”من قتل يوسف بيدس؟“.. كريستيل خضر تستعيد سيرة بنك إنترا في عرض تجهيز تفاعلي

تستعيد الكاتبة والمخرجة كريستيل خضر في عرض التجهيز التفاعلي “من قتل يوسف بيدس” الذي يستمر عرضه في مركز بيروت للفن في كل يوم سبت وجمعة حتى 16 يوليو (تموز) الجاري تاريخًا منسيًا لبيروت، أو قد يكون تم تناسيه، في فترة ألصق بهذه المدينة وصف “سويسرا الشرق” لازدهارها اقتصاديًا، أو على الأقل لم تكن كما وصلت الحال بها في يومنا الراهن. هكذا تقدم خضر سيرة باللغة المحكية يتداخل فيها العاطفي مع الاقتصادي لرجل الأعمال الفلسطيني – اللبناني يوسف بيدس، الذي أسس بنك إنترا في عام 1951، قبل أن يجد إمبراطوريته المالية تتهاوى أمام ضغط المودعين الذي طالبوا باسترداد أموالهم في عام 1966 نتيجة أزمة اقتصادية غير معروفة أو معروفة الأهواء ومصائر النهايات الحزينة.

تفتتح خضر عرض “من قتل يوسف بيدس؟” بجملة فيها ما فيها من إثارة لسؤال يدور في فلك نهاية الرجل – لا أعرف إن كان يمكننا وصفها بـ”نهاية رجل شجاع” بالإذن من حنا مينة طبعًا –  الذي ساهم ببناء إهراءات القمح بدون أن يدرك أنها في يوم من الأيام ستحمي سكان المدينة من انفجار كاد أن يمحيها أو يقضي عليها، جملة تجعلنا نعيد التفكير فيما يمكن أن يكون أو يحصل لاحقًا “يوسف بيدس الشخصية اللي انقتلت بعنوان مسرحية.. يمكن ماتت أو يمكن انقتلت.. مين بيعرف”، قبل أن ينتقل بعدها الجمهور إلى داخل القاعة التي تستضيف العرض.

عندما سألت خضر عن سبب استعادتها لقصة يوسف بيدس في يومنا الراهن، ذكرت أنها اختارت قصة المصرفي الفلسطيني – اللبناني لفهم الأزمة المصرفية التي يعيشها لبنان اليوم، تقول خضر: “عمر القصة 50 سنة.. وكل شي بيصير اليوم بيشبه اللي صار قبل 50 سنة”، وتتابع مضيفة: “ما فيني أحكي عن الراهن لأنه أسرع مني.. والحاضر أسرع”، لذا كان عليها التوجه إلى الأرشيف والمجلات وكتب الاقتصاد لتكوين فكرة عمّا حصل في تلك الفترة، ولكتابة نصيّن مسرحيين بدأت التجهيز لهما منذ مارس (آذار) 2020، في الفترة التي كان لبنان يكافح من أزمة مالية وجائحة عالمية. 

قبل أن تقدم خضر “من قتل يوسف بيدس؟”، كانت قد قدمت أولى نصوص هذه السلسلة المسرحية التي يتداخل فيها الإذاعي مع التجهيز التفاعلي، والمقصود هنا “صعود وسقوط سويسرا الشرق – قصص ما قبل النوم” الذي سجلته بعد أقل من عام على كارثة انفجار مرفأ بيروت، وفي هذا النص الذي قرأته في اليوم الثالث من فعالية مهرجان ربيع بيروت، ذكّرتنا خضر بأن لقب “سويسرا الشرق” لم يكن موجودًا لدى الكثير اللبنانيين، على عكس سردية السرية المصرفية الثابتة في تاريخ لبنان. 

اختارت خضر في هذا النص أن تعود بنا إلى أحاديثها مع الأصدقاء في سويسرا الأصلية، ربما من شأن الأقدر أن تكون “سويسرا الشرق” ملاذًا للسرية المصرفية المحلية، على عكس سويسرا الأصلية البلد المعروف بكونه ملاذًا أمنًا للسرية المصرفية في عصر العولمة والكولونيالية الحديثة، متنقلة بين الماضي والحاضر، وبدون توقعات عن المستقبل، تروي لنا خضر في “صعود وسقوط سويسرا الشرق – قصص ما قبل النوم”، فصلًا من يومياتها، التي لا تتشابه مع يوميات الآخرين إلا من ناحية انتظارهم أمام البنوك لساعات لتحصيل جزء بسيط من حقوقهم المالية التي قدّر لها الله وما شاء فعل!

بالعودة إلى “من قتل يوسف بيدس؟”، فإنه على غير العروض يتحوّل الجمهور البالغ عددهم 24 شخصًا إلى أدوات تتلاعب بهم خضر أثناء حديثها، مثلما تتلاعب البنوك والمصارف بالمودعين، ومثلما يتلاعب مصرف لبنان المركزي وكبار المودعين ورجال المال بالأزمة المالية والسرية المصرفية، وهي هنا تسقط الأزمة المصرفية الراهنة على أزمة بنك إنترا التي أدت إلى انهياره، مقاربة وإن دلّت فإنها تدل قبل أي شيء على أزمات لبنان المالية منذ ستينيات القرن الماضي، لكنها على عكس بيدس الذي كان وحيدًا في أزمته، وكأنها تريد القول إن ما يعيشه لبنان اليوم، هو ما عاشه بيدس سابقًا.

