وصف الصورة: من العرض المخصص لفيلم "لماذا المقاومة" للمخرج كريستيان غازي في مبنى جريدة السفير | نادي لكل الناس

”نادي لكل الناس“.. مؤسسة ثقافية لأرشيف الأعمال السينمائية رقميًا

انطلقت فكرة “نادي لكل الناس” لأول مرة في بيروت في عام 1998 بهدف عرض مجموعة من الأعمال السينمائية التي تمزج ما بين الثقافي والسياسي، ووضعت المجموعة التي بدأت بتنظيم هذه النشاطات هدفًا أساسيًا يتمثل بإثارة النقاشات الثقافية بين شرائح متنوّعة من الجمهور، وتسليط الضوء على مجموعة من الأعمال السينمائية التي عرضت خلال فترة الاضطرابات السياسية التي شهدها لبنان منذ سبعينيات القرن الماضي. 

كان مخطط النادي الاستمرار لعامين.. 

كان لبنان يمر بظروف صعبة مع نهاية فترة التسعينيات – عندما انطلقت فكرة النادي –كما يخبرنا مدير النادي نجا الأشقر، من ناحيتي “الاحتلال الإسرائيلي والتواجد العسكري السوري في لبنان”، مضيفًا أن المجموعة التي عملت في البداية كانت تريد من هذه العروض تعريف الجمهور بـ”تاريخ لبنان، وماذا حصل خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، وأيضًا الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982″، بالإضافة طبعًا إلى إيجاد “إطار ثقافي يعرض الأفلام التي لم تتم مشاهدتها في تلك الفترة، وإدارة النقاشات والحوارات التي لم تكن تلك الفترة مهيئة لها”.

وعندما بدأ النادي نشاطاته كان لبنان “يدخل مرحلة جديدة أراد النادي التعبير عنها”، كما يقول الأشقر في حديثه لموقع “بيروت توداي”، مضيفًا أن الهدف من الفكرة في البداية كان تنظيم النشاطات لمدة عامين، لكن النادي استمر نتيجة تمسك الشباب/ات والمخرجين/ات “بالفكرة وتغطية النادي للفراغ السينمائي، بالإضافة إلى إيجاد مكان بديل يتيتح للمخرجين/ات والطبقة المثقفة عرض أفلامهم، لأن الجمهور كان في مكان، والمخرج/ة أو الطبقة المثقفة في مكان آخر”، ويضيف الأشقر موضحًا أن “ما فعله النادي هو كسر هذا الحاجز”، حيثُ أصبحت الأسماء التي تعاونت معهم في تلك المرحلة جزءًا من المجموعة التي أسست للنادي نظرًا “لتعبير النادي عن المرحلة التي كان يمر بها لبنان”. 

لكن الفكرة التي كان الهدف منها الاستمرار لعامين فقط تحولت اليوم إلى مؤسسة ثقافية تضم أرشيفًا سينمائيًا لبنانيًا وعربيًا يضم مجموعة من الأعمال السينمائية التي صدرت ما بين عامي (1970 – 1990)، فضلًا عن تحول النادي إلى منصة للطلاب/ات، والتي جاءت منها فكرة مهرجان السينما المخصص للطلاب/ات الذي بدأ لأول مرة في عام 2003، قبل أن يتحول اليوم إلى مهرجان الفيلم العربي القصير، وحول هذه النقطة يقول الأشقر إن النادي كان لديه “تصوّر مرتبط بعدم بقائنا في الماضي بدون أن تكون لدينا نظرة للمستقبل”، وهو السبب الذي دفعهم لتنظيم فعاليات المهرجان السينمائي بالتوازي مع عملهم على أرشفة الأعمال السينمائية. 

في سؤالنا للأشقر عن السبب الذي دفعهم بالتوجه إلى أرشفة الأعمال السينمائية التي صدرت في السبعينيات يقول: “نحن كمؤسسة لدينا مرونة في تغيير استراتيجيتنا وفقًا للمتوفر لدينا، لكن تركيزنا على أفلام فترة السبعينيات كان بسبب العديد من الأعمال السينمائية التي لم تعرض”، بالنظر لفترة الحرب الأهلية أولًا، والاجتياح الإسرائيلي ثانيًا، وبحسب الأشقر فإن فترة الاجتياح كانت “عاملًا جديدًا ركّزت عليه الأعمال السينمائية التي أنتجت، ولذلك كان يوجد الكثير من هذه الأعمال السينمائية التي لم تنل فرصة المشاهدة”، وكانت من إخراج مجموعة من الأسماء التي أسست للسينما اللبنانية المستقلة، بما في ذلك جوسلين صعب، رندة الشهال، مارون بغدادي، وجان شمعون، فضلًا عن غيرها من الأسماء التي لا يمكننا ذكرها لأن القائمة طويلة. 

