المسرح العربي رسالة صمود في وجه الأزمات والحروب

تُعاني الدول العربية ولبنان ضمنًا من أزمات متتالية ومتعددة الأوجه منذ سنوات طويلة سواء حروب عسكرية أو باردة أو اقتصادية إضافة إلى الوباء العالمي وأمور عديدة أخرى وكما يُقال: “يولد الفن من رحم المعاناة والألم”.

على الرغم من ازدياد الإنتاج الفني تحديدًا المسرحي والسينمائي في العالم العربي، فإنه لا يزال هناك صورة نمطية أن القطاع الفني في تراجع، فكيف هو حال المسرح في لبنان والدول المجاورة؟

في حديث لـ”بيروت توداي” مع أحد مؤسسي فرقة “منوال” المسرحية والمخرج المسرحي والمدير الثقافي، جاد حكواتي عن وضع المسرح في لبنان قال: “إذا أردت أن أصف الموضوع من مُنطلق شخصي، لطالما كان لدينا مع الأزمات جميعها تغاير في مستوى الإنتاج ليس كنوعية بل ككمية نظرًا للظروف وهذا كله بجهود فردية، لكن ما يُفاجئ هو أن بعد السنتين الماضيتين يعمل المسرح هذا العام بطريقة جيدة جدًا، هنالك الكثير من العروض والمهرجانات والمنصات الجديدة والأماكن البديلة، كما أننا نشهد إقبالًا جيدًا أيضًا”.

وتابع حكواتي قائلًا: “على ما يبدو الناس بعد مدة زمنية من الأزمة بحاجة إلى أن يعودوا للمسرح ولمشاهدة العروض. بحاجة أن يعودوا للفن بشكل عام لأنه هو من يجعلنا موجودين في الحاضر وهو فرصة للناس أن يلتقوا ببعضهم البعض بغض الطرف عن الانتاجات”. 

لمحة عن فرقة “منوال” المسرحية تأسَّست فرقة “منوال” في العام 2014 في بيروت نتيجةً للحاجة إلى تضافر الجهود المبذولة في دراسة وتعزيز وتطوير أُطُر عمل البرامج والإنتاجات المسرحيّة. تهدف الفرقة إلى المساهمة في زيادة ونُمُو الإنتاج المسرحي اللبناني ذي الجودة الفنية العالية، وإلى خلق الفُرَص وإفساح المجال أمام الممارسات الفنية التي تُفعّل دور جيل الشَّباب المحلّي في الدّفاع عن حقوقه الاجتماعية والثقافية، وإلى إنشاء منصّة للمدارس الخاصّة والعامّة في مختلف المناطق اللُّبنانيّة. ويضيف حكواتي موضحًا:”بالنسبة لنا، المسرح هو الحيِّز النَّموذجي لممارسة الدّيمقراطية. إن المساهمة في المشهد المسرحي اللبناني تعزّز المسرح كمهنة. بالإضافة إلى ذلك، تهتمُّ ممارستنا أيضًا بقضيَتَي الهويّة والذّاكرة”.

في السياق نفسه، قالت مديرة مسرح المونو والمنتجة جوزيان بولوس عن عمل المسرح اللبناني: “كثيرون قالوا إن المسرح اللبناني لن يعيش من بعد الأزمة الاقتصادية والوباء لكننا أثبتنا خطأهم”، وشددت بولوس من ناحية أخرى على أنه من غير المقبول وجود  ثلاثة مسارح فقط في بيروت وهم: مسرح المونو والمدينة ودوار الشمس.

نواقص القطاع المسرحي في لبنان

وعن نواقص القطاع المسرحي في لبنان عدد حكواتي ثلاثة نقاط يعتبرها عوامل لاستدامة هذا القطاع في لبنان، وهي: الدعم الحكوميوالاعتماد على شباك التذاكر ودعم من بعض الجهات المانحة، حيث تابع حكواتي قائلًا: “في لبنان تسقط النقاط الثلاث خاصة الآن مع وجود أزمة مالية”.

