تبدو الصورة للوهلة الأولى سوداوية جداً، صورة بلد يواجه وباء عجزت أمامه كبرى الدول… والحال أن لبنان يواجه وباء كورونا بجسم هزيل ينخره مرض الأزمات المالية والإقتصادية والنقدية وحتى الإجتماعية، بلد يعجز عن تأمين الطبابة والإستشفاء لمواطنيه في الظروف العادية فكيف به يتمكن من ذلك في أحلك الظروف أي خلال مواجهة فيروس كورونا؟
كثيرة هي الأسئلة التي تراود المواطنين عندما يلحظون إجراءات تفوق في بعض أوجهها قدرة الدولة على تأمينها ويفاجأ كُـثر حين يطالب مغتربون لبنانيون بالعودة الى بلد يتعرّض لانهيار اقتصادي، بهدف الإيواء من وباء أنهك دولاً عظمى وأرغمها على عزل نفسها ومواطنيها عن العالم. من يغطي علاجات كورونا في لبنان؟ من يؤمن التجهيزات والفحوص الطبية وتكاليف الحجر؟ وهل لدى لبنان الإمكانات لمواجهة الوباء في حال اتساع رقعة الانتشار؟
”جبهة“ وزارة الصحة
لا شك ان تكلفة مواجهة كورونا كبيرة جداً لاسيما أن الدولة اللبنانية أخذت على عاتقها مسألة تشخيص مصابي كورونا مجاناً في المستشفيات الحكومية لمواطنيها كافة من دون استثناء، غير أن الحكومة استمدت التعاون من شركاء دوليين كمنظمة الصحة العالمية WTO ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع UNOPS التابع للأمم المتحدة الذين يعملون على تقديم المساعدات بالتنسيق مع وزارة الصحة من خلال وضع خطة تشمل كافة الإحتياجات اللازمة لمواجهة الوباء. وفق حديث الدكتور محمود زلزلي مستشار وزير الصحة لـ”بيروت توداي“ فإن الوزارة تحاول دائماً استغلال أي مساعدة وتعاون لصالح المستشفيات الحكومية ليس مرحلياً فقط إنما على المدى الطويل وذلك في سبيل رفع مستوى المستشفيات الحكومية في لبنان.
من هنا كان الإصرار على مد لبنان بتجهيزات متقدمة ليست خاصة بكورونا فحسب إنما متنوعة الإستخدامات، علماً ان كل تلك المساعدات والدعم الذي يضم تقديمات إستشفائية وطبية متنوعة وتجهيزات وفحوص ويشمل العديد من المستشفيات يُقدّم مجاناً وليس عبر قروض، حتى الفحوصات تم تأمينها مجاناً وقد تسلم لبنان نحو 125 ألف فحص لإستخدامها على مدى أشهر.
هناك أيضاً القرض المقدّم من البنك الدولي الذي تمت الموافقة عليه في 12 آذار ويأتي ضمن مشروع تعزيز النظام الصحي في لبنان، ويوضح زلزلي بأن وزارة الصحة تعمل على 3 عناوين أساسية هي معدات الوقاية الشخصية PPEs وأجهزة التنفس الصناعي Ventilators والفحوص PCR، مؤكداً أن لا أزمة على الإطلاق في البلد بوجود PPEs. أنما المشكلة مرتبطة بالسعر ”إذ وعلى الرغم من أن الأسعار ارتفعت من المصدر لكن بعض التجار يعمدون الى مضاعفة الأرباح والأسعار إضافة الى ارتفاعها عند الإستيراد وهذا الأمر تتابعه وزارة الصحة مع وزارتي الإقتصاد والداخلية، فموضوع الاسعار لا يمكننا تحمله وهناك بوادر إيجابية والاسعار بدأت تتحسن، ومن غير المقبول أن يحقق التجار أرباحاً خيالية أو أن يحتكروا السوق“.