تعاون “نادي لكل الناس” منذ انطلاقته مع ثلاثة أجيال سينمائية، والتي بدأت مع الجيل الذي ركّز في أعماله على المشاكل الداخلية التي عكست الظروف والمعاناة التي مرّ بها لبنان نتيجة الحرب الأهلية، بينما ركّز الجيل الثاني على فترة الاجتياح والاحتلال الإسرائيلي للبنان (1982 – 2000)، في حين ذهب الجيل الثالث إلى التركيز على فترة اتفاق الطائف 1989 الذي كان سببًا بنهاية الحرب الأهلية، ودخول لبنان مرحلة جديدة تتمثل بإعادة الإعمار، وهو السبب الذي جعل النادي يركز في عروضه السينمائية على موضوعات الحرب الأهلية، بالإضافة أيضًا إلى الاحتلال الإسرائيلي والقضية الفلسطينية.

يشير الأشقر في حديثه إلى أن النادي كسر هذا الموضوعات في عرض فيلم “كفر قاسم” للمخرج برهان علوية (1941 – 2021) لأن النادي لأول مرة قدم فيلمًا لمخرج لبناني للجمهور “يتكلم عن القضية الفلسطينية كما هي، أي الحياة الاجتماعية، وكان اللافت أنه تناول مشاكلنا الداخلية مقدمًا للجمهور المشهد الفلسطيني كما هو، من مختلف التيارات والأحزاب السياسة وصولًا إلى العميل، وهو ما أدى إلى نشوء تيار جديد حول السينما الفلسطينية”. 

مرحلة التحوّل إلى أرشفة الأعمال السينمائية رقميًا

كانت أعمال برهان علوية أولى الأشرطة السينمائية التي بدأ النادي بأرشفتها في عام 2003، ووفقًا لمسؤولة قسم المشاريع ليانا قصير في حديثها لـ”بيروت توداي” فإن النادي بموازاة أرشفته أعمال علوية كان يقوم بتوزيعها أيضًا في الأسواق، لكنه الآن مع تحولنا إلى عصر الرقمنة وتراجع مبيعات أقراص الـDVD اتجه إلى التركيز على الأرشفة الرقمية للأفلام القديمة بالاتفاق مع شركات الإنتاج والمخرجين/ات، والنادي في هذا الجانب كما تقول قصير يبحث عن النسخ الجيدة بالنظر لعدم تواجد النسخ الأصلية لبعض الأفلام، كما الحال مع فيلم “بيروت اللقاء” لعلوية الذي كانت جودة نسخته الأولى ضعيفة، قبل أن يحصلوا على النسخة الأصلية التي أعادوا ترميمها وتوزيعها وعرضها في المهرجانات العالمية. 

تشير قصير في حديثها إلى أن عملهم على الأرشفة الرقمية يكون في أغلب الأوقات خارج لبنان نظرًا لتواجد النسخ التي يحصلون في دول أخرى، موضحة أن رقمنة الأفلام تمر بمجموعة من المراحل التي يتم فيها تحويل النسخ المتاحة من الأفلام على بكرات 16 ملم، أو مثل أعمال الشاعر والمغني عمر الزعني (1895 – 1961) المتوّفرة على أسطوانات، والتي تمر بعملية مسح وتنظيف قبل أن يتم أرشفتها رقميًا، وتضيف قصير حول هذه النقطة موضحة أنه “لكل فيلم لديه طريقة خاصة مرتبطة بالنسخة الأصلية، وهنا تدخل عملية الرقمنة بتحويل هذا العمل إلى ملف مرقمن محافظ عليه، وتكون نسخه جاهزة للتوزيع وفقًا للوسائل الجديدة، ومجهز للعرض على الأجهزة الحديثة، بالإضافة إلى النسخ المخصصة للأرشفة”.

