Credit: screenshot via Mashable ME

فرح: اختيار القوالب النمطية على الواقعية والأصالة

عرض خلال آخر شهرين من العام الماضي، كما هو متوفر الآن على نتفليكس، الفيلم اللبناني “فرح” للمخرجيّن حسيبة وكنتون فريحة أوكسلي، ومن بطولة ستيفاني عطالله كالفتاة لينا ناصر. لينا طالبة في أميركا تدرس علم الأعصاب وتعاني من كوابيس وهلاوس عرضية من أصوات صراخ الناس. بعد مواجهتها لانهيار عصبي قام والدها بإعادتها إلى لبنان، حيث بدأت تتلقى العلاج وتتناول الأدوية التي قدمها لها طبيب نفسي وصديق للعائلة. وصف لها الدواء “إكسابا” (xapa) الذي يتم تصنيعه في شركة الأدوية التي يعمل بها والدها، كما تكتشف أن والدتها، فرح، التي اعتقدت لينا أنها ماتت أثناء الولادة، هي حقًا على قيد الحياة.

تمكنت لينا من العثور على والدتها في منزل يديره ويحرسه أشخاص يعملون لدى والدها. هناك أخبرتها فرح أن والدها اعتاد اختبار “إكسابا” عليها، وهذا ما دفعها إلى أن تصبح أكثر اضطرابًا عقليًا. خوفًا على سلامتها وسلامة أمها قررت مساعدتها على الهروب حتى يتمكنوا من الابتعاد عن والدها معًا. بمجرد أن تمكنوا من الوصول إلى مكان آمن، بدأت فرح تظهر عليها علامات تدل على أنها تعاني بالفعل من مشاكل في الصحة النفسية. بعد ذلك هربت لينا من تلقاء نفسها، ولكنها بدأت تواجه القلق الشديد وضيق التنفس. وجدها والدها أخيرًا تحت تأثير المخدرات، فأخذها إلى غرفة الطوارئ ثم وضعها في مصحة عقلية تقدم خدمات علاجية بدلًا من الطب النفسي.

وفور أن أصبحت بصحة جيدة، أخذها والدها إلى المنزل حيث كانت والدتها قد اقتحمته وكانت تنتظرهم بمسدس، وفي خضم كل هذه الفوضى، تمكنت لينا من الإمساك بالمسدس ووضعته على رأسها مطالبة بإخبارها الحقيقة. أخبروها كيف عندما كانت والدتها حاملًا بها واجهت انهيارًا عصبيًا أدى إلى قتلها لأخيها الذي لم تكن تعلم بوجوده، كما طعنت بطنها في محاولة لقتل لينا. هذا كان سبب إعطاء والدها الدواء الذي فشل في النهاية في إحداث فرق ثم أخفاها. ترك الخبر لينا في حالة من الفوضى. ذهلت فرح من مشهد ابنتها وهي تفقد عقلها، فأخذت المسدس وأطلقت النار على نفسها.

بالفعل قام الفيلم بمحاولة تسليط الضوء على أمور جدية متعلقة بالصحة النفسية، وما يؤمن عنها الناس في لبنان مثل اختيار الطب النفسي بدلًا من علم النفس للتعامل مع الأعراض بدلًا من أسباب المشاكل النفسية عادة بهدف إيجاد حلول سريعة وسهلة تسمح بإبقاء هذه المشاكل سرًا في مجتمع لا يزال يوصم ممارسات الصحة النفسية، كما نرى ممارسات غير أخلاقية يتم تطبيعها في لبنان مثل كون الطبيب النفسي للينا صديقًا للعائلة وسماحه لوالدها بحضور الجلسات التي من المفترض أن تكون سرية، بالإضافة إلى مشكلة الشركات الطبية الكبرى التي تعطي الأولوية للربح بدلًا من سلامة مستخدمي منتجاتها، مثل شركة والد لينا التي اختلقت الإحصاءات المتعلقة بمعدلات الانتحار لمستخدمي أدويتها النفسية (أي إكسابا). ولكن كل هذه الرسائل كانت سطحية للغاية ولم يتم تسليط الضوء عليها بقدر العناصر الأخرى الأكثر دراماتيكية في الفيلم.

في محاولته لدفع الجمهور نحو قبول علم النفس كشكل صالح من العلاج، زاد هذا الفيلم من وصم الطب النفسي والأدوية النفسية، في حين أن بعض انتقاداته كانت ذات وجهة نظر، فقد أظهر بعض ردود الفعل المتطرفة وغير الواقعية للأدوية النفسية مثل كون لينا منتشية وعدوانية في الوقت ذاته بسبب مجرد حبة واحدة في بداية الفيلم، كما أنه لا يحارب الصورة النمطية التي تقول إن المرضى الذين يعانون من مشاكل نفسية هم خطيرين ومخيفين.

علاوة على ذلك، إن تصوير فرح على أنها مضطربة عقليًا تغذيها أيضًا الصور النمطية السلبية والسطحية الموجودة في المجتمعات اللبنانية. حتى اللحظة التي بدأت في الصراخ على لينا بمجرد أن أصبحوا بأمان، كانت “العلامات” الوحيدة التي تشير إلى أنها تعاني من مشاكل نفسية هي سلوكها الغريب، واختيارها للماكياج الداكن، وحبها للحيوانات (تحديدًا الطيور)، وفتنتها بالكريستال، وملابسها الملونة والمبهجة. كل هذه العلامات، التي غالبًا ما تُنسب مجتمعيًا إلى أفراد مجتمع الميم/عين، تثبت أنها لا تتوافق مع معايير المجتمع في اللباس والسلوك، ولكنها لا تظهر بأي حال من الأحوال بأنها تواجه مشاكل نفسية. في الواقع، بمجرد أن بدأت بالصراخ على لينا، كان أول ما قالته هو كيف تتمنى لو تقتل والد لينا لإبقائها معزولة لعدة سنوات. 

