لم تزُل مخاطر وقوع الزلازل والهزات الأرضية، فتوقعات الخبراء والجيولوجيين تُنبئ بمزيد من الهزات في عموم دول المنطقة، باعتبار أن دول المنطقة قابعة على خط زلازل. ولم تقتصر الأضرار التي خلّفتها الزلازل التي وقعت مؤخراً في تركيا وسوريا وطالت ارتداداتها لبنان على الأضرار البشرية، بل تعدتها إلى أضرار مادية تعجز الحكومات عن تحمّلها.
وقد خلف الزلزال في تركيا وسوريا دماراً هائلاً في المنازل والمؤسسات والممتلكات. ما يطرح تساؤلات حول إمكانية شمول خدمات التأمين تلك الأضرار، وهل تغطي شركات التأمين عموماً الاضرار الناجمة عن قوة قاهرة كالزلازل والهزات الأرضية والعوامل الطبيعية؟
وليس لبنان بعيداً عن تلك الأجواء، فالزلازل التي وقعت مؤخراً وإن لم تًلحق الأضرار المباشرة باللبنانيين ومنازلهم وممتلكاتهم، إلا أنها هدّدت آلاف المباني المتهالكة أصلاً ودفعت بالتالي باللبنانيين إلى التفكير جدّياً بتأمين تغطية الأضرار المحتملة جراء وقوع زلزال أو هزات أرضية أو أي عامل من عوامل الطبيعة، لاسيما في ظل غياب الدولة كراع لمواطنيه وضامن لممتلكاتهم.
فاجعة الزلازل في تركيا وسوريا البلدين المجاورين، زادت وعي اللبنانيين حول مخاطر الزلازل والهزات وكيفيّة الوقاية منها، والتوجه في اتجاه شركات التامين، فهل تغطي شركات التامين في لبنان فعلاً الأضرار الناجمة عن الزلازل والهزات الارضية؟ وهل يتوقع المعنيون في قطاع التأمين تزايد الطلب على بوالص التأمين على المنازل؟ وهل بوالص تأمين المنازل بمتناول كافة شرائح المجتمع؟
إقبال على بوالص التأمين
تتقدّم سوق بوالص التأمين على الحياة والسيارات والمنازل، لاسيما في السنوات الأخيرة التي سبقت توقف قروض الإسكان وما يلازمها من تأمينات إلزامية على المنازل ضد حوادث الحريق، واليوم بعد توقف قروض الإسكان بشكل شبه كلّي باتت مسألة التأمين على المنازل في عداد الكماليات بالنسبة إلى الكثيرين.
لكن الخطر الذي داهم المناطق التركية والسورية بفعل وقوع سلسلة زلازل وهزات أرضية، ولامس أيضاً المناطق اللبنانية دفع باللبنانيين إلى التفكير باللجوء إلى خيارات تجنّبهم ضياع ممتلكاتهم ومنازلهم فيما لو تعرّضت للأضرار نتيجة أي من عوامل الطبيعة.
من هنا يتوقّع رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان (ACAL) أسعد ميرزا ارتفاع الإقبال من قبل الأفراد والشركات على بوالص التأمين المشمولة بالعوامل الطبيعية، ويؤكد في حديثه لـ”بيروت توداي” بأن قرابة 80 في المائة من أصحاب البوالص التي تغطي أضرار حريق المنازل يشملهم تغطية الاضرار الناجمة عن العوامل الطبيعية، ومنها الزلازل والهزات الأرضية وغيرها، لافتاً إلى أن تغطية أضرار الزلازل تتم بطلب من المؤمّن لتشمل بوليصة الحريق.
في بلد تفتقد فيه الدولة لأي إمكانات مادية لتغطية تكلفة الأضرار المادية الناجمة عن الزلازل، يتّجه المواطنون إلى سلوك مسارات أخرى لإيجاد بدائل تحمي منازلهم وممتلكاتهم من الأضرار المحتملة؛ من هنا تلحظ بعض شركات التأمين تلقي مكاتبها ومندوبيها العديد من الاتصالات للاستفسار عن آلية وتكلفة تغطية أضرار الزلازل، وهو ما يعتبره خبراء التأمين مؤشراً واضحاً على زيادة إقبال المؤمّنين على تأمين منازلهم وممتلكاتهم.
تكلفة التأمين على المنازل
كُثر من اللبنانيين، وربما الغالبية العظمى تضع بوالص التأمين على السيارات والمنازل وحتى على الصحة في خانة الكماليات بالنظر إلى تدني القدرة المعيشية لمعظم العائلات، وعلى الرغم من ذلك يحرص الكثيرون على تأمين الحماية لممتلكاتهم من شتى الأضرار.
أما نسبة المؤمّنين من أصحاب بوالص التأمين على الحريق والزلازل والعوامل الطبيعية فلا يتعدّى اليوم 17 في المائة من عموم المؤمّنين، فالشركات والمؤسسات والمعامل والمصانع تحرص بغالبيتها على امتلاك بوالص تأمين ضد الحريق بما يشمل تغطية الاضرار الناجمة عن الزلازل والعوامل الطبيعية عموماً، أما باقي المواطنين فقلة منهم من يمتلكون تلك البوالص باستثناء أصحاب القروض السكنية التي تشملها بوالص الحريق بشكل إلزامي.
ويتم تحديد سعر بوليصة الحريق بحسب أحد خبراء قطاع التأمين بناء على قيمة الشقة أو العقار وقيمة موجوداته، ولا تتعدى قيمة تغطية التأمين لشقة صغيرة على سبيل المثال 100 دولار سنوياً.
يشير خبير تأمين إلى أن أسعار بوالص التأمين ضد الحريق والعوامل الطبيعية ليست مرتفعة بالمقارنة مع بوالص التأمين الصحي، وبالمقارنة أيضاً مع ما يمكن أن يقع من أضرار مادية في حالة وقوع زلازل متكررة كتلك التي وقعت مؤخراً في لبنان وألحقت الاضرار في بعض الأبنية.
بالمحصّلة قد تكون بوالص التأمين على المنازل والممتلكات بمتناول شرائح اجتماعية معينة، لكنها من دون شك لن تكون بمتناول الجميع مهما تدنت أسعارها، وعليه تبقى المسؤولية الكبرى في حماية الممتلكات والتعويض عن الأضرار اللاحقة بها على عاتق الدولة، حتى وإن كانت الأضرار ناجمة عن قوة قاهرة كالزلازل والهزات الأرضية وغير ذلك من عوامل الطبيعة.