قوبل الفيلم الدرامي الطويل “فتى من الجنة” (Boy from Heaven) للمخرج السويدي – المصري طارق صالح بانتقادات من وسائل الإعلام العربية، على عكس الحفاوة التي حظي بها في الصحف الغربية، وذبلك بعد الانتهاء من عرضه الأول ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي الذي يستمر حتى يوم 28 من الشهر الجاري.
يعود صالح بعد النجاح الذي حققه مع فيلمه “حادث النيل هيلتون” (The Nile Hilton Incident) الحائز على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان صندانس للسينما المستقلة، في فيلم “فتى من الجنة” ليتناول أحد أكثر المواضيع إشكالية في مصر، والمتمثلة بالعلاقة بين جامعة الأزهر، أكبر المؤسسات الدينية على مستوى العالم، والسلطة السياسية في مصر، وهو من الأفلام التي صورت في تركيا بدلًا عن مصر بسبب منع صالح من دخول الأراضي المصرية.
صالح أشار في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية إلى أن قصة الفيلم ولدت لديه بعد قرائته لرواية الكاتب الإيطالي أاومبيرتو إيكو “اسم الوردة” التي تدور أحداثها في أحد الأديرة خلال العصور الوسطى، موضحًا ذلك بقوله: “كنت أعيد قراءة هذا الكتاب عندما سألت نفسي: [ماذا لو أخبرت قصة من هذا النوع ولكن في سياق إسلامي؟ ]”، وتابع مضيفًا أنه أراد من الفيلم الذي يقدم لمحة من الداخل عن جامعة الأزهر: “أعتقد أن الغرب لا يفهم أي شيء إطلاقًا عن الإسلام”.
وحول الأسباب التي دفعته لتصوير الفيلم في تركيا بدلًا عن مصر، قال صالح: لم أعد إلى مصر منذ تصوير [حادث النيل هيلتون] في عام 2015، عندما أمرتنا أجهزة الأمن المصرية بمغادرة مصر”، وتابع مضيفًا: “منذ ذلك الحين، أصبحت شخصًا غير مرغوب فيه سيتم توقيفه حتمًا إذا وطأت قدمه الأراضي المصرية”، مشددًا في الوقت نفسه على أنه يعتبر الفيلم “بمثابة رسالة حب إلى مصر” و”تحية” إلى أجداده.
لكن الصحافة المصرية أو العربية اعتبرت في معرض تعليقاتها على الفيلم أنه يستهدف مؤسسة الأزهر، ويريد النيل منها من خلال تصويرها على أنها مؤسسة غير مستقلة تدار من السلطات السياسية المصرية، بينما وصفت تقارير أخرى الفيلم بأنه “دخيل على خصوصية الأزهر، وصور بعيون غربية وبلهجات غير مصرية وفي بيئة غير مصرية استعيض عنها بمواقع تركية”.
وعلى عكس النقد الذي قوبل به “فتى من الجنة” في الصحافة العربية، فإن الناقد جوردان مينتزر رأى في مراجعته التي نشرت في مجلة هوليوود ريبورتر أن الفيلم فيه الكثير “من الأحداث التي تدور في وقت واحد لدرجة أنه من الصعب تتبعها بأكملها عندما توضع في زمن قدره ساعتين”، مفضلًا لو أن صالح كان قد أنتج هذا الفيلم كمسلسل قصير.
كذلك فإن الناقد دامون وايز رجح في مراجعته التي نشرت حول الفيلم في موقع ديدلاين المتخصص أن يحظى صالح بانتباه لجنة التحكيم في مهرجان كان للعام الجاري، مرجعًا ذلك إلى أن صالح عمل في هذا الفيلم على تقديم “العديد من المستويات غير الاجتماعية والسياسية، حيث يقدم فيلم إثارة متطور للبالغين بينما يستكشف في نفس الوقت صراعات نفسية شديدة في العلاقة بين البطلين”.
في حين يرى الناقد هوفيك حبشيان في مراجعته المنشورة في موقع أندبندنت عربية أن الفيلم على الرغم من أنه “سيثير الكثير من النقد والمهاترات” بسبب حساسية المواضيع التي يتطريق لها، بما في ذلك “الدين والإيمان”، إلا أنه في مقابل ذلك “يستعير من عناصر مصر الأيقونية ليحولها شيئًا إكزوتيكيًا بلا روح يتوجه به إلى المُشاهد الغربي الذي يصدّق كل ما يراه عن العالم العربي مهما بلغ درجات من المبالغة والركاكة”.
تدور قصة “فتى من الجنة” حول شاب يدعى آدم (توفيق برهوم)، وهو ابن صياد تم قبوله للدراسة في جامعة الأزهر بالقاهرة، وفي اليوم الأول لدراسته في الجامعة يموت شيخ الأزهر وهو يستمع إلى خطبته بصورة غير متوقّعة، مما يترك الجامعة بدون شيخ، وسرعان ما يجد آدم نفسه متورطًا في لعبة السلطة والمكائد السياسية التي يتصارع فيها السلطتين الدينية والسياسية في مصر.
وكان صالح قد حظي بشهرة عالمية منذ عرض فيلمه الوثائقي “غوانتانامو” (Gitmo) بالاشتراك مع المخرج إريك غانداني، والذي يلقي فيه نظرة على تشابه أساليب التعذيب المستخدمة من قبل الاستخبارات الأميركية لاستخراج المعلومات من المعتقلين في معتقل غوانتانامو والسجون العراقية، من خلال الشهادة التي قدمها المعتقل السابق في سجن غوانتانامو مهدي غزال، بعدما قرر التخلي عن اتفاق تعهده بالصمت، مقررًا الكشف عن أساليب التعذيب التي تعرض لها.
كما أنه نال شهرة واسعة في مهرجانات السينما العالمية المستقلة بعد عرضه فيلم “حادث النيل هليتون” الذي حصل على 10 جوائز في العديد من المهرجانات التي شارك بها عند صدر في عام 2017، والذي ناقش في قصته فساد أجهزة الأمن المصرية قبل ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في عام 2011، من خلال محاولة بعض الشخصيات المتنفذة عرقلة تحقيقات الشرطة المرتبطة بجريمة قتل وقعت في أحد الفنادق الشهيرة في مصر.