يمر لبنان منذ 17 تشرين الأول 2019 بأزمة اقتصادية خانقة، ضاعفت آثارها جائحة كورونا، فأثرت سلباً على جميع المقيمين، خصوصاً الفئات المستضعفة.
وتشمل الفئات المستضعفة النازحات السوريات اللائي يتعرضن كثيراً لخطر ”صامت“ يصل حتى الموت، وقد لا يبلغن عنه لأسباب عدة، فيما المجتمع غائب أو يساهم بشكل غير مباشر بالإفلات من العقاب .
وتقدر المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في إحصاء جديد، عدد النازحين السوريين المسجلّين في لبنان بنحو 892،310، أي ما يمثل ربع عدد سكان لبنان، وأكثريتهم من النساء والأطفال.
هذا العدد من النازحين، ويرجح أن يكون أكثر لوجود أشخاص غير مسجلين، يتزامن مع أزمة اقتصادية وسياسية وصحية غير مستقرة في لبنان، ما يؤثر سلباً على أمنهم الصحي والغذائي والاجتماعي. وبحسب مركز ”وصول، معاً من أجل الحقوق“، الذي يُعنى بالدفاع عن حقوق النازحين السوريين الانسانية في لبنان، فإن 92% من اللاجئين السوريين في لبنان يعانون من الإنعدام الغذائي، ويعيش 66 % منهم في ظروف معيشية سيئة.
الأزمات والعنف متلازمان
وخلال الأزمات يظهر العنف بمستويات وأنواع مختلفة، ويكون الضحايا في الغالب من الأطفال والنساء، حيث وثق مركز ”وصول“ نحو 158 انتهاكًا لحقوق الإنسان ضد اللاجئين السوريين في لبنان خلال العام 2020، بما في ذلك حالات الاعتقال والاحتجاز التعسفي، التعذيب وإساءة المعاملة والترحيل التعسفي والعنف الجنسي وحجز الوثائق الرسمية والإخلاء القسري والاختفاء القسري، بحسب إحصاء أجراه المركز ونشره على موقعه الإلكتروني.
أما النازحات اللائي يواجهن أشكالا متعددة من عدم المساواة، فيتعرضن لمخاطر أكبر، تصل إلى حد الإغتصاب والإعتداء الجنسي والقتل، والزواج القسري طلباً للحماية أو خوفاً على ”شرف“ الفتاة.
وتقدم بعض المراكز أو المنظمات غير الحكومية إمكانية الإبلاغ عن أي انتهاكٍ لحقوق النازحين عموماً والنازحات خصوصاً بالإتصال على الخط الساخن، أو بتعبئة استمارة موجودة على مواقعها الإلكترونية.
العنف ضد المرأة ليس جديداً
ومن بين هذه المراكز، جمعية ”سوا للتنمية“ التي تعنى بحماية النازحات، وأوضحت رئيستها نوال مدللي لـ”بيروت توداي“ أن ”جائحة العنف ضد المرأة ليست بالأمر الجديد. حتى قبل أن يصيبنا فيروس كورونا، تعرضت 243 مليون امرأة وفتاة للإيذاء وقد أدت جائحة كوفد-19 إلى مفاقمة العنف، فيما تعثرت خدمات الدعم وأصبح الوصول إلى المساعدة أكثر صعوبة“.
وجمعية ”سوا للتنمية“ ناشطة على الأراضي اللبنانية كافة ولكنها تركّز عملها بشكل أساسي في محافظة البقاع التي تحتضن أكبر معدّل لاجئين، وقالت مدللي: ”لحماية ودعم النساء والفتيات داخل مخيمات اللجوء، يجب إنشاء المساحات الآمنة للمرأة والرعاية الطبية للناجيات، وتيسير الوصول إلى الأمن والعدالة، فضلا عن فرص زيادة الوعي حول حقوقهن وكيفية الوصول الى المساعدة القانونية والاجتماعية والصحية“.
”إن الازمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان أثرت على حياة النساء في لبنان وخاصة النساء اللاجئات لانهن الفئة الأكثر تهميشا في لبنان لوجودهن في مناطق نائية من دون حماية أو موارد مالية ويخضعن لاوامر الشريك داخل المخيمات…“ هذا ما أكدته مدللي التي قالت: ”نتيجة الضغط الحاصل في قلة الموارد خلال أزمة كورونا زادت حالات العنف حيث يعتبر الشريك انه من حقه ان يفجر غضبه على عائلته وخاصة الزوجة“.
