العنف الأسري يهدد المجتمع اللبناني… والحل بالتربية والتعليم

لا يكاد يمضي يوم أو أسبوع إلا ونسمع فيه عن جرائم عنف أسري ترتكب في لبنان، فتارة إمرأة تخنق على يد زوجها وتارة أخرى طفل يضرب على يد أمه وأحيانا نسمع عن إمرأة تتعرض للضرب المبرح من طليقها.

لبنان كباقي الدول العربية التي تعاني من تفشي فيروس كورونا، ارتفع فيه معدلات العنف ضد المرأة، نتيجة الحجر وغيرها من العوامل، حسبما أعلنت دراسة حديثة أجرتها الأمم المتحدة.

الدراسة، التي شارك فيها أكثر من 16 ألف شخص من الجنسين، توصلت إلى أن نصف المشاركات تعرضن للعنف من أزواجهن أثناء الوباء، وأن أقل من 40٪ منهن طلبن المساعدة أو أبلغن عن الجريمة، كما يعتقد واحد من كل ثلاثة مشاركين (رجالًا ونساءً) أنه يجب على النساء تحمل العنف أثناء الجائحة للحفاظ على التماسك الأسري.

ارتفاع كبير في نسب البلاغات

وأظهرت الأرقام في لبنان ارتفاعاً كبيراً في نسب البلاغات المرتبطة بالعنف الأسري، ووصلت إلى معدل مرتفع نتيجة ذكورية المجتمع الذي يعاني حالياً من أزمة اقتصادية وتفشي وباء قاتل عجزت الدولة عن السيطرة عليه.

وفيما أعلن رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي العقيد جوزيف مسلم أن نسبة ارتفاع العنف الاسري وصلت إلى 96.5 في المئة خلال فترة كورونا، أوضح عضو مركز الدعم في جمعية “كفى” المحامي عامر بدر الدين لـ”بيروت توداي” أن هذه النسبة تتعلق بالشكاوى وتعتبر مرتفعة.

ورغم ازدياد حالات العنف الأسري بحسب آخر الإحصاءات المحلية والدولية، تتغنى الدولة اللبنانية أمام المجتمع الدولي بأنها حققت إنجازات حول حقوق الإنسان وتحديداً في سياق الدورة الثالثة ضمن الاستعراض الدوري الشامل لسجل حقوق الانسان، والتي جرت في 18 كانون الثاني الماضي بمشاركة العديد من الدول.

وكررت الدولة اللبنانية في مداخلتها ما اعتبرته “إنجازات” لجهة تعديل قانون حماية النساء وكافة أفراد الأسرة من العنف الأسري، مشددةً على أن لبنان في صدد اتخاذ الإجراءات لوضع هذين القانونيين الجديدين موضع التنفيذ. 

وأقر في نيسان من العام 2014 قانون العنف الأسري ليكون الأول في لبنان بهذا الصدد، إلا أن جمعيات حقوقية اعتبرت أنه لم يعالج قضايا أساسية كالاغتصاب الزوجي والتعنيف الاقتصادي والنفسي.

اسباب ارتفاع العنف

ورَدّ بدر الدين لـ”بيروت توداي” ارتفاع هذه النسبة إلى ظروف عدة، لاسيما أن تردي الوضع الإقتصادي في البلد يؤدي إلى توتر كبير ضمن العائلة، لكنه استدرك بالقول: “المفاهيم الذكورية هي السبب الأول لإرتفاع العنف الأسري، وجاءت جائحة كورونا لتزيد الطين بلة نتيجة حجر العائلة في المنزل ما زاد نسبة العنف التي كانت موجودة في القبل ولكن ازدادت أكثر خلال هذه الفترة”.

ورأى أن الخط الساخن للتبليغ عن حالات العنف المنزلي، والاحصاءات التي تجريها المنظمات أو قوى الامن الداخلي، ساهما في إظهار هذا العنف إلى العلن، رغم  وجوده سابقاً.

