Photo Credit: Timour Azhari via Twitter

أين التغيير اليوم؟

بين تخبّطات المجلس النيابي وأشهر ما بعد الانتخابات والأزمات التنظيمية التي شهدتها مختلف مجموعات المعارضة، ولا سيّما مع الانهيار الاقتصادي والاجتماعي القائم في البلاد، فإنه لا يزال وضع الحركة التغييرية يتّسم بالإمكانيّات الكبيرة رغم أزمته الراهنة. بداية، علينا وضع النقاط على الحروف فيما يخص العلاقة بين النوّاب التغييرييّن المنتخبين، الحركات التي انخرطوا فيها، والجماهير التي انتخبتهم. وعلى المستوى الثاني، يجب وضع خارطة للإمكانيّات التنظيمية للمعارضة في الفترة القادمة وقوامها المحتملة. وأخيرًا، مع اقتراب الاستحقاق البلدي، يوجد أولويّات ظرفية وطويلة الأمد على المعارضة أخذها بعين الاعتبار.

الأزمة الوجودية لمجموعات المعارضة

بداية، إن التخبّط الذي شهدته المجموعات ما قبل، خلال، وبعد الانتخابات النيابية هو نتيجة عدّة عوامل، أوّلهما تنظيمي، وثانيهما فكري/سياسي. يتميّز الأوّل بالخيارات التنظيمية الذي أخذته المجموعات. فتتراوح التنظيمات الداخلية على سلّم التشاركية الداخلية بين التركيبات الأفقية والتشاركية الكاملة في اتخاذ القرارات والتركيبات العامودية مع تفويض كامل لمجلس تنفيذي أو رئيس. فيما تتّسم الأولى بالديمقراطية المباشرة، يميل هذا الخيار التنظيمي نحو البطؤ أو حتى الهمود نتيجة تشاركية تأتي بنتائج عكسية. وبينما تتميّز التركيبة العامودية بسرعة وفعالية اتخاذ القرار، تميل أيضًا إلى الدكتاتورية وتمجيد الأشخاص، وهنا أوّل عملية فرز للناشطين الذين يبحثون عن إطار يتنظّموا فيه. أمّا الفرز التنظيمي الثاني فهو يقتصر على حقيقة أن بعض المجموعات التغييرية تأسّست قطاعيًّا، أي تأسّست لغاية معيّنة: مجموعات نقابية، حملات انتخابية، إلخ.

أمّا فيما يخص الفرز الفكري، سنقتصر على ذكر موقف المجموعات حيال الاقتصاد والسيادة. في الاقتصاد، تراوحت المجموعات التغييرية ما بين من اختار خطّة تعافي تضع المسؤولية على الطبقة الحاكمة من سياسيّين ومصرفيّين، ومن اختار أن يتغاضى عن الاقتصاد (وهنا خيار ضمني للموافقة على إبقاء النظام الاقتصادي النيوليبرالي الحالي) أو من اختار عمدًا الإبقاء على النظام الاقتصادي الحرّ. وفي السيادة، هناك من وضع مواجهة مشروع حزب الله على سلّم الأولويّات جنبًا إلى جنب مع الموضوع الاقتصادي، وهناك من قرّر التركيز فقط على دور الحزب في أزمة البلاد، وهناك من قرّر التغاضي عن دور حزب الله في الأزمة أو حتى أبدى تسامح وجهوزية للتداول التعاوني معه.

في النهاية ومع كل هذه الاختلافات الداخلية، ندرك صعوبة “توحيد المعارضة” وخياليّة هكذا اقتراح، بل انفصاله الكامل عن الواقع. ولكن من ناحية أخرى، نجد أنّه يوجد هناك خيار لكل من يريد الانتظام سياسيًّا في مجموعة خارج التركيبة التقليدية.

النواّب “التغييريّون” ومجموعات المعارضة

اعتادت السياسة اللبنانية على مفهوم التمثيلية، أو في أقصى حالاتها على الزعامتية ضمن الأحزاب التقليدية. وتُرجم هذا المنطق في عقول بعض المواطنين والناخبين إلى أن الحالة التغييرية تقتصر على النوّاب الذين انتجتها، وأن المجموعات التغييرية تعتمد عليهم لنجاحها. ولكن الأشهر الأخيرة أثبتت العكس، وهو أن النوّاب هم من بحاجة لتكتّل وحركات شعبية قويّة. أمل التغيير يأتي عبر تنظيمات صلبة، لا عبر خروقات هنا وهناك. بغض النظر عن الاختلافات التنظيمية والفكرية، فإن أزمة المعارضة الأساسية هي النقص في الصلابة والمرونة (أي في احتمالية الاستدامة). على المنطق الزعاماتي والقبلي أن يكون في آخر أيّامه، على الأقل في صفوف المعارضة، كي يكون هناك مشروعية واحتمالية فوز أكبر.

نحو تنظيم فعّال، مرن، ديمقراطي وسيادي

تفاديًا لتحوّل الحركة التغييرية إلى دكّانات قطاعية أو مناطقية، إن أوجه الشبه بين بعض المجموعات أكبر من أن تنقسم. وهنا التركيز على المجموعات الواضحة في خطابها وفي الحملات النيابية التي ساهمت بإنتاجها وفي المشاريع التي قدّمتها على الصعيد السياسي. إنّ أمل البلاد يرتكز على نشأة تنظيم سياسي صلب، بكلّ ما للتنظيم من معنى.

على المستوى السياسي والفكري، هو تنظيم يواجه شقّي النظام القائم الميليشيوي والمصرفي وترابطهما. فمشروع الميليشيا في أساسه يعتمد على عدم انتظام وانهيار النظام الاقتصادي القائم، المتّسم بهروب مصرفيّي السلطة من المسؤولية وتراكم الثروات على حساب الأكثر فقرًا. فهو تنظيم يضع الديمقراطية أوّلًا. وترجمتها على الصعيد الاجتماعي هي رؤية اقتصادية تضع وزر الأزمة وكلفتها على المسؤولين من رجال سلطة ومصرفيّين، وتؤمّن آلية حماية اجتماعية للأكثر عرضة ومتوسّطي وصغار المودعين. وترجمة هذه الديمقراطية على الصعيد السيادي تأتي بالمواجهة بكلّ الأدوات المتوفّرة لمشروع هيمنة الميليشيا، أهمّها الأدوات الخطابية والتنظيمية والاستقطابية.

أمّا على الصعيد التنظيمي، فعلى التنظيم أن يمزج بين التشاركية في اتخاذ القرارات للأعضاء الفاعلين والفاعلية والسرعة في العمل عبر آليات تفويضية لا تتعارض مع رغبة الأكثرية. وأخيرًا، على المؤسّسين أن يعوا وجوديّة هكذا خطوة وتنظيم لمصير البلاد، والتمسّك بالمرونة المطلوبة لإحقاق استدامة التنظيم على الصعيدَين التنظيمي والفكرى، وأهمّ من ذلك على الصعيد المعنوي.