موارد مالية
وأشارت إلى أنه ”في ظل الأوضاع الاقتصادية الحادة في لبنان وغياب الدولة التام عن إدارة شؤون المواطنين، تقوم المنظمات الدولية والمحلية بمهام الدولة من ناحية الاهتمام بتوفير موارد مالية للاجئين وتقديم المساعدة من الناحية الاجتماعية والصحية والقانونية والحماية. ولولا وجود المنظمات الدولية لوجدنا خللاً كبيراً في بنية اللاجئين داخل المخيمات، حيث هم بحاجة الى مردود مالي شهري ولا يحق لهم بالعمل اذا كانوا مسجلين كلاجئين، فتقوم المنظمات بتوفير مبالغ شهرية وتوفير الطبابة للعائلات المسجلة في مفوضية اللاجئين. وقسم الحماية في مفوضية اللاجئين يتلقى شكاوى العنف الأسري ويعمل على حماية النساء والفتيات والأطفال من العنف والاستغلال“.
وتسعى جمعية ”سوا“ للتنمية جاهدة لتقديم المساعدة بطريقة لا تعرض النساء والفتيات للعنف، من خلال حملات التوعية التي تقوم بها في مخيمات اللاجئين في منطقة وتوفير الدعم النفسي والصحي وادارة حالات وتحويل بعض الحالات التي تعرضت للعنف الى دور الأمان بالتنسيق مع بعض المنظمات ، وتوفير المساعدة القانونية في حال أرادت الناجية تقديم شكوى ضد المعتدي.
”القانون الاسري“
وذكّرت مدللي بأن ”قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف (293) أقر في العام 2014 وأصبح ملجأ للنساء لطلب المساعدة والاحتماء بالقانون وطلب العدالة، ولمزيد من الحماية لضحايا العنف الأسري ولاولادها ، أقر المجلس النيابي بعض التعديلات على القانون بغية تأمين حماية فعالة لضحايا العنف الأسري“.
وأتت هذه الخطوة، في ظلّ ارتفاع نسبة جرائم العنف الأسري خلال فترة الحجر الصحيّ التي فرضتها جائحة كوفد-19، وبعد الأرقام المقلقة من خلال الاتصالات الواردة لدى قوى الأمن الداخلي على الخط الساخن 1745 للتبليغ عن شكاوى العنف الأسري.
مدللي التي تدرّب على تطبيق قانون حماية النساء وسائر أفراد الاسرة من العنف وكيفية التصرّف في حال وجود حالات عنف، أكدت ”ان القانون يحمي كل النساء المتواجدات على الأراضي اللبنانية، وبالرغم من جلسات التوعية التي نقوم بها في المخيمات لمناهضة العنف وتزويج القاصرات، ما زالت اللاجئات يشعرن بالخوف في الإفصاح عن العنف الذي يتعرضن له لأسباب كثيرة منها سطوة الرجل على قرار المرأة والفتاة داخل مخيمات اللجوء، والخوف من خسارة أولادهن، والنقص في الموارد المالية، وعدم تملكهن لوظيفة لإعالة أنفسهن، وتجد المرأة نفسها سجينة الخيمة وتتعرض للعنف وتخاف ان تتكلم“.
وأوضحت أن دور الجمعيات المحلية والمنظمات الدولية هو العمل على بناء قدرات اللاجئات والفتيات للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وقالت: ”جمعية ‘سوا للتنمية’ نفذت على مدى 6 سنوات مشاريع عدة مع منظمات دولية حول مناهصة العنف وتوعية النساء والفتيات على حقوقهن والتمكين الاقتصادي للنساء والفتيات (خياطة وتطريز ولغة انكليزية ومحو الامية والادارة المالية)“.