الموسيقى التصويرية وتعبيرات وجه لينا قادا الجمهور إلى الاعتقاد بأن هذه هي اللحظة التي بدأت فيها مشاكل الصحة النفسية الحقيقية لفرح بالظهور. لكن في الواقع، هذا الغضب الشديد والرغبة في الانتقام أمر منطقي بالنسبة لشخص مرّ بما زعمت فرح أنها مرت به حتى تلك اللحظة، ولم يكن لدى الجمهور سبب للخوف منها. قد يفترض الجمهور أن المخرجيّن اعتقدوا أن إظهار صراخ امرأة غاضبة يكفي لإظهار أنها مجنونة. لم يستطع الجمهور التأكد من أن فرح كانت مضطربة حتى المشهد التالي عندما بدأت بالصراخ في لينا بأنها ليست ابنتها وأن لديها بالفعل ولدًا، بينما كان الجمهور يعتقد أن لينا كانت طفلتها الوحيدة. كما تتجاهل سلسلة الأحداث والقرارات التي اتخذت على سبيل فرح أنها تعاني من اضطراب ما بعد صدمة قتل والديّها أمامها في الحرب الأهلية. ومع ذلك، فإن الرسائل التقدمية حول علم النفس طغت عليها الصور النمطية المتحيزة ضد المرأة ومجتمع الميم/عين التي مرت دون منازع في هذا الفيلم.

كما يعاني هذا الفيلم من ضعف الحوار الذي يهدف إلى تسريع وتيرة القصة على حساب المؤامرة. على سبيل المثال، تجد لينا على الفور جميع المعلومات التي تحتاجها عن والدتها منظمة بدقة في خزانة والدها بمجرد أن تبدأ في البحث عنها. تتخذ العديد من الشخصيات أيضًا قرارات غير منطقية مثل قبول لينا حبة من مجموعة من رجال تقابلهم في وقت متأخر من الليل، والعديد من الأحداث التي وقعت كانت أيضًا غير منطقية مثل بساطة العثور على المنزل الذي كانت فرح محبوسة فيه. 

في الواقع، كل المغالطات المنطقية الموجودة في هذا الفيلم تم تجسيدها في شخصية الصحفي الاستقصائي المجهول الذي كان يساعد لينا. في نهاية الفيلم، كان من الواضح أن هذا الصحفي في الواقع مجرد نسج من خيال لينا. ومع ذلك، فإن هذا يخلق ثقوبًا ضخمة في المؤامرة نظرًا لأنه كان يعرف الكثير من المعلومات التي لم تكن لينا تعرفها مثل استخدام والدها للناس كمواضيع اختبار لأدويته. على الرغم من اكتشاف أن هذه المعلومة غير صحيحة في النهاية، إلا أنها لا تزال تتماشى تمامًا مع ما أخبرتها والدتها لاحقًا في محاولة من قبل الكتاب لإثارة شك حقيقي في الجمهور على حساب الاستمرارية. ناهيك عن ثاني مشهد لهم سويًا، حيث، من وجهة نظرها، يتتبّع المكان الذي تعيش فيه ويقتحم غرفتها، لكنها تتصرف كما لو كان هذا طبيعيًا. وبالطبع، قبل أن تكتشف أنه ليس حقيقيًا، تقع في حبه في المشهد الأخير في الفيلم على الرغم من عدم وجود أي بناء على ذلك ولا تعرف شيئًا عنه سوى أنه يُزعم أنه صحفي. يحمل هذا المشهد طابعًا متحيزًا جنسيًا نراه في الأفلام اللبنانية والأجنبية، لأن الجمهور لا يمكنه تفسيره إلا على أنه إما كذبة “لا يمكن أن يكونوا الرجال والنساء أصدقاء” أو أن قصة المرأة لا تكتمل دون وقوعها في حب رجل.

أخيرًا، كان التمثيل في هذا الفيلم مسرحيًا أكثر منه سينمائيًا. يأتي التمثيل المسرحي بمزيد من التعبيرات المبالغ فيها بدلًا من دقة التمثيل السينمائي لأن يمكن للمخرجيّن في الأفلام اختيار ما ينظر إليه الجمهور من خلال زوايا الكاميرا والتصوير السينمائي، بينما في المسرح يجب على الممثلين جذب انتباه الجمهور مما يضيف غير الواقعية للفيلم. وللأسف، لم يكن عدم التركيز على أداء الممثلين يعني بذل المزيد من الجهد في التصوير السينمائي. كانت جميع اللقطات تفتقر إلى الأصالة مثل استخدام الكاميرا المهتزة لإظهار لينا بالدُوَار عندما كانت تحت تأثير المخدرات، واستخدام لقطة مأخوذة من الأعلى عندما كانت لينا على نقالة المستشفى.

هذا الفيلم هو الأحدث في سلسلة طويلة من الأفلام اللبنانية المبنيّة على المواضيع العصرية، بينما يغفل تمامًا عن الهدف ويتمسك بمواقف المجتمع الجهلة منها، مما يمنحنا في النهاية استعراضية سطحية أخرى غير أصلية يمكن نسيانها بسهولة.