أعلنت المملكة العربية السعودية وإيران أنهما ستعيدان العلاقات الدبلوماسية بعد سبع سنوات من العلاقات المقطوعة في وقت سابق من الشهر الجاري، وتعهدت الدولتان بإعادة فتح سفارتيهما، واتفقتا أيضاً على البدء في التعاون في مجالات مثل الأمن والتجارة.
كان التنافس بين المملكة العربية السعودية وإيران – والذي غالباً ما يستخدم كرمز للتوترات الأوسع بين السنة والشيعة – سمة رئيسية للسياسة والصراع في الشرق الأوسط، حيث شارك كلاهما في معارك بالوكالة في اليمن ولبنان وأماكن أخرى. فقد أطلقت السعودية في اليمن تدخلاً على أمل إعادة الحكومة التي أطاح بها حلفاء إيران؛ وفي لبنان، أجبرت الحكومة السعودية رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة في عام 2017، في خطوة كان يُعتقد أنها تهدف إلى احتواء حزب الله حليف إيران، وتكاد يكون بأهمية الاتفاقية نفسها التي توسطت فيها الصين، في خطوة أخرى تدل على توسع نفوذها في المنطقة.
لطالما كان لبنان حليفاً رئيسياً للسعودية التي زودت البلاد بالمساعدات المالية والدعم السياسي، ومع ذلك، توترت هذه العلاقة في السنوات الأخيرة بسبب تنامي نفوذ حزب الله في لبنان، ومعروف أن حزب الله جماعة سياسية وعسكرية شيعية مدعومة من إيران، وهو من الجماعات العسكرية التي شاركت في الصراع السوري الذي تعارضه السعودية.
وقد أوقفت السعودية حزمة مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات دولار للبنان في عام 2016، مستشهدة بنفوذ حزب الله في البلاد، وعادت لتسحب مع بعض حلفائها في الخليج سفرائهم من بيروت في 2021، وذلك بعد انتقاد وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، وعلى الرغم من عودة المبعوثين في وقت لاحق، إلا أن العلاقات السعودية – اللبنانية لا تزال متوترة.
وأشاد كل من حزب الله ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالاتفاق السعودي – الإيراني، ووصفه بأنه “فرصة للتنفس في المنطقة والتطلع إلى المستقبل”، لكن المحللين يحذرون من أن هذا لا يعني بالضرورة أن علاقات لبنان مع السعودية ستتحسن تلقائياً، بينما رحب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بالاتفاق، وقال: “التقارب بين إيران والسعودية يسير في مساره الطبيعي ويمكن أن يفتح آفاقاً جديدة للمنطقة ولبنان”.
لكن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان قال إن لبنان بحاجة إلى “تقارب لبناني” بدلاً من “تقارب سعودي إيراني” لتحسين أوضاعه، وأضاف بأنه يجب أن يفهم لبنان مصالحه، وعلى السياسيين أن يضعوا مصلحة لبنان قبل أي مصلحة أخرى، وبمجرد أن يفعلوا ذلك ويعملوا على بناء الدولة اللبنانية فإن لبنان سيزدهر، ويشير هذا الرد الدبلوماسي إلى أن السعودية ربما تفصل مشاكلها مع لبنان عن صراعها مع إيران.
من غير المرجح أن يكون للتقارب السعودي الإيراني تأثير فوري على الأزمة المالية في لبنان أو الوضع السياسي، ومع ذلك، يمكن أن يخلق فرصة للبنان للابتعاد عن الصراعات الإقليمية التي ساهمت في مأزقه الحالي، كما يمكن أن يساعد خفض التوتر بين السعودية وإيران في تخفيف الضغط على لبنان، وتشجيع كلا البلدين على التعامل بشكل بنّاء مع البلاد.
من ناحية أخرى، إذا استمرت السعودية في النظر إلى لبنان على أنه أولوية منخفضة، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من تجاهل لبنان، مما ينعكس سلباً على مشاكل البلاد الاقتصادية والسياسية، وهذا من شأنه أن يعزز نفوذ حزب الله، ويقلل من إمكانية إجراء إصلاحات ذات مغزى يمكن أن تعالج مشاكل لبنان.