متابعًا: “لطالما كان المسرح في لبنان قائم على ظهر أفراد ومجموعات هم الصنّاع ولا مرة كانت الدولة حاضرة لتدعم أو أنها تدعم بطريقتها لكن لا يصلنا شيء، بالطبع  لن نُطالب الدولة أن تقوم بعملها ولكن ليس لدينا أي نوع من السياسة الثقافية الذي يحدد حقوق وواجبات وطرق استدامة هذا القطاع”.

وعن وجهة نظر بولوس حول النواقص قالت: “نحتاج دعمًا للنصوص ومسرحًا وطنيًا” متمنية على التلفزيونات تغطية المسرحيات لما لهذا الأمر من إيجابيات على الجمهور والقطاع المسرحي.

الشباب والمسرح

مؤخرًا أصبح الشباب العربي يلجأ لتعلّم المسرح أو السينما من خلال ورش تدريبية ومحاضرات وبرامج مُقدمة إما من أكاديميات أو منظمات غير حكومية إضافة إلى المواد الجامعية.

وعن وضع الشباب اللبناني في المسرح قال حكواتي: “عملنا كفرقة منوال كثيرًا مع فئات شبابية، واتضح لنا أن في المناطق خارج بيروت الناس وتحديدًا الشباب بحاجة للتعرض لأنواع فنون ثم يُقررون ما إذا كانوا يريدون المتابعة في ورش العمل أو التوقف وشهدنا إقبالًا جيدًا من هذه الفئة تحديدًا”.

ووضّح حكواتي أن فرقة “منوال” قبل تعليق عملها عام 2019 بالتزامن مع الثورة وبداية الأزمة في لبنان كان ينقسم عملها لقسمين وهما: إنتاجهم الخاص والقسم الثاني مُتعلق ببرامج تستهدف عدة فئات منها البرامج التدريبية للشباب.

في المقلب الآخر ذكرت بولوس أن مسرح المونو يُقدعم دعمه للشباب خصوصًا في ظل الأزمات المتتالية، وعن نوع هذا الدعم قالت بولوس: “نفتح مجالًا للشباب والصبايا أن يٌقدموا مشاريعهم، كما ننتج أعمال عدة  ونحن كمسرح المونو ندعم سواء كان باستئجار المسرح بسعر رخيص وإنتاج مسرحيات وعرضها التي بدورها يعود ربحها للشباب االعاملين على هذه العروض والمسرحيات”.

قصة الممثل الشاب نضال جبر

أما عن الدول المجاورة، فتحدث فريق “بيروت توداي” مع الممثل السينمائي السوري-الفلسطيني الجنسية  الذي ترعرع في الأردن نضال جبر عن تجربته في المجال المسرحي والسينمائي.

بدأ مسيرته السينمائية عام 2015 بعد أن قدّم أول تجربة أداء له لفيلم أجنبي ثم تنوعت أعماله الفنية الـ26 بين أعمال عربية وغربية، وبين أفلام وإعلانات لينتقل إلى التمثيل المسرحي إضافة إلى التمثيل الصوتي حيث يتميز جبر بموهبة تقليد الأصوات وتجسيد الشخصيات.

مسيرة نضال جبر مثال عمّا يواجهه الفنان من أي نوع فني كان يقدمه في العالم العربي والغربي من تحديات وصعوبات وصولًا للإيجابيات والشغف في الفن والمسرح.

اشتهر جبر في دوره “جيم” بمسرحية “الياسمينا” من تقديم شركة زعل وخضرة للفنون الإبداعية في مهرجان “نبض الشباب المسرحي” تحت رعاية وزيرة الثقافة الأردنية هيفاء النجار، وبدعم من السفارة الأميركية، ومن إخراج جوزيف كرام، حيث تم عرضها في شهر فبراير (شباط) 2022.