وفي 21 كانون الأول الماضي أقر مجلس النواب تعديلاً على القانون لاسيما تضمين تعريف العنف الأسري، الممارسات الجرمية التي تقع “أثناء الحياة الزوجية أو بسببها”، بالإضافة إلى تضمين أنواع العنف المعاقب عليها، لاسيما العنف الاقتصادي.

وأقر التعديل الجديد زيادة عدد القضاة المولجين بالتحقيق وبالنظر في قضايا العنف الأسري، والحرص على أن تكون الضحية على بيّنة من حقوقها أمام القضاء ومن حقّها بالاستعانة بالمساعدة الاجتماعية، وشمول أمر الحماية الذي يصدر لصالح ضحية العنف الأسري، أطفالها البالغين من العمر 13 سنة وما دون، فيما كان أمر الحماية لا يشمل سوى أطفال الضحية الذين هم في سنّ الحضانة القانونية وفق أحكام قوانين الأحوال الشخصية. كما بات في القانون الجديد، لأي قاصر الحق بأن يطالب بأمر الحماية دون ولي أمره، وإنشاء حساب خاص في وزارة الشؤون الاجتماعية لمساعدة ضحايا العنف الأسري، وتأهيل المرتكبين يموّل من مساهمات الدولة.

تعديل القانون

ولكن هل إقرار التعديل 2014 لم يأت ثماره؟ أوضح الناطق باسم “كفى” أن التعديل مقبول نسبياً ووسع نطاق الحماية لأفراد الأسرة وشدد العقوبة رغم أن الجمعية كانت تطالب بالأكثر لحماية المرأة وأفراد الأسرة.   

إلا أن الناشطة في حقوق الإنسان عموماً وقضايا المرأة خصوصاً المحامية ربى شكر أكدت لـ”بيروت توداي” أن قانون العنف الأسري يحمي في القواعد نظرياً وعند التطبيق نجد أن هناك تقصيراً، مذكرة بأن القانون اللبناني يحمي أي مواطن من العنف، إلا أن قانون العنف الأسري دعم حماية المرأة وكافة أفراد الأسرة.

وتحدثت عن  ثغرات في تطبيق القانون من قبل الضابطة العدلية، أعطت المثال التالي: في حال كانت المرأة في منزلها الزوجي وتتعرض لعنف وهي محاصرة  ولا تستطيع اللجوء إلى الطبيب الشرعي أو القضاء، فتتصل بالخط الساخن المرتبط بالضابطة العدلية التي يجب أن تكون على أهبة الإستعداد لسماع أي حالة عنف، وهنا نرى تراخياً أو بعض الإهمال في وقت يجب أن يتحرك بسرقة قصوى لوقف العنف”.    

وهنا يتفق بدر الدين مع شكر، فتحدث عن تراخ من قبل الضابطة العدلية في بعض القضايا لأسباب إجتماعية أو لوجستية، ورأى أن التراخي في قضايا العنف قد تؤدي احيانا إلى القتل كما الحال في جريمة قتل الشابة زينة كنجو على يد زوجها .

1745… خشبة الخلاص

وانطلاقاً من ضرورة أن تجد المرأة المعنفة آذانا صاغية وجهة رسمية تلجأ إليها اذا ما تعرضت للتعنيف أو للخطر، خصصت قوى الأمن خطاً ساخناً للتبليغ عن حالات العنف المنزلي (1745)، وهذا الخط قد يعتبر خشبة خلاص عند بعض المعنفات.

وأوضح بدر الدين أن قوى الامن الداخلي تتجاوب سريعاً مع الإتصالات الواردة إليها عبر “الخط الساخن”، ويكون التجاوب في المدن أكثر سرعة مقارنة مع القرى والأرياف، لأسباب لوجستية وإجتماعية، كاشفاً أن محامي الجمعية يتابعون مع قوى الأمن قضايا العنف عبر خط المفتشية 1744 لملاحقة الشكاوى التي لم تتحرق فيها الضابطة العدلية أو تتملص من واجباتها أو أن هناك ثغرات تحول دون متابعة الشكوى أو الملف. 

