بدأت نتفليكس عرض فيلم “فرحة” للمخرجة الأردنية دارين سلام، وبطولة كرم طاهر كالفتاة فرحة وأشرف برهوم كوالدها أبو فرحة. “فرحة” هو أول فيلم طويل لدارين سلام بعد خمسة أفلامٍ قصيرةٍ، بينهم “الببغاء” و”الظلام في الخارج”، نالت من خلالهم عدة جوائز، كما رشحه الأردن لتمثيله في جائزة الأوسكار. ومنذ بدء عرضه، شنت مجموعات ومسؤولين إسرائيليين وصهيونيين حملات تدعي بأن الفيلم ينشر معلومات كاذبة عن إسرائيل وقواتها بسبب تغطيته لأحداث النكبة، حدثٌ لازالت إسرائيل تنفيه حتى اليوم.
“فرحة”، المستوحى من أحداث حقيقية، قائم في عام 1948 في فلسطين ويروي قصة فرحة، وهي فتاة تبلغ من العمر حوالي 14 عامًا وشعرها دائمًا مجدول، التي ترغب ترك قريتها للذهاب إلى المدينة لكي تبدأ عِلمها في مدرسة تسمح للفتيات بالانتساب إليها، لكن فور قبول والدها، مختار القرية، بدأت أحداث النكبة. دخلت مجموعات بريطانية صهيونية مسلحة إلى القرية فبدأ جميع سكانها بالفرار، لكن فرحة رفضت الذهاب مع عمها، بل أصرت البقاء مع والدها. خائفاً على سلامتها، حبسها والدها في غرفة المونة في منزلهم ووعدها بالعودة عندما يكون الوضع أمنًا.
الفصل الأول من الفيلم يركز على رغبة فرحة بنيل العلم، ولكن أعراف وتقاليد القرية الذكورية تقف في طريقها. فور بداية مشهد الافتتاح، يستدرك الشاهد حب فرحة للعلم حين يراها جالسة إلى جانب النهر تقرأ كتابها بينما صديقاتها الفتيات تلعبن مع بعضهنّ البعض. كما يرى رفض تقبلها للأعراف والتقاليد في صف الدين حين بارك الشيخ أحد زميلاتها على حنة زواجها، وقال: “عقبال نكتب كتابكن كلكن”، فأجابت فرحة: “عقبال ما يصير عنا مدرسة للبنات بالقرية، مثل الولاد”. وغضبها من ابن عمها ناصر عندما سألها عن قدراتها في الطبخ. وكونها الوحيدة في حفلة زواج صديقتها التي لاحظت علامات القلق على وجهها بينما الجميع يفرح ويبتسم.
حين جاء ابن عم والدها أبو وليد لزيارة القرية مع ابنته فريدة، صديقة فرحة، أعربت فرحة لفريدة عن حلمها بالذهاب إلى المدينة والدخول إلى المدرسة مثلها. لاحقًا قام أبو وليد بمحاولة إقناع أبو فرحة بذلك مؤكدًا له أنه يمكنه الاعتناء بها. لكن عندما استشار أبو فرحة الشيخ عن هذه المسألة، ثبط الشيخ الفكرة. مشهد يعكس حقيقة إعاقة رجال الدين والمؤسسات الدينية للطلبات والقضية النسوية في العالم العربي من الماضي إلى الحاضر. وبالفعل لم يأتِ خبر قبول أبو فرحة تسجيلها بالمدرسة إلا حين كان يحاول إقناعها بالزواج من ناصر بحجة أن جميع صديقاتها قد وجدن أزواجًا إلا هي. أي حتى عند نيل المرأة طلباتها، هذا يأتي مع توقّع منها أن تتوافق من بعد ذلك مع التقاليد التي احتجت عليها. لكن محاولته لم تقلل من فرحتها، وذهبت فرحة بعد ذلك لإخبار فريدة عن الخبر السعيد، وعن حلمها الجديد الذي هو العودة إلى القرية بعد أن تنهي دراستها وأن تفتح مدرسة للفتيات. انقطعت فرحة عن إنهاء جملتها التالية بصوت انفجارٍ كبير سببه جنود بريطانيين صهاينة في القرية. انعكاسٌ على مقاطعة التطور والنماء في الدول العربية بقوات أجنبية تنوي تحقيق أجنداتها الخاصة. وهكذا انتهى الفصل الأول وبدأت النكبة.
بالرغم من إصرار أبو فرحة على رحيلها مع أبو وليد وفريدة بينما هو يبقى للمحاربة، أصرت فرحة على البقاء معه. أخذها إلى المنزل وحبسها في غرفة المونة قائلًا لها إنه سيعود لاحقًا لأخذها. حبسها في غرفةٍ ظلماء يمثل إخفاء الأخبار والأحداث المهمة عن النساء في المجتمعات الذكورية تحت ذريعة حمايتهنّ، “إبقائهم في الظلام” كما يقول المثل الإنجليزي. ولكن نرى عيب هذا التفكير حين نرى تعذّب فرحة وهي محبوسة في الغرفة بدون وسيلة للخروج لا تتطلب والدها. أجل كان لديها الطعام وفانوس وكتابٌ في الداخل، لكن الضوء والطعام كانا محدودين كما تلقت الضرر من معارك مجاورة مثل دخول كميات هائلة من الغبار إلى الغرفة وخنقها نتيجة انفجارات قريبة. ولم يكن هنالك مياه داخل الغرفة فاضطرت شرب السائل في مرطبان الزيتون. ومع مرور بضعة أيامٍ لم تعد الغرفة صحية مثل قبل بسبب حاجة فرحة لتخصيص ركنٍ من أركان الغرفة كمبولة.
