تعيش المجتمعات الانسانية في القرن الواحد والعشرين حالات همجية من العنف واللاتسامح تزداد في شكل مزر ومؤلم. دون الوصول الى شاطئ آمن من السلام والمحبة.
فالعنف ليس عنفا جسديا او عقليا او كلاميا فقط، بل هو أحيانا عنف تستخدم فيه أعتى أنواع الاسلحة الحربية المدمرة، وذلك خدمة لقضايا سياسية أو دينية أو أهداف اقتصادية وأبرزها الطاقة والغذاء.
كيف نستطيع تفسير هذه الظواهر؟ لابد ان هناك سوء استعمال للعوامل التاريخية، للذاكرة الجماعية وللخلافات القائمة على الجيوسياسي أو الديني، فهناك من يستغل التاريخ وتقسيماته الجغرافية أو الاتنية أو الدينية، أو قد تعاوده احلام امبراطوريه سالفة لهوى في السلطة والسيطرة ويستغل نصوصا دينية وخلافها بشكل سيئ لخدمة مصالح أو أهداف خاصة.
ومن أسباب العنف، الظلم في توزيع الثروات، حيث لا وجود للمساواة (والمساواة هي قيمة أساسية من محركات الثورة الفرنسية) وهذا ما يعبد الطريق الى الفقر والجوع مذيلين باليأس والقهر، مما يؤدي إلى تفكك المجتمع واندلاع العنف فيه، وصولا الى القتل.
فالقتل ظاهرة مستمرة تاريخيا بين المجموعات الاثنية لشعارات دينية، ولكن مضمونها الحكم والسلطة والمصلحة.
السؤال هو كيف يواجه المجتمع البشري هذه المعضلة المتزايدة؟
الأمم المتحدة ومؤسساتها الإنسانية المختلفة تعمل على تضميد الجراحات على المساحات التي تتشظى فيها الإنسانية، حيث تقوم البعثات إلى مختلف الدول وتقيم المؤتمرات وتوزع النصوص ولاسيما مع وزارات التربية. وتشرك أيضا المربين في التوعية والشرح لقيمتي السلام والتسامح، إما من منبع الكتب السماوية أو نتيجة التربية والأخلاق، لحل النزاعات بالطرق السلمية، والاضاءة على اهمية هاتين القيمتين في تطور المجتمعات بالتسامح والابتعاد عن العنف.
لم يكن موضوع التسامح الديني أو العقائدي أو الجيوسياسي سهلا، فالمسألة أساسها خلافات بين الشعوب ونفسيات وقيم نشأت عليها. أما عالم اليوم يتعامل مع هذه الفضيلة كأنها غير موجودة، مستبدلا إياها بالعنف.
التسامح في التاريخ الأوروبي لن يكن ثمرة الانجيل والتعاليم الدينية، بل ثمرة التنوير والثورات ضد الظلم والتسلط والفقر والاستغلال.
في عصر الحداثة الفكرية وحضارة التكنولوجيا العالية والانترنت، لم تستطع البشرية، رغم كل التوجهات السلمية، أن تمنع العنف. أما التسامح فيجب ان يقوم على الحرية في الاختلاف، لكن هذا عصي على التطبيق.
فالإنسان يجب ان يحب اخاه الانسان كما هو والرب يفصل بينهما في الآخرة، لا أن يسعى الى قتله إذا اختلف معه ضاربا عرض الحائط بالدين والأخلاق والتربية والقوانين وكل تعاليم المنظمات الدولية والانسانية.
عندما زار البابا بولس الثاني الرجل التركي الجنسية محمد علي أقجا في سجنه في إيطاليا، وهو الذي حاول اغتياله، سلم عليه وسامحه على فعلته، وبعدها أطلقت السلطات الإيطالية سراحه، ورحلته الى بلاده. عند اللقاء قال محمد علي اقجا للبابا لقد تدربت جيدا على الرماية، وصوبت جيدا الى قلبك. فأجابه البابا: “أنت شئت، لكن الله شاء.”