Image Credit: Milo Sharafeddine

أهالي البترون يتحضرون لاستقبال نهر الجوز… الملوّث

تحضيراً لفصلي الخريف والشتاء المقبلين، بدأت وزارة الطاقة ومجموعات محلية ناشطة بتنظيف مجرى نهر الجوز في البترون وإزالة الأتربة المتراكمة بعد جفافه منذ أواخر حزيران الماضي كعادته. 

الإستعدادات لعودة جريان نهر الجوز لا تكفي من أجل الإستفادة منه  بسبب تلوثه غير المعلن رسمياً،  لكنه يبقى معلماً سياحياً مصنّفاً من ضمن المواقع الطبيعية الخاضعة لحماية وزارة البيئة.

هذه الحماية التي أكدت عليها مراراً وتكراراً وزارة الطاقة والمياه، ليست سوى حبر على ورق، ناهيك عن التعديات على مجرى النهر، وصولاً إلى التلوث الناجم عن اسباب عدة.

المنبع والمصب

ينبع نهر الجوز من نبعين فوق تنورين عين الضلي شرقاً ونبع الفتح جنوباً ليشكلا النهر الرئيسي الذي يمر أسفل غابة الأرز في تنورين ويصب في البحر الأبيض المتوسط قرب مدينة البترون.

 يبلغ طول النهر 38 كيلومتراً ومساحة حوضه 196كلم2  ويغذي قضاء البترون بمياه الشفة والري كما يتميز طول مجراه بالثروة الحرجية الكثيفة. ويخدم النهر طواحين المياه والحقول المروية ومولدات الطاقة والمقاهي والمطاعم بالإضافة إلى ذلك يتم ضخ بعض المياه للاستخدام المنزلي في البترون والمنطقة.

وبحسب القياسات السنويّة التاريخية لنهر الجوز فإن جريان النهر يتوقف كليّاً ويجف من وادي كفتون حتى المصب بدءاً من شهر أيار في سنوات الشحّ وشهر حزيران في السنوات الممطرة جراء إنخفاض قدرة الينابيع التي تغذّيه وتحويل المياه كافة الى قنوات الريّ وشبكات مياه الشفّة ومعمل توليد الكهرباء، فهو نهر موسمي يجف في الصيف وليس نهراً دائم الجريان.

وبتاريخ 28 تموز 2022، أيّد لبنان قراراً تاريخياً للجمعيّة العامة للأمم المتحدة أعلنت خلاله أن التمتّع ببيئة نظيفة وصحية ومستدامة يعتبر حقاً عالمياً من حقوق الإنسان.

لكن حوض نهر الجوز مهدد بالمياه المبتذلة والنفايات الصناعية والمقالع وسدي بلعا والمسيلحة، وتبين أن اسباباً عدة جعلت النهر الذي يعتبر شرياناً حيوياً للبلدات والقرى الواقعة على جانبيه في قضاءي البترون والكورة ملوثاً.

دراسة مهمة

وفي العام 2019 أجرى مكتب الدراسات الجيولوجية والهيدروجيولوجية برئاسة الدكتور سمير زعاطيطي دراسة عن تلوّث نبع دللي الذي يرفد نهر الجوز ويغطي محيط بلدات تنورين – دوما – كفور العربي-  كفرحلدا والمرتفعات الشرقية للبترون في محافظة لبنان الشمالي.

الدراسة التي أجريت بناء على  طلب من مدعي عام البيئة في الشمال غسان باسيل، تهدف إلى حصر مشكلة التلويث وتوضيح الحل أو الحلول الكفيلة بمنع وصول التلويث الى النبع.

وبحسب الدراسة، تعتبر الأمطار المصدر الأساسي والوحيد لتغذية المجموعات الصخرية المختلفة، يتراوح معدلها السنوي المتساقط على المنطقة ما بين 1100 إلى 1250 ملم سنويا، وهي كمية عالية نسبيا يتسرب قسم مهم منها ومن الثلوج المتراكمة شتاء على المرتفعات لتزويد المخازن الجوفية لاسيما منها الكربوناتية العائدة الى الكريتاسي والجوراسيك.

