بعيداً عن الواقع الصعب للسجون في لبنان، والحالات المأساوية وراء القضبان، وارتفاع القدرة الاستيعابية لبعضها بأكثر من 350 في المائة، تلوح في الأفق ظاهرة أمل لدعم السجناء والسجينات عبر برامج التأهيل التي تنظمها الجمعيات والمنظمات المحلية والدولية.
برامج التأهيل داخل السجون تستهدف إعادة تأهيل المساجين وتحسين فرصهم في إعادة الاندماج في المجتمع بعد الإفراج عنهم. وتتضمن هذه البرامج مجموعة واسعة من الأنشطة والخدمات التي تهدف إلى تحسين مهارات المساجين وتعليمهم مهارات جديدة، وذلك بهدف تحسين فرصهم في الحصول على وظائف وإعادة بناء حياتهم بعد الإفراج.
تشمل برامج التأهيل عادة العلاج النفسي، وتعليم القراءة والكتابة والرياضيات، والتدريب المهني والتعليم الجامعي، والتدريب على مهارات الحياة والتعامل مع الضغوط، والمشاركة في الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية. كما تشمل هذه البرامج بعض الخدمات الأخرى مثل الرعاية الصحية والتغذية السليمة والتدريب على العمل في الفريق.
كما تستهدف أيضاً برامج التأهيل تحسين سلوك المساجين وتخفيض معدلات الإعادة إلى السجن بعد الإفراج، وتحسين مهارات المساجين وتعليمهم مهارات جديدة، وتوفير فرص العمل وتعزيز الاندماج المجتمعي للمساجين بعد الإفراج، وتحسين الصحة النفسية والجسدية للمساجين.
اكتظاظ السجون
الواقع الصعب للسجون لا أحد ينكره، من ظروف الاحتجاز إلى المعاملة التي يتلقاها المساجين وصولاً إلى عدم تأمين الغذاء حتى بالحد الأدنى، إلا أن المرحلة الأخطر فهي بعد انقضاء مدة العقوبة، عندها سيقف السجين يتساءل هل هو نادم على جريمته أو حاقد على محيطه والمجتمع فنمت لديه الروح الإجرامية نتيجة سوء المعاملة أو الظلم أو انتهاك حقوقه في السجن.
وفي إلقاء نظرة على واقع السّجون في لبنان وقدرتها الاستيعابية، تتضح مدى صعوبة مهمة مواكبة السجناء وتأهيلهم نفسيا وعملياً، إذ بلغ عدد السجناء حتى 30 آذار (مارس) الماضي نحو 8337، منهم 6297 في السجون و1940 ضمن نظارات قصر العدل (426) والقطعات الإقليمية (1514)، بحيث تحولت هذه النظارات وبشكل قصري، نتيجة للاكتظاظ في السجون، إلى سجون على الرغم من افتقادها لمعايير تنظيم السجون وتصميمها، حسبما أعلن قائد معهد قوى الامن الداخلي العميد الركن معين شحادة في جلسة حوارية عن نظام السجون في لبنان أقيمت آخر آذار (مارس) الماضي في ثكنة الشهيد وسام عيد في عرمون.
وكشف العميد شحادة أن القدرة الاستيعابية لسجن رومية على سبيل المثال هي 1050 سجيناً، بينما يستقبل 3739 سجيناً أي بنسبة 365 في المائة، بينما بلغت نسبة الموقوفين 83 في المائة ما يدق ناقوس الخطر حول الوضع في السجون بما فيه من ظروف حياتية صعبة للسجناء، وتحديات على مستوى الأمن الغذائي والصحي، وسوق السجناء نتيجة الانهيار المالي والاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات.
ووسط غياب شبه تام للدولة في مساعدة السجناء بعد انقضاء عقوبتهم جاء دور الجمعيات والمنظمات المحلية والدولية التي تعنى بصحة المساجين واحتياجاتهم خلال فترة احتجازهم، وحتى بعد إطلاق سراحهم، ومن هذه الجمعيات، جمعية “دار الأمل” ذات المنفعة العامة، وهي منظمة غير ربحية تهتم بحقوق الأطفال والمسجونات.
“النزلاء في السجون هم بشكل عام ضحايا المجتمع، وبمساعدتهم يصبح المجتمع أكثر عدالة”… بهذه الكلمات أضاءت مديرة جمعية “دار الأمل” هدى قرى على ضرورة مساعدة السجناء خلال تواجدهم في السجون أو بعد خروجهم.