وبالنسبة لأجهزة التنفس الصناعي فعددها في البلد مقبول، لدينا أكثر من 1000 جهاز، يقول زلزلي، وقمنا بالوزارة بطلب قسم كبير من خلال التبرعات والمساعدات، أما بالنسبة الى فحوصات PCR فقد شكلت وزارة الصحة لجنة برعاية نقابة المختبرات ومنظمة الصحة العالمية ومستشفى الحريري الحكومي يتم عبرها الكشف على المختبرات من خلال زيارتها والتأكد من الشروط والآليات التي تتم فيها الفحوصات للتأكد من صحتها بشكل موثوق وسيتم توسيع عدد المختبرات المعتمدة، ”فاليوم نحن في مستشفى الحريري غالباً نكرر فحوص تم إجراؤها في مختبرات أخرى والسبب أن المختبر غير معتمد من قبل الوزارة من هنا نقوم بالكشف على كل مختبر يجري فحص الكورونا للتأكد من صحة العمل فيه ونضع آلية محددة معه“ وحتى اليوم بات لدينا 13 مختبراً معتمداً في المستشفيات و7 مختبرات خاصة والباقي سنستمر بالكشف عليها واعتمادها تباعاً، لكن بعد الجولة كل مختبر غير مطابق سيتم منعه من إجراء فحص كورونا لانه لا يشكل خطراً فحسب بل ايضاً يقوم باستهلاك فحوص بطريقة غير مجدية.
إجراءات الضمان
الضمان الإجتماعي حسم أمره منذ بداية أزمة كورونا بقيامه بالتغطية الصحية لمصابي كورونا بشكل تام كما هو حال أي مرضى ينضمون الى الضمان الإجتماعي، يقول مدير عام الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي الدكتور محمد كركي في حديثه الى ”بيروت توداي“ كذلك الحال فيما خص فحص PCR فالضمان يقوم بتغطية تكلفة فحص كورونا وقد قام بتحديد المراكز المخولة القيام بالفحص وتم تحديد السعر بـ150 ألف ليرة وبالطبع تغطية كل ما يتعلق بالعلاجات التي تتبع الفحص، ووفق حديث كركي، فالضمان يتعامل مع تغطية مريض كورونا كأي مريض آخر.
وعن الإجراءات التي قام بها الضمان الإجتماعي لمواكبة أزمة كورونا يوضح كركي أن الضمان مثله كمثل الجهاز الطبي من أطباء وممرضين عليه الوقوف والحضور في الصف الأول في مواجهة وباء كورونا للتخفيف عن المضمونين وأصحاب العمل، وقد تم تمرير الموافقات الإستشفائية بطريقة إلكترونية للمرضى بهدف تجنيب الاشخاص أي احتكاك منعاً لانتشار الوباء فيما بينهم. وتم اعتماد آلية تقضي بدخول المضمون الى المستشفى وإرسال معاملات الضمان إلكترونياً وكذلك الموافقات من دون ان يضطر المريض للجوء إلى مكتب الضمان وهذه خطوة مهمة جداً يجري العمل عليها لتطويرها في الأيام المقبلة.
وبالنسبة الى أزمة الأدوية السرطانية لاسيما أن أكلافها عالية جداً فقد تم التوافق مع عدد من المستخدمين بالضمان على الرغم من قرار الحجر المنزلي على استئناف عملهم مع اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لإنجاز كافة المعاملات التي سبق وتقدمت الى الضمان من هنا تم سداد مستحقات كافة المضمونين ذوي الأمراض السرطانية والمستعصية وقد تم التواصل معهم بشكل إفرادي كما تم إعلان أرقام الفواتير والهواتف على الموقع الإلكتروني للضمان الإجتماعي إفساحاً في المجال للتواصل مع مكاتب الضمان ليتقاضوا مستحقاتهم.
بالإضافة الى ذلك اتخذ الضمان قراراً بتمديد براءة الذمة وتمديد مهل دفع الإشتراكات لمدى ستة أشهر وهذا الأمر يساعد أصحاب العمل على مواجهة الأزمة كذلك بالنسبة الى التصاريح تم تمديد مهلتها لستة أشهر وانطلاقاً من ذلك يدعو كركي الدولة الى الإلتفات الى أن تأخير استحقاقات الضمان شعوراً منه بوضع أصحاب العمل من شأنه أيضاً أن يؤخر ويخفض الإيرادات المالية الى الصندوق خصوصاً بعد تاخير الإشتراكات لستة أشهر، فالاشتراكات هي المورد الأساسي للضمان لذلك على الدولة أن تضع في سلم اولوياتها دفع مستحقات الضمان التي بلغت 3500 مليار ليرة حتى اليوم، لتمكينه من الإستمرار في تغطية حاجات الناس وطبابتهم.