وسيتم عرض مسرحية جديدة يُشارك فيها جبر تحت عنوان “إضراب” تقدمة فرقة سين، وسيتم عرضها مرتين في الشهر الحالي نوفمبر (تشرين الثاني) في مسرح الشمس الأردن.

وعن تجربته الشخصية والمقاربة والمقارنة بين الأعمال الفنية العربية والأجنبية، قال جبر: “لا أعتقد أن الموضوع يتعلق بما إذا كان العمل عربي أو أجنبي، هناك بعض الأشخاص الذين لا يُقدرون المسرح أو الفن بشكل عام وهناك من يُقدّر ويُتابع”.

وتابع قائلًا: “شهدت في مختلف الأعمال التي قدمتها على مجهود وشغف سواء الممثلين والمخرجين أو فريق العمل كاملًا، من الممكن أن يكون هناك بعض الفنانين الذي يأخذون عملهم على محمل الجد أكثر من غيرهم، ولكنني أعتقد أن الموضوع الأهم هو الاحترام بين أعضاء فريق العمل، وعدم الاستخفاف بمهنة الآخر ودوره بناءًا على سنوات خبرته”.

واعتبر جبر أن المفارقة الوحيدة الأساسية هي استغلال التقنيات الحديثة، حيث قال إنه بحسب تجربته الشخصية يميل الأجانب لاستغلال الطاقات البشرية والمواهب كما التقنيات الحديثة من كاميرات وطريقة تصوير، بينما في العالم العربي لا يزال نوعًا ما العاملين في هذا القطاع  متأخرين عن مواكبة التطور الفني.

وعن كيفية تأثير الوباء والأزمات على الفنانين والجمهور

أجابت بولوس: “الجمهور أصبح متطلبًا للمسرحيات الكوميديا أكثر بكثير من قبل أي لم يعد يهتم أن يبكي بل يريد أن يضحك وبكثرة”، كما ذكرت أنها قبل أن تستلم إدارة مسرح المونو كانت قد أنشأت استطلاع رأي وسألت فيه ما إذا كان الجمهور يُفضل البكاء أم الضحك فكانت النتيحة: 95 في المائة اختاروا الضحك، وتابعت قائلة: “لذلك نركز في برامج مسرح المونو أكثر على الكوميديا وأقل تراجيديا”.

وعن الفنانين، قالت بولوس: “للأسف ليس لدينا قطاع مسرحي وليس هنالك أحد خلفنا يدعمنا، لكن ما لاحظته أن الممثلين اتجهوا أكثر إلى التلفاز لأن هنالك إنتاجات عربية ضخمة وبالطبع الرواتب أكبر من الرواتب في المسرح”.

وحدد حكواتي المشكلة بقوله: “مشكلتنا إننا دائمًا نؤسس ومع وجود الأزمات نستمر في أن نؤسس وأن نخلق طرق للتفاعل، خاصة أننا كأشخاص يصنعون عروضًا فنية وأدائية في صراع دائم في لبنان تحديدًا لإثبات أن هذه مهنة ليست ترفيه، المسرح أكثر من تقديم مُنتج، بل هو أيضًا موقف وفكر يتم طرحهم في الأعمال الفنية”.

في السياق نفسه قال جبر إن هناك العديد من الأعمال التي توقفت خلال الوباء منها ما تم تعليقه حتى إشعار آخر ومنها ما سيتم العمل عليه قريبًا، مشددًا على أن تلك الفترة أثرت عليه وعلى القطاع عامة في الأردن، على أنه عاد طبيعيًا بعد فك الحظر.

يبقى المسرح العربي صامدًا في وجه الأزمات والأوبئة والحروب محتضنًا الشباب بدعم كبار هذا القطاع وشغفهم حاملين رسالة البقاء والفن، وكما يُقال “يولد الفن من رحم المعاناة والألم”.