وقالت لـ”بيروت توداي”: “من المفروض أن يكون السجن مكاناً للتأهيل وليس للعقاب. ومن المفروض إعطاء الفرصة للنزلاء لإعادة التأهيل في السجن”، مؤكدة أن “الهدف من برامج التأهيل هو مساعدتهم خلال وجودهم في السجن إلى تطوير القدرات وكسب مهارات والتعليم والتوعية للتحضير لإعادة الاندماج في المجتمع بعد الخروج من السجن”.
سجون النساء
لا شك أن المجتمع هو الذي يوفر الشروط المناسبة للجريمة، ففي ظل هذه الظروف، هل تستطيع برامج التأهيل الوصول إلى أهدافها؟ أوضحت قرى أن “الفقر والبؤس والبطالة والأمية والأزمات المتتالية والانهيار وظلم المجتمع… كل هذه العوامل تجعل من الفئات الضعيفة عرضة للجرائم. ولا يجب الحكم عليهم من قبلنا. تساعد دار الأمل منذ 20 سنة بتأهيل وتجهيز وصيانة سجون النساء الثلاثة: بعبدا وطرابلس وزحلة”.
وعن طريقة عمل جمعية “دار الأمل”، قالت: “يعمل من قبل دار الأمل في كل سجن فريق عمل متخصص يساعد نزيلات السجون الثلاثة بدون أي تمييز وعلى جميع الصعد. نؤمن قدر الإمكان مواد غذائية وأدوية ومواد تنظيف وتواصل نزيلات السجن مع الأهالي إلى جانب دورات تدريبية مهنية ودورات تعليمية وتثقيفية”.
وإذ سئلت هل هذه البرامج تسير بجدية في السجون التي لا تتوفر فيها أدنى حقوق الإنسان لاسيما المأكل والطبابة والنوم وغيرها من الحقوق؟ أجابت: “بالرغم من الظروف الصعبة جداً داخل السجون، تساعد هذه الدورات نزيلات السجون على مواجهة الواقع والمشاركة بفعالية في الدورات والنجاح عند انتهاء الدورات وكسب شهادات، كما أنهنّ يصبحن منتجات أشغال يكسبن من قبل دار الأمل بدلاً على كل ما يتم إنتاجه من أشغال حرفية بنوعية ممتازة”.
ولا تخلو برامج التأهيل داخل السجون من بعض النقاط السلبية والتحديات، بما في ذلك القلق من أن المساجين قد يستخدمون هذه البرامج للتمويه عن أنفسهم لا أكثر، ولكن رغم ذلك لا يعتبر الأمر سيئاً.
مساعدة بعد الخروج
ولكن هل الدورات تسهم في خفض نسبة العودة إلى تكرار الجريمة إلى صفر؟ أكدت قرى أن “هذه الدورات التي أعطت الأمل لنزيلات السجن جعلتهم يسعينّ لتحسين ظروف حياتهنّ بعد الخروج من السجن. وكل نزيلة في السجن أصبحت (من خلال مساعدة الأخصائيات الاجتماعيات والنفسيات من جمعية دار الأمل) واعية لوضعها، وتأخذ القرار بعدم تكرار ما حصل معها، وعندما تأخذ هذا القرار تحتاج للمساعدة لعدم تكرار ما حصل سابقاً، والدخول مجدداً إلى السجن”.
وإذ شددت على أن “جمعية “دار الأمل” هي الجمعية الوحيدة التي تدعم بإشراف فريق عمل متخصص كل نزيلة من يوم خروجها من السجن، أكدت أن مراكز الجمعية في بيروت وطرابلس وزحلة مفتوحة لكل نزيلة تطلب المساعدة بعد خروجها من السجن، مشيرة إلى أن المساعدة المطلوبة تكون أحيانا لتحسين العلاقة مع الأهل، أو إيجاد مركز للإيواء، أو إيجاد عمل، وطلب مساعدة مادية أو طبية أو قانونية إذا لم يتم تسكير الملف.
بشكل عام، يتم تصميم برامج التأهيل داخل السجون لتحقيق غايتين أساسيتين: تحسين حالة المساجين وتحسين فرص إعادة تأهيلهم، وتحسين سلامة المجتمع عندما يتم إطلاق المساجين. وبذلك، تساعد برامج التأهيل داخل السجون في تحسين فرص إعادة إدماج المساجين في المجتمع وتقليل احتمال تكرار الجريمة.