Credit: iStock Photo from: University of Virginia School of Law

ترند الأخبار الكاذبة: من المستفيد وكيف نواجهها؟

في عصر رقمنة المعلومات ومع ظهور الإنترنت وسهولة استعماله، كثرت الأدوات التي تمكّن الإنسان من تلقّي الأخبار اليومية، فلم يعد يعتمد فقط على عناوين نشرات الأخبار أو الصحف الورقية والراديو، بل يتلقاها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها. فسرعة انتشار الأخبار تزايدت عبر الزمن، وتطورت معها ظاهرة الأخبار الخاطئة، فبكبسة زر ينتشر خبر إلى العشرات من الناس، حتى لو لم يكن صحيحًا. 

وضمن هذا الإطار، يقول الصحافي ومدقّق المعلومات محمود غزيّل لموقع “بيروت توداي” إن الأخبار المضلّلة موجودة منذ بداية التاريخ وذكرت في الكتب السّماوية، لكن خطورتها تفاقمت أكثر مع وجود الإنترنت المتفلت نوعًا ما من القيود على الخطابات والكلام والمواد المتناقلة وسهولة انتشارها، وهذا يعتبر تحديًا من التحديات والأخطار الكبيرة على الشركات التقنية التي تواجه العديد من الأخبار المضللة.

تهدف هذه الأخبار إلى تشويه وتلفيق قصص وأحداث لتضليل الرأي العام وتوجيهه وفقًا لسياسات يتّبعها الناشر ويحاول تطبيقها، ولاستقطابه مرتكزًا على الأكاذيب والفبركات، مع العلم أن الخبر الكاذب يجذب الجمهور لأنه يعتمد على عناوين ومصطلحات تلفت الرأي العام وتقنعه. فالأخبار الكاذبة تأتي بعدة أشكال، منها الكاذب كلّيًا، والمتلاعب بها التي تبيّن جزءًا من الحقيقة، وهناك الأخبار التي تنتشر دون قصد حيث لم يتأكد الناشر منها، إضافة إلى الملونة التي يتم تعديلها بحسب ما يصب بمصلحة الناشر. 

وبالتأكيد، لكل من هذه الأخبار خطورة تختلف بحسب الأولويات والعناوين والأحداث، وغالبًا ما تبلغ ذروتها خلال فترات الانتخابات والحروب والأزمات، ولعل المثال الأكثر شهرة في السنوات الأخيرة هو ما حدث خلال حملة دونالد ترامب الرئاسية عام 2016، حيث أعاد استخدام مصطلح “الأخبار الزائفة”  كوسيلة لانتقاد المعارضين له، أو حتى تكذيب وسائل الإعلام التي نشرت مواد تعارض سياسته. 

لم تقتصر هذه الأخبار على فترة الانتخابات الرئاسية الأميركية فقط، بل طالت القطاع الصحي حيث تدفّقت بكثرة مع تفشي وباء كورونا، فانتشرت مواد متعددة تحت عناوين ممنهجة تهدف إلى تخويف الرأي العام، خصوصًا التي اعتبرت أن الكمامة تزيد من إمكانية الإصابة بالفيروس، و”اللقاح يقتل، والكورونا حملة أصدرتها الدول الكبرى”. 

كما تعمّد استخدام عناوين مظلّلة خلال فترة الحرب الأوكرانية-الروسية التي ما زالت حتى اليوم، وهدفت إلى ترهيب الرأي العام وتشويه صورة الجيوش والشعوب، وحتى اعتمدت كسلاح هجومي على كل الأطراف المشاركة في الحرب. 

وتأكيدًا على ما سبق، اعتبر غزيّل أنه في عصرنا هذا لم تعد الحروب بالرصاص والمعارك فقط، بل أغلبها أصبحت حروب معلوماتية بين الدول والمنظمات والمجموعات المسلحة الذين استفادوا من التضليل الإعلامي لترهيب الرأي العام وترسيخ أفكار معينة. 

وأضاف “رأينا منذ العام 2000 حتى اليوم مع انتشار الإنترنت وتعدّد استخداماته كيف ساهمت المجموعات المسلحة في نشر التضليل الإعلامي أو الاحتيال الإلكتروني لتوصيل بعض الأفكار والصور النمطية الخاطئة  للأطراف المعارضة أو لمحاولة تبييض صورهم العسكرية داخل البلدان نفسها”.