يعيش لبنان في الوقت الراهن في خضم شلل نيابي وفراغ رئاسي، حيث يتوقع الخبراء وجود فراغ رئاسي يستمر لمدة عام على الأقل من شأنه أن يعمّق الانقسام السياسي والأزمة الاقتصادية التي يمر بها. لقد فعل حزب الله هذا من قبل، بعدما فرض حالة من الجمود السياسي بين عامي 2014 – 2016 لتأمين انتخاب مرشح الحزب ميشال عون رئيساً للبلاد، بينما يستخدم في الوقت الراهن كلا المعسكرين حق النقض (الفيتو) لمنع مرشح المعسكر الآخر من تولي الرئاسة. وفي هذه الأثناء، لا يوجد في لبنان سوى حكومة تصريف أعمال، نظراً لأن النخبة السياسية لا تستطيع الاتفاق على تعيينات وزارية، وبالتالي ليس لدينا اليوم رئيس وزراء ولا حكومة ولا رئيس للبلاد.
هذا الفراغ قد يؤدي إلى تسريع الانهيار الاجتماعي والاقتصادي الذي لا تريده إيران وحزب الله بالتأكيد، حتى لو تم إحياء الاتفاق النووي مع رفع العقوبات وإطلاق الأموال، فإن إيران لن تتمكن من إطعام مناصري وجمهور حزب الله في لبنان، إذ إن جمهور الحزب يعاني من الأزمة الاقتصادية مثل الجميع، وهو يدرك جيداً بالاشتراك مع إيران أن لبنان بحاجة إلى اقتصاد منتج، ويفهم أيضاً أنه إذا أصبح مرشحهم رئيساً وكانت الحكومة المشكلة بقيادته، فإن المجتمع العربي بالإضافة إلى الأطراف الدولية سيتجهون إلى عزل لبنان عربياً ودولياً.
هنا يواجه حزب الله معضلة، إذ لا يمكنه تحمل عزلة لبنان، وإذا انهار البلد سينهار حزب الله معهم، ومن ناحية أخرى، لا يمكن للحزب التنازل عن تشكيل الحكومة الجديدة لأسباب أمنية، حيث إنه لفهم أهمية سلاح حزب الله، لا بد من فهم قيمة تحالفه مع إيران.
تخضع إيران للعقوبات منذ أربعة عقود مما حرمها من تطوير ترسانتها العسكرية منذ نهاية عهد الشاه محمد رضا البهلوي في 1979، بينما كان أعدائها مسلحين بأحدث التقنيات الأميركية، وهو ما دفع بإيران للبحث عن وسائل ردع إبداعية، وهنا يأتي الوكلاء والحلفاء الذين يمكنهم جعل أي هجوم على إيران مكلفاً للغاية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا قررت إسرائيل في أي وقت مهاجمة إيران، فإنهم يعرفون أن حزب الله في الجوار، ويمكن أن يتدخل لدعم إيران بالاشتراك مع الفصائل الفلسطينية، ولهذا السبب تعتبر إيران حماية ترسانة حزب الله مسألة أمن قومي.
ومع ذلك ، فإن الترتيب الذي يتقاسم بموجبه حزب الله السلطة في لبنان مع أطراف أخرى من أجل حماية سلاحه لم يعد يعمل، حيث ستؤدي حكومة تقاسم السلطة إلى مزيد من الشلل وعدم الكفاءة، وستؤدي الحكومة التي يسيطر عليها حزب الله إلى العزلة، لذلك يحتاج لبنان إلى حكومة فاعلة ومتماسكة لإدخال إصلاحات شاملة، مثلما يحتاج إلى دعم عربي ودولي لتحريك الاقتصاد.
لقد أثار التقارب السعودي الإيراني الأخير الآمال بشأن تخفيف التوترات في المنطقة، بما في ذلك في لبنان. ومع ذلك، من غير المحتمل أن يكون لها تأثير فوري على الوضع في لبنان، حيث لا تزال هناك مخاوف من استمرار السعودية بإهمال البلاد، في حين يعتمد مستقبل لبنان على ما إذا كان بإمكانه أن ينأى بنفسه عن الصراعات الإقليمية، وما إذا كانت هناك رغبة بين القوى الإقليمية للانخراط بشكل بنّاء في تقديم الدعم له.
وفي نهاية المطاف، يقع مصير لبنان على عاتق شعبه وقادته الذين يجب أن يعملوا معاً لمواجهة التحديات الملحة التي يواجهها منذ تفاقم الانهيار الاقتصادي والأزمة السياسية في عام 2019.