لطالما شكّلت الرعاية الصحية المعروفة بالمُجزأة حاجز أمام من يسعى للحصول على مساعدة الطبية تكلفتها مقبولة، مأثرة خصوصًا على المجتمعات الهشّة مثل اللاجئين السوريين.
عقب انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، استغل مقدمي الخدمات من القطاع الخاص الفرصة للهيمنة على القطاع العام الضعيف وغياب الحكومة لاحتكار قطاع الرعاية الصحية.
تشكل اليوم الشركات الخاصة وشركات التأمين جوهر الرعاية الصحية في لبنان، حيث يقدمون خدمات غالية الثمن بدلًأ عن المؤسسات العامة الضعيفة في وقت يغرق في المئة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر.
بهدف سد الفجوة في قطاع الرعاية الصحية العامة، عملت منظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة والمتبرعون دوليًا على تزويد اللاجئين بخدمات الرعاية الصحية اللازمة.
تقول المتحدثة بإسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، نادين مظلوم ل”بيروت توداي”: “قدمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وشركاؤها المنفذين 58,332 استشارة للاجئين ومجتمعات هشّة أخرى في عام 2021”.
يمكن للاجئين التحقق من لائحة المستشفيات لجميع طالبي اللجوء واللاجئين في لبنان والاتصال بخط NExtCare الساخن للمفوضية (01504020) في أي وقت ويوم للاستعلام عن المستشفيات المدعومة من قبل المفوضية وشركائها.
حاجة ملّحة لرعاية صحية أفضل
تُقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في خطة الاستجابة لأزمة اللبناني 2017-2020 أن هناك أكثر من مليوني شخص بحاجة لخدمات الرعاية الصحية. كما تُقدر الوكالة أن هناك لما يفوق عن 100,000 حالة طبية عند اللاجئين تتطلب الدخول إلى المستشفى سنويًا.
يُحدد التقرير أن الرعاية الصحية الأولية في لبنان يتم توفيرها بشكل أساسي من خلال ” 218 مركزًا للرعاية الصحية الأولية (وكلها جزء من محاولة وزارة الصحة لزيادة الخدمات الطبية للاجئين)، وما يُقدر بـ 1011 منشأة رعاية صحية أولية أخرى، يشار إليها باسم المستوصفات، ومعظمها من عيادات المنظمات غير الحكومية”.
في مراكز الرعاية الصحية الأولية، “يستطيع اللاجئون تلقي العلاج المدعوم، في حين أن الأدوية واللقاحات غالبًا ما تكون مجانية ومتوفرة على نطاق واسع”.
في عام 2017، وجد تقرير تقييم الضعف الذي أصدرته مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة الأمم المتحدة للأطفال (UNICEF) وبرنامج الأغذية العالمي أن الأسباب الرئيسة لعدم حصول أسر اللاجئين على الرعاية الطبية المناسبة كانت “بسبب تكلفة الأدوية (33 في المئة)، ورسوم الاستشارة (33 في المئة)، عدم اليقين بشأن المكان الذي يجب الذهاب إليه (17 في المئة) وعدم قبولهم في المرفق (14 في المئة)”.
في ذلك الوقت، كانت تكلفة مواعيد الطبيب بين 8,000 ليرة لبنانية و16,000 ليرة لبنانية، أو حوالي 4 إلى 9 دولارات أمريكية بسعر الصرف الرسمي. اليوم، انخفضت قيمة الليرة لتصل إلى ما يزيد عن 20,000 ليرة لبنانية بسعر السوق الموازي، ولا يزال الرقم الدقيق في تغير مستمر اعتمادًا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
حتى قبل الأزمة، وجد اللاجئون أنفسهم في كثير من الأحيان يعودون إلى سوريا للحصول على خدمات الرعاية الصحية بسبب أسعارها الباهظة في لبنان. لقد زادت هذه الرسوم بشكل كبير، وتحولت من كونها باهظة الثمن إلى حد لا يمكن تحملها على الإطلاق بالنسبة للعديد من اللاجئين.
ما هي الخدمات المؤمنة للاجئين في لبنان؟
تُغطي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أكثر من 85 في المئة من تكاليف الرعاية الصحية الأولية للاجئين. وتهدف الوكالة أيضاً إلى دعم خدمات الصحة العقلية (بما في ذلك الرعاية النفسية المتخصصة) حيث أصبح من المعترف به على نحو متزايد أن المساعدة النفسية تشكل شاغلاً صحياً مشروعاً وملح في ضوء الوضع المضطرب في لبنان.