صباح يومٍ، رأت فرحة من فتحة الباب عائلة مكونة من أب وأم حامل وفتاتين هاربون من قريةٍ أخرى تدخل منزلها للاختباء لأن الأم ستلد. بعد أن ساعدها الأب على الولادة قام بإدخالهم إلى المنزل ثم سمع فرحة تناديه للنجدة. بدأ بمحاولة كسر القفل لكن لم يستطع إخراجها قبل وصول قوات الاحتلال برفقة عميل يرتدي قناعًا على وجهه ويتكلم معهم بالإنجليزي، بينما هم يتكلمون باللغة العبرية. أصر الرجل على أنه لوحده وأنه من قرية أخرى وليس محارب، كما أن العميل أكد كلامه. بالرغم من ذلك قاموا القوات بتفتيش المنزل حيث وجدوا عائلته. بالرغم من توسلهم أنهم ليسوا محاربون، وأيضًا بالرغم من محاولة العميل إيقاف القوات قائلًا إنهم وعدوه ألا يقتلوا النساء والأطفال، قاموا قوات الاحتلال بإطلاق النار على العائلة. لقد شهدت فرحة كل هذه الأحداث عبر الفتحة من دون أن يعرف أحد بوجودها ومحبطة لأنها لم تستطع المساعدة، مثلما ينظر الفلسطينيون، إن كانوا شتات أم لا زالوا في الأراضي المحتلة، إلى الجرائم التي تحدث على أراضيهم وفي منازلهم ويشعرون بالعجز عن فعل شيء.
تقيأ العميل بسبب المقتل فذهب إلى جانب غرفة المونة لشرب المياه. هناك رفع قناعه ونظر إلى داخل الغرفة عبر الفتحة وناد بصوتٍ منخفض اسم فرحة. كان والدها. لم يُعرف لماذا كان أبو فرحة عميلًا، لكن كان من المتوقّع لأنه رفض السماح للقوات الفلسطينية بمواجهة القوات الأجنبية في مشهدين في بداية الفيلم. رغم ذلك، معروف عن قوات الاحتلال أنهم غالبًا ما يبتزون فلسطينيين للعمالة، مثل تهديد فلسطينيين مثليين بالكشف عن هويتهم الجنسية لعائلاتهم إن لم يستجيبوا. وتفاعل أبو فرحة تجاه مقتل العائلة قد يدل على عدم إرادته للِعب هذا الدور. لسوء الحظ مصيره في الفيلم ومصير الرجل في الأحداث الأصلية الذي استوحى منه أبو فرحة يبقى مجهولًا حتى اليوم.
بعد ذلك اكتشفوا القوات أن الرضيع لا يزال حيًا. أمروا أصغر جندي بينهم بقتله قائلين له ألا يضيع رصاصًا عليه. جاء الجندي للدوس على وجهه، لكنه لم يستطع من الذنب فوضع منديلًا على وجهه وتركه على أرض المنزل. وهكذا يتعلمون الاستعماريين ألا يروا العرب أو سكان الدول الذين يستعمرونها كأناس متساوين معهم، ويستحقون نفس الحشمة والاحترام. بقي الرضيع يبكي ويعيط طول الليل بينما عانت فرحة من انهيارٍ بسبب اكتشاف سر والدها وعدم قدرتها على مساعدة الطفل. بدأت الدورة الشهرية لفرحة في تلك الليلة ومات الرضيع. وكأن جسمها يعلمها أنه على الرغم من قدرتها على إنجاب الأطفال الآن، فإنه لن يعيش أي طفل فلسطيني قد تنجبه حياةً سليمةً بعد الآن.
في الصباح المقبل وجدت فرحة في كيس من العدس قد أوقعته الليلة الماضية مسدسًا ورصاصات قد أخفاهم والدها. استعانت بهم لإطلاق النار على القفل وكسره وتمكنت من الخروج أخيرًا. ترى الدمار والجثث في كل أنحاء قريتها بينما كانت تمشي نحو البحيرة لغسل وجهها وشعرها. خلال غسل شعرها قامت بفك جدائلها. لاحقًا ذهبت إلى شجرة كانت تلعب مع فريدة على الأرجوحتين المعلقتين عليها، ولكن الآن فقط أرجوحة واحدة لا تزال قائمة. جلست عليها. لم تتأرجح، بل جلست فقط. لم يتغير عمر فرحة، لكنها لم تعد فتاةٌ صغيرة. مصير عاشه ولا يزال يعيشه كل طفل فلسطيني بعد النكبة.
في النهاية، تمكنت فرحة، أي رضيّة (اسمها في الأحداث الأصلية)، من الوصول إلى سوريا وشاركت قصتها.
كانت قصة فرحة مليئة بالظلام والظلم. الظلم الذي تعيشه النساء والفتيات في المجتمعات الأبوية. الظلام الذي يأخذ مكان العلم الذي يحرَمن منه والأدوار التي يمنعنّ من لعبها في مجتمعاتهنّ. ظلم الفلسطينيين الذين تم طردهم من منازلهم وأجبروا على عيش حياة اللامساواة، والظلام الذي يحيط مصيرهم. ولكن طالما أن هناك أشخاص مستعدين لكتابة مثل هذه القصة ومشاركتها لنشر الوعي، وأشخاص على استعداد للرد على الرقابة، فلن يكون ميئوسًا من القضية أبدًا.