Photo via ET Bil Arabi

نضال أنسات الكويت في مسلسل نيتفليكس الجديد “الصفقة”: هل صوّرت بشكل جيد؟ وما مدى أهميتها اليوم؟

بدأ عرض مسلسل “الصفقة” (The Exchange) على نتفليكس في الثامن من شباط (فبراير) الماضي، من تأليف نادية أحمد وآن سوبل وآدم سوبل، وهو ثاني مسلسل كويتي من قبل الشركة الترفيهية. تجري أحداث القصة في عام 1987 حين كانت تشهد الكويت ازدهاراً مالياً كبيراً بسبب أسواقها المالية، وبدأت النساء في الظهور في القوى العاملة أكثر من قبل. روان مهدي ومنى حسين تلعبان الدوران الأساسيان، على التوالي فريدة ومنيرة، وهما شخصيتان تم تأليفها من قبل الكتاب، ولكنهنّ يمثلنّ النساء اللاتي تمكنّ من اختراق عالم البورصة المالية الذي يهيمن عليه الرجال، وصارعنّ من أجل الحصول على استقلالهن.

منيرة وفريدة هما أول امرأتان تدخلان سوق البورصة في الكويت، فإذ بهنّ تعرضنّ للكثير من التمييز الجنسي، وغالباً ما لاحظوا رجالاً يحدقن بهما، ويتكلمون عن مظاهرهما، وغالباً ما يقارنونهما ببعضهما البعض ثم يتذمرون بأنهما تصرفان انتباههم. وفي الوقت نفسه يوجد رجالٌ بمناصب عليا يرفضون العمل مع منيرة وفريدة، وأحياناً أيضاً يعرقلون عملهما متذرعين بالمعتقدات الرجعية والذكورية، وأن المرأة عاطفية لغاية أنها لا تليق لمكان العمل، كما يقولون إن النساء يغزون مساحات العمل. من وجهة نظر رجال البورصة، كانت كل غلطة أم فشل واجهتها أي من فريدة أو منيرة مثال على عدم احتراف النساء أو ذكائهن الأدنى مقارنةً بالرجال، ولكن عند نجاحهما في إنجاز ما فشل بعض الرجال بإنجازه أيضاً فهذا لا يدعي للاحتفال بل هما يقومون بواجبهما فقط. كما تم استخدامهما ضد بعضهم البعض من قبل الرجال الذين أرادوا إسكات طلباتهما، مثل مديرهما سعود الذي ضحك على فريدة لطلبها مرحاضاً للنساء في المبنى قائلاً إن منيرة لم تشتك أبداً من ذلك.

بالفعل تم تقويض إنجازات المرأتان كما طغوا الرجال في حياتهما على إنجازاتهما، مثل أخ منيرة الذي ورث عمل أبيه ببساطة بينما عملت منيرة لنيل منصبها، لكنه نال كل الاهتمام والثناء. نرى أيضاً تخويف الرجال لنجاح المرأة، مثل استخدام زوج فريدة السابق عمر لتعليم ابنتهما جود كوسيلة لإجبارها على ترك وظيفتها، والزواج منه مرة أخرى، لأنها لا تستطيع تحمل تكاليف إرسالها إلى المدارس الخاصة، ولكنه يمكنه ذلك. وبالتالي يتساءل المشاهد إن قد يفعل ذلك عمر إن كانت جود صبياً.

استفاد المبدعون ببراعة من التنسيق متعدد الحلقات للمسلسل لإظهار الطبقات المختلفة للنسوية ونضالات النساء، بدلاً من القيود التي كانوا واجهوها إذا كانوا يحاولون القيام بذلك في فيلم غالباً ما يكون وقت تشغيله أقصر بكثير. وهذا واضح في قصة المقالة التي كتبت عن فريدة ومنيرة ضمن المسلسل. في إحدى الحلقات، جاء صحفي شهير لإجراء مقابلة مع فريدة ومنيرة لنشر مقالة عنهما. أثار هذا الخبر حماسة منيرة لأنها شعرت بالقوة، ورأت فرصة لإلهام الآخرين من خلال الإشادة بوصولها إلى مثل هذا المنصب في مجتمع أبوي. بينما شعرت فريدة أن هذا النوع من “الاهتمام الخاص” يؤدي في الواقع إلى نتائج عكسية، أي لن يؤدي إلى الاعتراف بهما على أنهما متساويات مع الرجال. في النهاية، لم يهتم أحد بمحتويات المقالة حيث كانوا الجميع يركزون الحكم على صورة المرأتين فوقها على الصحيفة. كما تبيّن لاحقاً أن المقالة كانت خدعة من قبل البنك الذي يعملون لديه لتحسين صورتهم وكسب عميل جديد، وهي شركة ترأسها امرأة. بعبارة أخرى، كانت المقالة مثالاً على الحركة النسوية الأدائية التي تهدف إلى تحقيق مكاسب مالية. بغض النظر عن ذلك، استخدم سعود النجاح الذي حققته منيرة من تلك المقالة، ومن معاملته لها على قدم المساواة مع الرجال في المكتب للادعاء أنها تدين له بالامتنان، ويجب أن تقبل عرض زواجه. هذا يظهر كيف أن الكثير من الرجال الذين يزعمون أنهم يعاملون النساء على قدم المساواة يفعلون ذلك بدوافع خفية.

