“أوّل مؤسّسة تعليميّة تحظر استخدام ChatGPT”، ” ChatGPTالبداية… وما ينتظرنا مُرعب”، ” ChatGPT أحدث طريقة عالميّة للغشّ في المدارس والجامعات”… هي نماذج عن العناوين التي تنبثق من وسائل الإعلام بعد اكتشاف التطبيق واستخدامه من قبل الطلّاب في جميع أنحاء العالم .
لكن وسط كلّ الفرضيّات المطروحة والمخاوف التي يتمّ الترويج لها، كيف يمكن أن يؤثّر الذكاء الاصطناعي على التعليم الجيّد، رابع أهداف التنمية المستدامة؟
لطالما تبنّت مؤسّسات التعليم التقنيات الجديدة كأدوات تعليمية، من الآلة الحاسبة إلى الهاتف الذكي، نقف اليوم في طليعة ثورة تكنولوجيّة أخرى: بروز الذكاء الاصطناعي ونماذج اللغة مثل شات جي بي تي (ChatGPT)، الذي بإمكانه تحويل مسار النماذج التعليميّة.
وفقًا لدراسة نُشرت في مجلّة “نيتشر” (Nature) الأسبوعية، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحقيق 79 في المائة من أهداف التنمية المستدامة، منها جودة التعليم، ممّا يفيد الملايين من الأشخاص في البلدان المتقدّمة والناميّة.
اكتسب شات جي بي تي شعبيةً كبيرة خلال الشهر الماضي، بعدما أطلقت شركة “أوبن أيه آي” (OpenAI) النسخة الثالثة منه في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، مما أثار جدلاً على وسائل التواصل الاجتماعي حول تأثيره على التعليم والتحديات التي يطرحها، وأدّى الى حالة قلق بين مؤسسات التعليم في جميع أنحاء العالم.
وبادرت العديد من تلك المؤسسات الاتجاه نحو حظر استخدام البرنامج، خشية تحوّله إلى وسيلة للغش والانتحال في الامتحانات والفروض. في المقابل، يرى المؤيّدون ردّ الفعل هذا، متسرّع وتقليدي لاستحالة الهروب من واقع التكنولوجيا التي لن تختفي في أيّ وقت قريب. وعلى الرغم من أن شات جي بي تي يشكّل تحدّياً للمناهج التعليمية، فإنّه يفتح الفرصة أمام الجامعات لتحسين جودة التعليم والتدريس لتصبح متلائمة مع متطلبات العصر والتكنولوجيا، وبالتالي التقدم في مسار تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وقالت المرشحّة لشهادة الدكتوراه في القيادة التربويّة والابتكار، فاطمة عيسى، إنه: “مع تطوّر العلم، أعتقد أنّ للذكاء الاصطناعي فائدة إيجابية وسلبيّة في الوقت ذاته، ولكن مثل أي شيء آخر بخلاف هذا المجتمع، يجب التأقلم مع الواقع والاستفادة منه بذكاء. إذاً، كيف يمكننا كمعلّمين إيجاد توازن للاستفادة من التطوّر الرقمي المتغيّر والحفاظ على النزاهة الاجتماعية والتعليمية؟”.
باعتبارها واحدة من أكثر التقنيات الناشئة، سيكون للذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي تأثير كبير على أعمالنا المستقبلية. وفقًا لـ”جراند فيو ريسيرش” (Grand View Research)، فإن سوق الذكاء الاصطناعي العالمي قُدر بـ39.9 مليار دولار في عام 2019، ومن المتوقع أن ينمو بمعدل سنوي مركّب يبلغ 42.2 في المائة من عام 2020 حتى عام 2027. هذا النموّ السريع هو ميزة إضافية لأهداف الذكاء الاصطناعي وأهداف التنمية المستدامة، حيث أن اعتماد التكنولوجيا سوف يتخلل مجموعة واسعة من الصناعات والقطاعات. بمعنى، سيصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً من الحلّ المتعلّق بتلك الأهداف.
على سبيل المثال، يمكن استخدام شات جي بي تي لفحص كميات هائلة من البيانات بسرعة وتحديد الأنماط التي يمكن أن تساعدنا في إنشاء حلول مبتكرة لمعالجة أهداف التنمية المستدامة.
لا شكّ أنّنا نقف اليوم أمام ثورة رقميّة في عالم التعليم والتكنولوجيا والاستدامة. ويعدّ شات جي بي تي إحدى هذه التقنيّات الجديدة التي تتطلّب منّا وقتاً للتكيّف معها وتوظيفها في المجال التعليمي. ولكن كغيرها من الاكتشافات التي تمّ وُضع قوانين خاصّة بها، يجب التعامل مع برامج الذكاء الاصطناعي بذكاء، والاستفادة منها في تطوير العمل البحثي وإنتاج العلوم، من خلال دمجها في التعليم، وتحويل هذا الخطر المروّج له إلى فرصة تسرّع وصولنا إلى الهدف الرابع.
نبذة عن أهداف التنمية المستدامة
حدّدت الأمم المتحدة الأهداف التي أرست أساسًا للتعاون الجماعي للقضاء على 17 مشكلة تقف عائقاً في وجه التنمية المستدامة في عام 2015. تغطّي هذه الأهداف عوامل اجتماعية واقتصادية وبيئية للتنمية، تشكل هيكلاً مرجعياً يستخدمه المجتمع الدولي من أجل تحفيز المبادرات واعتمادها بحلول عام 2030. وتتميّز الأهداف العالمية الـ17 في ترابطها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، من المرجّح أن يصعّب ارتفاع معدلات الفقر، والوصول إلى التعليم، مما قد يؤثر سلباً على أهداف الوصول إلى المساواة بين الجنسين، وتحقيق الصناعة والابتكار، أو النمو الاقتصادي العالمي. وفي المقابل، فإنّ أيّ التزام بتحسين أحد هذه الأهداف قد يكون له تأثير إيجابي على الأهداف الأخرى.