بالرغم من هذه التحديات، أشارت المفوضية إلى أن حالة الرعاية الصحية في لبنان قد تحسنت منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011 بمعنى أن هناك زيادة في عدد المراكز الصحية والموظفين، إلى جانب زيادة الاهتمام بالعلاج المتخصص.
وجدت المفوضية أن هناك ما مجموعه 140 مرفق رعاية صحية للاجئين في جميع أنحاء لبنان بين عامي 2017 و 2020، بما في ذلك 27 عيادة صحية تابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين /أونروا تقدم 931,000 استشارة عامة كل عام، و10 مراكز للتنمية الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، و 73 عيادة أولية تابعة لوزارة الصحة العامة. مراكز صحية و 30 مستوصف آخر.
ليس ذلك فحسب، بل قامت وزارة الصحة العامة بتغطية تكلفة 25 وحدة طبية متنقلة تديرها المنظمات غير الحكومية، والتي تقدم “استشارات وأدوية مجانية وغالبًا ما تحيل المرضى مرة أخرى إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية للحصول على خدمات غير متوفرة من خلال الوحدات الطبية المتنقلة”.
انخفض هذا العدد منذ بداية الأزمة، لكن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لا تزال تجد أن “الوحدات الطبية المتنقلة لا تزال تعمل بشكل أساسي في المناطق ذات التوزيعات العالية للأحياء السكنية العشوائية/غير النظامية و/ أو في المناطق الريفية البعيدة حيث يصعب الوصول إلى مراكز الرعاية الصحية الأولية”، وفقًا لخطة الاستجابة للأزمات الخاصة بالمفوضية.
الوحدات الطبية المتنقلة هي خيار لأولئك الذين لديهم وصول محدود إلى الرعاية الصحية بسبب النقل الباهظ وللذين لديهم حرية التنقل المقيدة، مثل اللاجئين الذين ليس لديهم أوراق الإقامة القانونية.
دعم كوفيد 19 موجود أيضًا
قالت مظلوم: “اعتبارًا من ديسمبر 2021، دعمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان 13 مستشفى بالتبرعات من المعدات الطبية المتطورة والإمدادات والأدوية ومعدات الحماية الشخصية. من خلال هذه التبرعات، تمت زيادة قدرة نظام الرعاية الصحية اللبناني مع 100 سرير لوحدة العناية المركزة و 586 سريرًا عاديًا لعلاج كورونا. كما تبرعت المفوضية بالمازوت إلى 18 مستشفى حكوميًا خلال أزمة الوقود”.
وأضافت: “تلعب المفوضية دورًا نشطًا في الحملة الوطنية للتلقيح ضد وباء كورونا ، وفي عام 2021، من خلال وحدات التطعيم المتنقلة ، قدمت 27,623 جرعة لقاح للاجئين واللبنانيين الذين يعيشون في المناطق النائية”.
يمكن للجميع في لبنان التسجيل للحصول على اللقاح المضاد لكورونا مجانًا عبر مجموعة متنوعة من المراكز، بما في ذلك اللاجئون السوريون.
وقالت المتحدث أيضًا إن المفوضية دعمت إعادة تأهيل مركزين للرعاية الصحية الأولية للتلقيح ضد فيروس كورونا في المناطق الريفية في البقاع وشمال لبنان، بالإضافة إلى توفير الإمدادات الطبية وقرض المعدات الطبية لثلاثة مواقع تطعيم كبيرة.
حاجة لدعم دولي
كل هذه الجهود فعالة ومثيرة للإعجاب، لكنها بالكاد تكفي لتغطية اللاجئين السوريين البالغ عددهم حوالي 1.5 مليون. على الرغم من تدخل الجهات الفاعلة المحلية والدولية لتقديم هذه الخدمات، إلا أن بداية الأزمة اللبنانية في أواخر عام 2019 ساهمت في زيادة الحاجة الماسة لخدمات صحية ميسورة التكلفة والطلب عليها في ضوء الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية غير المستقرة.
إن إحراز التقدم أمر مؤسف في أفضل الأحوال، حيث تؤثر الاضطرابات الحالية تأثيراً شديداً على المساعي المحلية بل وتدفع بعضها نحو وقف العمليات بالكامل.
وتقول مظلوم “نواصل دعوة المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب لبنان في هذه اللحظة الحرجة وتقديم الدعم اللازم لمساعدة البلاد في الخروج من الأزمة الحالية”.
ناهيك عن غياب الشفافية من جانب الحكومة اللبنانية، التي لا تزال غامضة بشأن خططها لمساعدة اللاجئين، الأمر الذي يثير الشكوك والتردد بين المنظمات المانحة. في أحسن الأحوال، يظل مجتمع اللاجئين منعزلاً في كفاحه من أجل حقوق الإنسان الأساسية.