ولاحظت شكر أن العبرة ليست بتلقي الخط الساخن التبليغات عن حالات عنف ، وانما العبرة تكون بالتحرك الفوري للأستجابة لحالات العنف لردعه والحؤول دون استمراره أو تصعيده، وتساءلت: هل التحرك للضابطة العدلية يكون على قدر ومستوى الحالة التي تتعرض لها المرأة؟

ويعرّف إعلان “القضاء على العنف ضد المرأة”، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، العنف ضد المرأة كالتالي: “أي فعل عنيف تدفع اليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.”

تأهيل المجتمع

“حماية المرأة من العنف الأسري تبدأ من التربية منذ الصغر لتأهيل المجتمع”… قال بدرالدين، الذي حض “الأهل على عدم التمييز بين الأنثى والذكر والمساواة بينهما في الحقوق والواجبات لتغيير العقلية الذكورية السائدة”، وذكّر بأن جمعية “كفى” من الأوائل الذين طالبوا بقوانين لحماية المرأة، ولحل مشكلة العنف الأسري بحسب الجمعية يكون بتعديل قوانين الأحوال الشخصية، فتستطيع المحاكم المدنية حينها النظر بقضايا الحضانة والمشاهدة، وهما من أكثر القضايا التي تؤدي للعنف الزوجي. 

وذكّرت شكر بأن العنف هي ظاهرة تاريخة والحماية تكون بالتربية والتعليم، ولفتت إلى أن من ينشأ على سيرة العنف في الصغر سينقله إلى الكبر بعد فترة وهذه سلسلة متكاملة لذلك يجب أن نتصدى للعنف منذ الصغر، فدور العائلة مهم إلا أن الدور التربوي هو الأساس للقضاء على هذه الظاهرة، ملاحظة غياب أي مادة متخصصة في المدارس الرسمية أو الخاصة تتحدث عن القضاء على العنف.

تشديد العقوبة

وعن تشديد العقوبة بحق من يستخدم العنف، شرحت شكر أن العقوبة تتراوح بين الجنح ( العقوبة القصوى 3 سنوات) أو الجنايات ( العقوبة تبدأ من 3 سنوات وأكثر) في حال ترافق مع العنف قتل، وأوضحت ان حدة العقاب لا تمنع الجريمة، إنما الإفلات من العقاب هو السبب الأساسي في عدم توقيف هذا العنف.

وإذ رأت أن دراسة القضية في شكل صحيح مع اعطاء  كل ذي حق حقه يؤدي إلى التخفيف من العنف وليس تشديد العقوبة، دعت إلى دراسة كل حالة أو قضية على حدا، آسفة لقولها إن القضاء في لبنان غير مستقل، بل هناك تدخل بالقضاء بشكل عام ومن قبل رجال الدين بشكل خاص ما يؤدي سلباً على القضايا.

واستنكرت تهديد بعض رجال الدين المعنّف في حال اختار القضاء المدني، خصوصاً أن القضاء الديني هو الذي يصدر الأحكام  

آخر الضحايا 

وآخر ضحايا العنف الأسري، الشابة لارا شعبان الذي كمن لها زوجها بعد خروجها مباشرة من منزلها في منطقة حي السلم أثناء توجهها إلى عملها في مستشفى جبل لبنان، حتى عاجلها بضربات على رأسها، وطعنات بسكين حاد أدت إلى تمزيق رئتيها، وجروح بالغة في الكبد فضلا عن تشويه وجهها.

وأيضاً الشابة زينة كنجو التي أقدم زوجها في 30 كانون الثاني الماضي وببرودة أعصاب على خنقها في منزلها الزوجي الكائن في عين المريسة في بيروت ما أدى إلى وفاتها.

وسبق للمغدورة وتقدمت بدعوى عنف أسري امام مفرزة بيروت القضائية، وكانت تنتظر الحصول على الطلاق قبل أن يقوم الزوج باستدراجها إلى منزلهما للقيام بجريمته المتوحشة.

وفي 26 كانون الثاني الماضي، تعرّض طفل رضيع (7 أشهر) إلى  كسر في الجمجمة ونزيف حاد في الرأس، بعدما تعرض للاعتداء من قبل والدته البالغة من العمر 22 سنة.