ونهر الجوز مصنفا من المواقع الطبيعية الخاضعة لحماية وزارة البيئة بموجب القرار رقم 22 تاريخ 24/2/1998 ونصت المادة الثانية منه على حماية هذا الموقع مع حرم يمتد إلى 500 متر بالنسبة لاشغال الاعمال المختلفة، ونصت المادة الثالثة منه على ان وزارة البيئة تحدد شروط الترخيص لأي انشاءات في الموقع ضمن تدابير الحماية التي تراها مناسبة.

أسباب التلوّث

معد الدراسة الدكتور زعاطيطي شرح لـ”بيروت توداي” أسباب التلوث، وقال: “الدراسة بدأت بتوثيق  المواد السائلة أو زيبار الزيتون،  وهي الأكثر وضوحا نتيجة للونها الأسود الذي يصبغ المياه، خصوصاً في موسم الزيتون فتظهر أنواع عدة من النفايات العضوية غير الضارة جرثوميا بالبيئة، لكن تراكمها على السطح ووجودها بالتربة وفي المياه الجارية على السطح أو تلك الجوفية له آثار ضارة”.

وأوضح أن المواد العضوية الطبيعية بطبيعتها لا تضر ولكن تكشفها على سطح الأرض وفي المياه السطحية والجوفية كمواد غريبة عرضة للتفاعل الكيميائي والجرثومي يجعلها مادة ملوثة يجب تجنب تركها هكذا بدون معالجة.

وبعد شرح مسهب عن طبيعة المنطقة الجيولوجية والسياسية وتواجد الأحزاب فيها، كشف أن سكان القرى المحيطة بنهر الجوز يستخدمون مياه النهر بعد فلترتها ثم يضعون فيها مادة الكلور لقتل المواد الموجودة فيها ثم يشربونها.

وبكل جرأة ومهنية عدد الدكتور زعاطيطي أسباب التلوت، فاتهم مستشفى تنورين التحتا بالتخلص من نفاياتها عبر مجرى النهر، كاشفاً أن مزارع الخنازير والبقر والدجاج تكب نفاياتها أيضاً عبر النهر، بالإضافة إلى البيوت البلاستيكية التي ترمي نفاياتها من الأسمدة ومبيد الحشرات عبر النهر أيضاً، معتبراً نهر الجوز كنهر الليطاني ولكن بشكل مصغر.

وأوضح أن المواد العضوية كزيبار الزيتون وغيرها من المواد لا تلوّث النهر بالمطلق، لكن المواد الناتجة من الاسمدة ومبيد الحشرات ومجارير المنازل بالإضافة إلى نفايات مستشفى تنورين التحتا وبعض الأشغال على المجرى، هي الأسباب الرئيسية لتلوث النهر.

اللاجئون السوريون

وعن مدى تأثير خيم اللاجئين السوريين على تلوّث النهر، استغرب متسائلاً: “ماذا يوجد لدى اللاجئين لتلويث البيئة، فليس لديهم فضلات كيميائية أو مبيدات حشرية، حتى ان الجور الصحية أو العضوية لا تلوث النهر، لأن كل شيئ طبيعي يعود إلى الطبيعة”.

وإذ حذر من أن “البلاستيكيات أو المواد الكيماوية هي مواد خارجة عن الطبيعة وتسبب بتلويثها”، أوضح أن كل المواد العضوية التي تخرج من الإنسان أو الحيوانات أو النباتات أو تشكل جزءاً منهم لا تلوث الطبيعة”.

وقال ممازحاً: “الديناصورات عاشت على  الكرة الأرضية طيلة 175 مليون سنة وحكمت العالم ثم انقرضت ولكن لم تلوّث الطبيعة لأنها لم تترك البلاستيك أو الزجاج وغيرها من المواد التي تسبب التلوث، فيما الإنسان بدأ منذ القرن الثامن عشر في انتاج الطاقة واستخدام الفحم الحجري والمواد السامة، التي تتكدس يوماً بعد يوم وتلوّث الطبيعة”.

يبدو أن القوانين والتشريعات الضرورية للمحافظة على مياه الأنهار لن تمنع التعدي عليها والتسبب بتلوثها، لذلك يجب الطرق بيد من حديد لمنع تلوّث الطبيعة، أو اعتماد إجراءات تحد من التلوّت الذي يؤذر سلباً على صحة الإنسان والحيوان والنبات.