تخبرنا خضر في حديثها أن ما حصل مع بيدس “بيحمل كل أنواع المجاز”، وتضيف متساءلة مثل الجميع “هل هو ضحية النظام أم نفسه أم هو غير ذلك؟ الشي اللي صار مع بنك إنترا، وانهيار المصرف كتير بيخليني أسأل حالي كفنانة، ومع الفريق، مجموعة أسئلة لتكوين وجهة نظر عن الشي اللي بيصير اليوم”، هكذ يفهم من حديث خضر وربطها مع ما حصل لبنك إنترا، بأنه جزء من واقع يومنا الراهن، وليس أولها الوعود بأيام أفضل، ويصحيها دائمًا وعود بإنهاء للأزمة المالية، أو حتى في أخبار ما صار يعرف بتراجيديا “رفع السرية المصرفية”.

قبل الدخول إلى القاعة التي تستضيف العرض على الجمهور أن يُشاهد أولًا لافتة كبيرة كتب عليها سيرة ذاتية للمصرف الذي استعارته مجازيًا من سيرة بيدس، ستكون جزءًا من النص الذي نستمع إليه لاحقًا، في صورة مشابهة للتوسع الكولونيالي، تعرف خضر بنك إنترا في هذه اللافتة بأنه: “العنوان البرقي لمكتب صيرفة [أنترناشونال ترايدرز] ، مصرف لبناني أسسه يوسف بيدس سنة 1951، ظل أكبر مؤسسة مالية إلى أن أعلن إفلاسه سنة 1966، تشمل أحداث الإفلاس: خيبات، حزن، نوبات عصبية، نوبات قلبية، هزائم، إفقار”. 

عندما يدخل الجمهور إلى القاعة سيجد 24 كرسيًا موزعين إلى نصفين، وفي منتصف الطاولة هاتف مع ظروف حمراء داخلها مستندات ستكون جزءًا أساسيًا من العرض، لكن على عكس المستندات التي نعرفها سنقرأ داخلها شذرات عاطفية متبادلة بين حبيبين، تختار خضر تقسيمها إلى ثلاثة أقسام، مستندات على المدى الطويل “رح نوعد حالنا إنه ننسى كل شي صار لنقدر نكمل”، ومستندات على المدى الوسط نقرأ داخلها “رح نقضي يوم الميلاد وحدنا”، ولدينا أيضًا مستندات على المدى القصير “ما رح يصير ولا مصيبة لأنه نحنا مع بعض”، بعد قراءتنا لهذه الشذرات ليس علينا إلا اكتشاف أن خضر حتى في اختيارها للكلمات كانت دقيقة في توزيعها تماهيًا مع الواقع الراهن، ونوعية الوصف وفقًا لطول المستند أيضًا. 

وضعت خضر جانب محدد بالأرقام من الجمهور أمام خيار التفاعل فيما بينهم، طالبة منهم تبادل المستندات والرد على اتصالات الهاتف؛ هكذا كان الجمهور أمام خيار تبادل المستندات كدين، وتأثير الدين على الحب، العاطفة، والمشاعر، تتحدث خضر في صيغة السؤال مرة، وفي صيغة الشارحة مرة أخرى، وفي صيغة التهكم والسخرية من الكولونيالية والسرية المصرفية مرة ثالثة، وتقول لنا في النهاية “الحب تبادل.. والتبادل تجارة”، صيغة محددة تربط العاطفي مع الاقتصادي واليومي، والسرية المصرفية مع الأزمة المالية أيضًا، أزمة بدأت قبل 50 عامًا مع بنك إنترا، وتصل فصولها اليوم إلى كل البنوك مجتمعة.

عندما سألت خضر عن سبب ربط العاطفي بالاقتصادي أولًا، ومستفسرًا عن الجانب الشخصي من النص ثانيًا، قالت: “كان في سؤال مرتبط بهي الأزمة اللي منعيشها.. وكيف بتأثر هالسردية على المسرح.. لأنو ما بقى في شي ممكن نخبروا عن عالم الاقتصاد”، وتابعت: “دائما بشغلي من الجانب الشخصي بكون في رغبة شخصية لاكتشف أشياء ممكن تكون صحيحة أو خطأ.. وكل شي بدا من مشكلة شخصية لهيك كان بدي أعرف عالم المال”.

في حديثها تكمل خضر موضحة سبب ربطها الاقتصادي مع العاطفي: “الحب عكس الرأسمالية.. ونحنا منّا مفلسين عاطفيًا”، كما أنها تتحدث عن الجمود الذي يحكم مواد الاقتصاد، لذلك اختارت ربط العاطفي مع الاقتصادي ليكون النص “قريبًا من الجمهور”، وأيضًا لأن “الاقتصاد علم ليس بدون توقعات، ولا يوجد شيء حقيقي”، ومثل فكرة السندات تمامًا فإن ” الحب أيضًا.. شو بتعطي بتاخد”. 

تختم خضر نصها بجملة من المتوقّع أن الجمهور الحاضر سيتذكرها، ويحاول البحث عن إجابة لها: “قولوا للبنانيين يوسف بيدس مش حرامي”، ومثل هذه الجملة سيكون على الجمهور عند الخروج أمام لافته ثانية كتب عليها جملة مقتبسة من فريديريك لوردون: “يبعث عالم على نحو دوري حلم التغلب على جاذبيته: كسب المزيد تحت وطأة مجازفة دائمة، أو تقليص المجازفة مقابل عوائد متساوية”. 


الفريق

تجهيز تفاعلي: كريستيل خضر

سينوغرافيا: نديم دعيبس 

تصميم صوت: زياد مكرزل

تصميم غرافيكي: فيليبا صليبا

إدارة إنتاج: وليد صليباالفريق ‬التقني ‬وسينوغرافيا : ‬رواد ‬كنج – ‬فارس ‬مرعي