وأضافت: ”في العام 2020 أثرت جائحة كوفد-19 على حياة الناس في كل مكان، فيما دخل لبنان في حالة إغلاق وبدء العزلة، وتلقينا اتصالات عدة وصلت الى حد 50 في الشهر لنساء وفتيات تعرضن للعنف داخل المخيمات في منطقة البقاع الغربي والاوسط، وتم التواصل معهن عبر العاملات الاجتماعيات وتحويل بعض الحالات الى دور أمان في منطقة البقاع ، والكثير منهن كان يتملكهن الخوف من الخروج من الخيمة خوفا من الانتقام منهن لاحقا، أو خوفا من خسارة أولادهن في حال تركن المنزل“.
خط ساخن
وختمت مدللي: ”الكثير من المنظمات لديها رقم ساخن للتبليغ عن العنف والاستغلال، ويمكن الإتصال بجمعية ‘سوا للتنمية’ عبر الرقم 03014550، وننصح النازحات بعدم التردد في التبليغ في حال تعرضن لأي عنف أو استغلال أو تحرش“.
وخصصت قوى الأمن الداخلي خطاً ساخناً للتبليغ عن حالات العنف المنزلي (1745)، وهذا الخط قد يعتبر ملجأ عند بعض المعنفات، وقد يغير حياتهن وينقذهن من جحيم يعشن فيه، ودائماً تحث القوى الأمنية على الإتصال والتبليغ عن أي عنف.
القانون اللبناني
منظّمة ”كفى عنف واستغلال“ (كفى) التي تسعى إلى القضاء على جميع أشكال العنف والاستغلال المبنيَّين على النوع الاجتماعي وإحقاق المساواة الفعلية بين الجنسين، أوضح عضو مركز الدعم فيها المحامي عامر بدر الدين لـ”بيروت توداي“ أن القانون اللبناني يطبق على جميع المقيمين على الأراضي اللبنانية من دون تمييز ومهما كانت الجنسية، مشددا على أن النازحة السورية التي تتعرض لعنف يطبق عليها قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري.
”قانون العقوبات اللبناني والقوانين المدنية والشرعية كافة تسري على النازحات لحمايتهم ومن دون تمييز“.. أكد بدر الدين، الذي أوضح أن ”النازحة السورية كباقي النساء في لبنان لكي تستفيد من حماية القانون عليها أن تتواصل مع الشرطة أو مع الجمعيات المدنية الناشطة في مجال حماية النساء“.
لا وسيلة اتصال
وأشار إلى أن هناك أرقاماً للطوارئ وخطوطاً ساخنة للاتصال بالأجهزة الأمنية المختصة أو بالجمعيات التي تعنى بحماية المرأة للمساعدة، ”لكنه أسف لأن هناك الكثير من النساء لا تملكن أي وسيلة للاتصال أو التبليغ عن حالة تعد أو عنف أو تحرش، ناهيك عن الخوف من التعرض للمزيد من العنف“.
وتحدث بدر الدين عن عادات وتقاليد يخضعن إليها النازحات السوريات تمنعهن من التبليغ عن أي تعدي بحقهن، وقد يتعرضن للقتل في حال اقدمن على ذلك، بالإضافة إلى أن البعض منهن لا يملكن أوراقاً ثبوتية ويشعرن بالخوف من الشرطة أو الأجهزة الأمنية، وقال: ”لهذه الأسباب وغيرها نجد ان حالات التبليغ عن العنف أو التحرش أو الإستغلال قليلة جداً وقد تكون معدومة في بعض الأحيان“.
إن تطبيق القانون اللبناني على سائر المقيمين على الأراضي اللبنانية أمر مهم، لكن يجب على الأجهزة الأمنية المختصة تطبيق القوانين والتحرك فوراً عند أي ابلاغ أو شكوى لحماية النازحات، وعلى المجتمع الدولي أن لا يقف متفرجاً، أما الجمعيات والمنظمات غير الحكومية فلا يجب أن تكتفي بتوثيق الوقائع أو الإنتهاكات بل يجب عليها التحرك بسرعة في ظل غياب أو عجز المؤسسات الرسمية.إن إنقاذ النازحة أو أي إمرأة من العنف الأسري أو الإستغلال أو التحرش يكون بالمواجهة، فيجب على النساء التبليغ عن اي نوع من هذه الجرائم وعدم التردد لأن الجرائم ”المستترة“ من اصعب ما قد يحدث للمرأة أو القاصر، واستمرارها يؤذي المجتمع بشكل عام والمرأة أو الفتاة بشكل خاص.