طرابلس، العاصمة اللبنانية الثانية، تدفع اليوم ثمن السياسات الخاطئة وهي بالكاد تؤمن لقمة العيش، بينما يتسابق زعمائها إلى تكديس الديّن على الشعب الفقير المحتاج بحجة أنهم يتسابقون لوضع خطط إنقاذية تنهض بالإقتصاد اللبناني، الأمر الذي أدى بمدينة ”أم الفقير“ إلى الخروج عن صمتها ووجعها.
ورغم اليأس والإحباط اللذين رافقا الشعب الطرابلسي لأعوامٍ عدة، إلا أن شعلة الأمل في قلوبهم زادت من إرادتهم وإيمانهم الصلب بالتغيير والتحرر رفع من عزيمتهم. فنفضت طرابلس الفيحاء عنها ثوب الحرب لترتدي الثورة، وباتت اليوم محطة أنظار للسلام والمناضلة بعد تحررها من التهميش.
لدى طرابلس معظم مقومات النهوض – ولدى السلطة السياسية أغلبية الذنب والتقصير
الغريب في طرابلس هو تمتعها بمعظم مقومات النهوض، وتزخرها بالكثير من الموارد الطبيعية والبشرية وبسهولة التواصل مع الأسواق المحيطة، لكن التقصير الحكومي تجاه عاصمة الشمال أخذ مجراه، الأمر الذي أدى إلى ضعف إنتاجها واقتصادها في مختلف القطاعات.
فبعد إنفجار المشاكل الإجتماعية وتردي الأوضاع الإقتصادية مع ارتفاع في سعر صرف الدولار، سارع الطرابلسيون النزول إلى الساحات للمطالبة بلقمة العيش الكريمة رغم جائحة كورونا، هاتفيين بأن ”الموت بسبب كورونا أرحم بكتير من الموت من الجوع“، حيث وُصف التحرك بأنه ”تحرك ضد الجوع والتقصير الحكومي“.
وحتى بعد موافقة الحكومة اللبنانية على خطة إنقاذية لإنقاذ البلاد من أسوأ أزماتها الإقتصادية منذ عقود، من ضمنها إعادة هيكلة القطاع العام وطلب المساعدة من المانحين الأجانب، هذه الخطة لم ترضِ المواطنين، لا سيما من هم دون خط الفقر، متشككين في قدرة أعضاء الحكومة ومصداقيتتهم لإنتشالهم من الفقر فيما هم وُسط عجزٍ مالي وإقتصادي.
أحزمة البؤس والضواحي الفقيرة تحيط بها القصور والمطاعم الفخمة
مؤخراً، تم تصنيف ”عروس الثورة اللبنانية“ على أنها المدينة الأفقر على حوض المتوسط، حيث أكدت دراسات “International Poverty Center” المتعاونة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن طرابلس تعاني من معدلات عالية من الفقر. زاعمت أن 57 بالمئة من سكانها هم عند أو تحت خط الفقر. وإذا أخذنا المناطق أو الأحياء الأشد فقراً في عين الإعتبار كباب التبانة وحي التنك، فيُقدر أن حوالي 90 بالمئة من سكان هذه الأحياء الشعبية يعيشون ضمن ظروف معيشية صعبة للغاية، من ضمنها عدم تمكن إلا 9 بالمئة من تأمين نوع من أنواع التغطية الصحية.
لكن رغم معدلات الفقر ونسب البطالة المرتفعة، إلا أن في ”أم الفقير“ ثراء وغنى أيضاً. فعلى سبيل المثال، يختلف شارع ”عشير الداية“ شكلاً ومضموناً وثراءاً عن أحياء المدينة الفقيرة، فأصبح هذا الشارع اليوم صاخب بالمطاعم الفخمة التي تستقبل الزبائن حتى آخر أوقات الليل دون ”ملل أو كلل“. والعين ترى أن أرخص طبق على القائمة لا يقل عن الخمسين ألف ليرة لبنانية، فيما المقاهي الراقية تتسابق حول إعداد أفضل النزاجيل. وإن أكملنا الجولة إلى الميناء، فلا بد من ملاحظة قصر الرئيس الميقاتي المحاط بالبيوت المتضررة من كثرة الفقر، فيا لهذا ”الخط“ الرفيع الذي يفصل بين أغنى أغنياء طرابلس وأفقر فقرائها!
وعود على ورق: زعماء وأثرياء طرابلس يشاهدون ولا يتحركون
تلملم طرابلس جراحها وتردد بصرخة مشحونة بالحقد واليأس ”لا ثقة لأهالي طرابلس الفقراء بالطبقة السياسية“. ففي الوقت الذي يحتاج أهل المدينة المنكوبة للدعم المادي والمعنوي من نوابها وزعمائها، تجاهلت الطبقة السياسية مطالبهم. وحينما نزل الشعب الموجوع إلى الساحات ومن جديد، باشرت الجهات السياسية لتتدخل في تحركاتهم، ولتقمع حرياتهم… لكنه كان لأمر متوقع بنظر المحتجين بعد خسارة هذه السلطة شعبيتها وثقة الناس بها.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستبقى الوعود مدونة على الأوراق أم سيتحرك نواب طرابلس وزعمائها لإنقاذ طرابلس من ”شللها“ على كافة الأصعدة؟