”معضلة“ التأمين
تستثني بعض عقود التأمين تغطية المضمونين (المؤمّنين) في حالات انتشار الوباء الأمر الذي دفع بعض شركات التأمين الى التمسك بتنفيذ العقود وعدم تغطية حالات الإصابات بكورونا وبعد إصرار وزارة الصحة والإقتصاد على تحمل شركات التأمين جزءاً من المسؤوليات الملقاة على عاتق كافة الفرقاء في مواجهة أزمة كورونا، وافقت شركات التأمين على تغطية كافة المضمونين بمن فيهم أصحاب العقود المُستثناة من التغطية شرط أن يتم اعتماد تعرفة توازي تلك المعمول بها في الضمان الإجتماعي وهو ما رفضته المستشفيات، وحتى اليوم لا يزال الموضوع قيد المفاوضات.
ما حصل وفق حديث رئيس جمعية شركات الضمان ايلي طربيه لـ”بيروت توداي“ أن شركات التأمين أرادت أن تضم باقي المؤمنين نحو 50 في المئة منهم أي أولئك الذين لا تشملهم تغطية علاج كورونا، وذلك بعد الإتفاق مع المستشفيات على اعتماد تعرفة الضمان تجنباً لإفلاس أو انهيار شركات التأمين إلا أن المستشفيات عرضت سعر مرتفع يقارب سعر تغطية الدرجة الأولى ”وهو ما يستحيل علينا تحمله إذ لا يمكن تغطية كافة المصابين بدرجة أولى، ثم طالبنا بعرض تعرفة مقبولة لكن المستشفيات أصرت على تعرفتها“ قول طربيه.
من هنا تستمر شركات التأمين بتغطية نحو نصف المؤمنين فقط في حين لم نتمكن من تغطية المستثنين من التغطية في عقودهم وذلك يعود لإصرار المستشفيات على عدم اعتماد التعرفة المعتمدة في علاجات مرضى الضمان أو الوزارة على أمل التوصل الى حل وسطي مع المستشفيات، يوضح طربيه. ”أضف إلى أن إصرار المستشفيات أوقعنا في مشكلة تغطية الأجراء الأجانب الذين لا يوجد بينهم أي إستثناءات وتشمل عقودهم جميعاً تغطية علاجات كورونا لكن تكمن المشكلة في أن تغطيتهم عادة تتم بدرجة ثالثة إلا أن المستشفيات تصرّ على اعتماد تعرفة مرتفعة تقارب الدرجة الأولى وهو ما لا يمكننا الالتزام به لذلك نحن في حال أزمة تتعلق بتغطية الأجراء في حال إصابة أحدهم بفيروس كورونا“.
”استنفار“ الصليب الأحمر
وتوضيحاً لكيفية تزوّد الصليب الأحمر اللبناني بالمعدات والتجهيزات اللازمة لمواجهة كورونا وما إن كان يعاني نقصاً بالتجهيزات يشرح أمين عام الصليب الأحمر اللبناني جورج الكتاني في حديث لـ”بيروت توداي“ ويقول: أنه من ضمن الخطط الإحترازية كان لدى الصليب الأحمر اللبناني مخزون معدات حماية من الأوبئة منذ عام 2014، إبان أزمة إيبولا، ومع بداية الإعلان عن أول حالة في لبنان جراء COVID-19 باشر الصليب الأحمر اللبناني بإستعمال تلك المعدات وهي عالية الجودة ومطابقة للمعايير الدولية ولمنظمة الصحة العالمية وهي مخصصة للحماية الشخصية للمسعفين وللمصابين على حد سواء، إضافة إلى وضع بروتوكولات وسياسات خاصة بالإستجابة والإغاثة والصحة الأولية والتوعية. ومع بدء نفاذ تلك الكمية باشر الصليب الأحمر اللبناني بالشراء من السوق المحلية من أكثر من مورد ونظراً للمعدات التي نطلبها والتي هي عالية الجودة فإننا لا نجدها بالكميات المطلوبة لذا نشتري بمقدار ما يكفينا أسبوعياً.
كما وأن هناك مشكلة في تأمين المال النقدي لتغطية كلفة المشتريات من السوق المحلية وهو ما يتطلب في هذه الفترة الدفع نقداً مما يشكل عبئاً مالياً، ووفق الكتاني، هناك أيضاً مشكلة الإختلاف في الأسعار للأصناف نفسها وهو ما يوقعنا بمشكلة شرح ذلك للمتبرعين ”فنحن نعتمد الشفافية في كافة عمليات الشراء مع آلية واضحة معترف بها بالشراكة مع الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر مع وضع بروتوكول طوارئ واضح.“