لطالما واجه اللبناني المصاعب بضحكة أملٍ وإيمان رغم وجعه وهمومه، متفائلاً بأن الغد سيكون أفضل من البارحة… لكن في الأعوام الماضية، وتحديداً في الأشهر الفائتة، تغيرت نظرة اللبناني للحياة. بات اليوم متشككاً بأن ”بكرا أحلى“ نتيجة تردي الأوضاع الإقتصادية والمعيشية يوم بعد يوم، وتراجعها من سيئ إلى أسوأ، متمنياً لو يعود به الزمان إلى أيام العز وراحة البال.
وبعد سنوات من الإذلال والإهمال، خرج اللبنانيون عن صمتهم ووجعهم وتضامنوا في وجه الفاسد والفساد رافضين غلاء الأسعار الجنوني بسبب إرتفاع سعر صرف الدولار في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الإقتصاد اللبناني بنسبة هائلة تبلغ 12 بالمئة لهاذا العام، وهو تراجعاً حاد وشديد في الشرق الأوسط.
الدين العام يتخطى 90 مليار دولار ”بس إحتياجات اللبناني أولوية“
لقد لعبت السياسات الخاطئة والإنتهاكات الحزبية والدولية دوراً فعالاً وكبيراً في تدهور الوضع الإقتصادي الحالي، الأمر الذي ادى إلى تراكم الديون على الدولة اللبنانية لتتخطى 90 مليار دولار، أي ما يقارب 170 بالمئة من الناتج المحلي للبلاد. والجدير ذكره أن لأول مرة تقرر الحكومة تعليق تسديد الديون المستحقة بسبب بلوغ إحتياطات البلاد من العملة الصعبة إلى مستويات ”حرجة وخطيرة“ بحسب ما أفاده رئيس الحكومة حسان دياب، مشيراً إلى أن تلبية إحتياجات اللبنانيين الأساسية كالسلع الغذائية أهم من تسديد الديون المتوجبة على عاتق الحكومة.
ولكن، ظهرت ”هيستيريا السوبرماركت“ وحصل التهافت على المواد الأولية، لا سيما على الزيوت والمعلبات، ففرغت الرفوف من السلع الأساسية، الأمر الذي أدى بالتجار إلى حصر الكمية الشرائية على المواد التي تشهد إقبالاً كثيفاً. بينما إنصرف البعض الآخر من التجار إلى إحتكار المواد الإستهلاكية، إذ عمدوا إلى تخزينها بهدف بيعها بأسعار مرتفعة.
وفي مؤتمر صحافي لوزير الإقتصاد اللبناني راوول نعمة، أعلن نعمة في 28 أيار عن السلة الغذائية المدعومة التي ستؤدي لإنخفاض ملحوظ في أسعار السلع الغذائية الأساسية، والتي تتضمن كافة المكونات الغذائية من بروتينات حيوانية ونباتية ونشويات.
وتحت مطلب مراقبة الأسعار، قرّر ناشطون لقاء وزير الاقتصاد راوول نعمة، للمطالبة بأن تقوم الوزارة بدورها لحماية الفقراء الذين باتوا مهددين بخبزهم اليومي، لكن أكد الوزير أنه لن يسمح باحتكار السلع، مضيفاً: نحن في دولة قانون و سنقوم بكل ما يلزم لتصحيح الأمور.
في ظل تفاقم الأزمة المعيشية الصعبة، وتردي الأوضاع الإقتصادية: ”كذبن جوعنا“
على الرغم من إقرار الحكومة خطتها الإنقاذية التي شملت خفض إنفاق القطاع العام وإصلاح القطاع المصرفي وتحرير سعر صرف العملة أمام العملات الأجنبية، إلا أن شكك كثيرون في إمكانية تنفيذ المقترحات، فلم تتمكن حكومة حسان دياب من أن تنال ثقة الناس إلى اليوم.
وعلى النهج المماثل، يعتبر اللبنانيون أن المرجع الأساسي لجوعهم وفقرهم هو كذب ونفاق السلطة السياسية، فلم يرى المواطن اللبناني حتى اليوم أي تنفيذ للوعود الإنتخابية. وبالتالي، يرى البعض أن النظام الطائفي، والتحالفات الحزبية المبنية على أسس المصالح الشخصية تتحكم في مفاصل الدولة، وقضائها ومؤسساتها، لكن بالأخير المواطن هو ”يللي بيكلها“.
وقد حذر خبراء من نشوب كارثة إجتماعية بسبب تفاقم الأزمة المعيشية والإقتصادية، وبالتالي أشار وزير الصناعة عماد حب الله أثناء إطلاق الخطة الوزارية للنهوض بالقطاع الصناعي أن نسبة الفقر في لبنان تخطى ال55 بالمئة بناء على تقديرات البنك الدولي، أي أكثر من نصف الشعب اللبناني. كما أشار أننا نعاني بطالة وأزمة سيولة وعجزاً في الميزان التجاري.
رزمة من الإقتراحات ”الاصلاحية“ لم تأتِ بمفعول جديد… وصفر إنجازات
وفي 21 أيار، أكملت حكومة دياب المدعومة حزبياً لا شعبياً مهلة ال100 يوم، والذي كان من المفترض بها تنفيذ رزمة من الإصلاحات كما وعدت، ولكن لم تأتِ هذه الحكومة بمفعولٍ جديد، ولم يسجل في عهدها أي إنجاز.
كما توقعت واشنطن الفشل الذريع لحكومة حسان دياب المدعومة من قبل حزب الله وقوى أخرى من ”8 آذار“ وكتب في العربية أن ”إدارة الرئيس الأميركي ترامب تريد للبنان ما يريده اللبنانيون، وسنتابع المطالبة بتلبية مطالب اللبنانيين. ما نراه الآن من حكومة دياب ليس واعداً، ولا يتطابق مع المطلوب ولا ما يطالب به اللبنانيون.“
أما كارول صباغ تقول في العين الإخبارية أن الواقع الذي ”يعكس إرباكا واضحا في تعامل المسؤولين مع الأزمة من شأنه أن يزيد الأمر تعقيداً في المرحلة المقبلة، خاصة إذا بقيت الحكومة مستمرة في سياساتها التي تقتصر على وضع الخطط دون أي خطوات عملية.“