستخدام الأكياس التي تستعمل لمرة واحدة بعدما كانت محظورة سابقا.