أما في لبنان، فتصدرت الأخبار الكاذبة “الترند” خلال فترة الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث لجأت بعض وسائل الإعلام إلى نشر معلومات متلاعب بها عن شخصيات ترشحت إلى الانتخابات أو مجموعات شاركت بها، الهدف الأساسي دعم شخصيات على أخرى، وتوجيه الرأي العام بحسب معتقدات الناشر.  

من خلال ما سبق، الأمر يتطلّب مواجهة كبيرة لهذه الأنباء التي لا تصب في مصلحة الرأي العام ولا تحقّق الهدف الأساسي للصحافة الحقيقية، فلا بد من التركيز على الحقيقة والابتعاد عن التضليل ونشر أكاذيب يبتكرها كبار رأس المال والسياسة لتحقيق مبتغاهم على حساب مواطنين يتلقّون أخبارًا خاطئة ويقعون بشباكها ليصبحوا “الضحّية” فيما بعد. 

كما أشار محمود غزّيل خلال الحديث إلى أهمية توسع ووجود المبادرات والمنظمات والمجموعات التي تعنى بالتدقيق الإعلامي ووجوب تطور طرق العمل بها لكي يتم مواجهة التضليل الإعلامي بكل، وأثنى على وسائل الإعلام تستقطب كوادر متخصصة بالتّدقيق بالمعلومات قبل النشر، معتبرًا أنها أساسيات المهنة .

 ومن هذا المنطلق، لا بد من الإضاءة على بعض المبادرات والصّفحات التي تعنى بتدقيق المعلومات وتصحيح الأخبار الخاطئة:

  1. صواب: مبادرة شبابية مستقلة أسّسها طلاب إعلام، تهدف إلى الحد من انتشار الأخبار الزائفة. انطلقت هذه المنصة عبر تطبيق واتساب، وفي طريق توسّع انتشارها إلى إنستغرام وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي. 
  2. تحقّق: منصّة توعويّة تعمل على مكافحة الأخبار المزيّفة المتداولة على وسائل التّواصل الإجتماعي في لبنان عبر التّحقق والتصحيح والتوعية والتربية الإعلامية.
  3. شييك (Chayyek): منصّة مستقلّة متخصّصة في مجال التحقّق من الأخبار، تهدف إلى مكافحة خطاب الكراهية والأخبار الخاطئة من خلال توثيق ورصد كل أشكال خطابات الكراهية والأخبار غير الدقيقة في المجتمعات العربية عبر الإنترنت. 
  4. #النهار_تتحقّق: خانة خاصّة في موقع النّهار تعنى بتصحيح الأخبار الكاذبة والتدقيق بالمعلومات.
  5. مهارات نيوز: تسعى إلى تزويد المواطنين بالمعلومات المستندة إلى أدلّة وتوفير أخبار موثوقة حول أوضاع حرّية الرّأي والتّعبير في المنطقة. 

ولأن صنّاع المحتوى يحصدون الآلاف من المشاهدات على صفحاتهم الخاصة، تقع أيضًا مسؤولية كبيرة عليهم في واقع الأخبار المظللة، فهم أيضًا يؤثّرون على عدد كبير من الناس تتخطّى أعدادهم الملايين أحيانًا. وفي هذا السياق، اعتبرت صانعة المحتوى الأردنية سلام قطناني أنهم يساهمون في عاملين اثنين هما: التّصدي والنّشر، وبدورها تتحمل مسؤولية تجاه المتابعين بالإضاءة على الأفكار الخاطئة التي تسود في المجتمع. 

وأكّدت قطناني على تصالحها مع الواقع من خلال تأكّدها من صحّة المعلومات قبل النشر، وإذا اكتشفت خللًا أو وجود معلومات غير دقيقة في محتواها تقوم بحذفه، كما حصل معها في فيديو نشرته عن الكمّامة والكورونا، وأضافت “تعرضت لهجوم كبير بسبب هذا الموضوع لأن الناس ترفض الجديد، وتتمسك كثيرًا بالموروث الديني والثقافي بغض النظر عن الحقيقة لكنني أؤمن أن الحقيقة أولًا”.  

إذًا، إن الأخبار الخاطئة تتخذ أشكالًا متنوعة، فتتجسد بصور، فيديوهات، نصوص وحتى مقاطع صوتية، وتتعدد منصات انتشارها بحيث لم تقتصر على المقالات الصحفية والبرامج التلفزيونية ونشرات الأخبار، بل نراها في الكتب، المجلات، المقاطع الغنائية، وحتى في صفحات صنّاع المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما يؤكّد على مدى خطورتها وتعدّد متلقّينها.