تذكر قصير في حديثها أن عملية ترميم الأعمال المتوفرة لديهم تتم بالتعاون مع شركات لديها الأجهزة المطلوبة والحديثة لمساعدتهم على تعديل الألوان والأصوات لأن هناك العديد من المراحل التي تمر بها هذه الأعمال قبل أرشفتها رقميًا لحمايتها، إذ إنه على سبيل المثال لا الحصر – كما تخبرنا قصير – عندما بدأ النادي عملية ترميم وأرشفة فيلم “لماذا المقاومة” للمخرج كريستيان غازي (1934 – 2013) فإن معهد أرسنال في بريطانيا هو من أشرف على عملية ترميم الفيلم، حيثُ يوجد من الفيلم نسختي أرشيف، الأولى محفوظة في معهد أرسنال، والثانية محفوظة لدى النادي، وتضيف قصير بأن النادي يقوم بالإضافة لعملية الترميم والأرشفة الرقمية بترجمة الأعمال السينمائية إلى اللغتين الإنكليزية والفرنسية. 

التجهيز لإطلاق مخزن لأرشيف السينما

على الرغم من مرحلة الانهيار المالي التي يمر بها لبنان منذ انطلاق ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019 فإن النادي مستمر في تنظيم عروضه في مختلف المناطق اللبنانية، كما الحال مع حالة الانقسام السياسي التي شهدها لبنان ما بين عامي (2005 – 2006) بعد الانسحاب السوري من لبنان، ويرى الأشقر أن النادي استطاع أن يجمع جميع الأطراف اللبنانية في عروضة لأن هدفهم الأول كان يتمثل بـ”الاستمرار بالعمل الثقافي وهو ما جعلنا نتجاوز التابوهات في بعض الأحيان، حتى أننا أصبحنا معروفين لدى إدارة الأمن العام، إذ إننا حافظنا على توظيف النقاشات في مكانها الصحيح، لأن همنا الأول كان عرض هذه الأعمال وبناء الجمهور الذي يدعم ويحمي نشاطات النادي”. 

فقد عمل النادي خلال العروض التي نظمها على مدى السنوات الماضية على بناء “علاقة قوية” مع الجمهور، وفقًا لما يخبرنا الأشقر الذي يضيف بأن النادي طبق الكثير من المقترحات التي طرحها الجمهور في جلسات النقاش، ومع ذلك فإن النادي واجه منع عرض مجموعة صغيرة من الأفلام من جهات مختلفة، إلا أنهم “رفضوا إثارة الضجة الإعلامية” لأن “الهدف كان دائمًا استمرار النشاطات والوصول إلى مناطق مختلفة من لبنان، لأن الثقافة غير مقتصرة على بيروت”، وهو ما يرى الأشقر أنها ميزة يتمتع بها النادي عن غيره من المؤسسات العاملة في الشأن الثقافي، حيثُ قاموا بتنظيم العديد من العروض بالتعاون مع البلديات والنوادي الثقافية.

وفي سؤالنا للأشقر عن تأثير الأزمة المالية التي يعيشها لبنان على نشاطات النادي، يجيب مؤكدًا أن للأزمة المالية تأثير سلبي على النادي مثل جميع المؤسسات الأخرى، ومثلها تأثر أيضًا بالجائحة العالمية وانفجار مرفأ بيروت في 2020، لكن الأشقر يرى أن إيقاف النشاطات خلال الجائحة العالمية ومرحلة ما بعد الانفجار ساعدهم على تحديث النادي كمؤسسة أرشيف تضم مختلف الاختصاصات السينمائية، ويعمل النادي في الوقت الراهن على التأسيس لفريق جديد بالنظر لتأثرهم مثل جميع المؤسسات بهجرة الشباب/ات إلى خارج لبنان نتيجة الظروف الراهنة.

كما تتضمن مرحلة إعادة الهيكلة التي يقوم بها النادي في الوقت الراهن وفقًا لقصير التأسيس لمخزن في منطقة الحمراء سيتم الإعلان عنه في وقت لاحق من العام الجاري، وسيضم المخزن مكتبة سينمائية ستكون متاحة للجميع، وسيكون من بينها الأفلام الممنوعة من العرض أو غير المتاحة على الإنترنت، فضلًا عن تضمنها أرشيفًا للصحف والمجلات والملصقات وسيناريوهات معظم الأعمال السينمائية، وتضيف قصير بأن النادي يعمل في الوقت الراهن على التجهيز لإعادة نشر إحدى أعداد مجلة الطريق الصادر في عام 1972، وكان هذا العدد مخصصًا للسينما البديلة، حيثُ سيتضمن العدد الجديد مقدمات كتبتها الأسماء التي شاركت في تأسيس السينما البديلة خلال تلك الفترة، بالإضافة إلى مشاركة أسماء أخرى لديها اطلاع على تلك المرحلة.