توضح قصة جود أيضاً تأثير المجتمع الأبوي على الفتيات الصغيرات. لم يكن تعليمها في خطر بسبب طلاق والديها فحسب، بل واجهت تنمراً مستمراً من زملائها في المدرسة الذين ادعوا أن والدتها ستذهب إلى الجحيم لأنها تعمل مع الرجال، ومطلقة ولا ترتدي الحجاب، كما قاموا بالتنمر عليها لأنها انتقلت من مدرسة بريطانية خاصة إلى مدرسة رسمية، ولذلك اعتقدوا أنها أفضل منهنّ. هذا يوضح أيضاً الطابع الطبقي الموجود في الكويت، والعديد من دول الخليج، حيث تُظهر العديد من الحلقات أيضاً كيف متوقّع من الناس أن يعيشوا أسلوب حياة باهظة الثمن حتى لو لم يتمكنوا من تحمّل تكاليفها لأن الحديث عن المال لا يزال يعتبر من المحرمات والناس جداً تشعر بالقلق إزاء الحفاظ على سمعتها.

منذ عام 1987، ازدادت القوانين التي تحمي المرأة أو تمنحها المزيد من الحقوق في الكويت، لكن الأعمال العدائية استمرت مع اعتقاد بعض الناشطين أنها أصبحت أكثر وضوحاً مؤخراً. قبل نحو عام من تاريخ كتابة هذه المقالة، أعلن السكان المحليون الكويتيون عن منتج يوغا في الهواء الطلق “اعتداء على الإسلام”، وبدعم من النواب ورجال الدين زعموا أن بعض أوضاع اليوغا، مثل وضعية زهرة اللوتس والكلب النزولي كانت غير محتشمة بالنسبة للمرأة، ونجحت في منع الحدث. هناك أيضاً العديد من اللوائح الموضوعة التي تقيد حرية المرأة مثل عدم قدرتها على الالتحاق بالجيش إلا في دور غير قتالي، وفقط إذا كانت ترتدي الحجاب. جرائم الشرف موجودة أيضاً وليست نادرة ولا تُقابل بعقوبات جسيمة. على سبيل المثال لا الحصر، الرجال الذين يقتلون زوجاتهم بعد القبض عليهم في أفعال الزنا، يقضون فقط ما يصل إلى ثلاث سنوات في السجن، ويمكن أن تكون الغرامة فقط 46 دولاراً.

عوداً إلى محتويات المسلسل، ما يبرز من ناحية التصوير السينمائي هو استخدام المبدعين للألوان لإظهار سمات الشخصية والعواطف. في حالة المشهد الأول لمنيرة، نراها تدخل وهي تقود إلى أبواب حفلة بمفردها في سيارة حمراء زاهية. ترتدي أيضاً فستاناً وردياً لامعاً وظلال عيون ملونة، والتي كانت أيضاً عنصراً أساسياً طوال المسلسل. هذا حدد شخصيتها بوضوح كشخصية تبرز بثقة من أقرانها. طوال فترة عمل فريدة ومنيرة في البنك أيضاً، دائماً ما تكون ملابسهما ملونة أكثر بكثير من ملابس زملائهم في العمل الذين يميلون إلى ارتداء ألوان لطيفة مثل الأبيض أو البيج أو البني. يهدف هذا إلى إظهار كيف ينظر إليهما زملائهما في العمل على أنهما غريبتان أو خارج محلهما. وفي المشهد الأخير من المسلسل، تظهر فريدة التي كانت تسعى إلى الاستقلال منذ البداية وهي ترتدي ظلال العيون الملونة تماماً مثل منيرة لتخبر الجمهور عن ثقتها الجديدة وازدرائها.

لم ينجح صانعو هذا المسلسل فقط في إنشاء قصة مكتوبة جيداً عن كفاح المرأة في الكويت والتي لا تزال مرتبطة في مجتمع اليوم، ولكنهم جعلوها أيضاً ذات صلة مع معظم المشاهدين في مجتمعات عربية أخرى لا تزال تعاني من الأنظمة الأبوية. حتى وقت كتابة هذا التقرير، ليس من الواضح ما إذا كان المسلسل سيحصل على موسم ثان أم لا، ولكن لا يوجد نقص في الروايات التي يمكن أن يستوحي منها المبدعين أفكارٍ متعلقة بالموضوع الرئيسي للمسلسل في حالة حدوث ذلك.