لا شك أن الأزمة الاقتصادية في لبنان دفعت المواطنين إلى التفكير بأساليب غير عادية للحفاظ على ظروفهم المعيشية في بلد يعاني من التضخم، وبعد انفجار المرفأ والارتفاع الهائل في الأسعار، لم يكن لدى لبنان القدرة على الصمود بمفرده، وبدأ يتلقى مساعدات من منظمات دولية كالأمم المتحدة. وبالمثل، حصل اللاجئون في لبنان على مساعدات ليتمكنوا من إعالة أسرهم، ومن بينهم اللاجئين السوريين الذين يتلقون مساعدات للتعليم والغذاء.
أما المواطنون اللبنانيون فهم يتلقون مساعدات من الحكومة اللبنانية حسب احتياجاتهم وقدراتهم المالية، وينطوي الإجراء على تسجيل العائلات على أنها تحتاج لمساعدة مالية في البلديات التابعة لمكان إقامته،حيث تسجل العائلات السورية أسمائها في البلديات لتتمكن من الاستفادة من المساعدات.
ومع ذلك، لطالما كانت المساعدات الخارجية للبنان مشكلة حيث يشكك الكثير من المشرفين في مصداقية وشفافية الموزعين لأنهم يعتقدون أن هناك خطأ ما في مكان ما أثناء العملية.
تأتي الحادثة الأخيرة من مدينة القاع حيث أفاد رئيس البلدية بشير مطر أن بعض العائلات اللبنانية تسجل عائلاتها على أنها سورية، إما باستخدام وثائق مزورة أو طرق أخرى للاستفادة من المساعدات التي يتلقاها اللاجئون السوريون من الأمم المتحدة، وقدم مطر في حديثه لموقع “بيروت توداي” المزيد من التفاصيل المرتبطة بالموضوع وكيفية حدوث هذا الاحتيال في قريته.
يقول مطر: “يسجل الرجل اللبناني المتزوج من امرأة سورية، أم العائلة التي كانت تسكن سوريا ونالوا الجنسية، على أنهم عائلة سورية للاستفادة من خدمات وزارة الشؤون ومن خدمات المفوضية”، وتابع مضيفاً أن البلدية قامت بـ”الإبلاغ عن هذه الحالات المشتبه بها للتفتيش المركزي وجهات أخرى للتحقيق في الموضوع”.
ولا تتوقف هذه المحاولات على المتزوجين من السوريين فقط، بعد أن دفعت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وانعدام الأمل بالشعب اللبناني بالتوصل لأساليب أخرى، يعلق مطر على هذه النقطة بالقول: “هناك عيل لبنانية تذهب إلى سوريا لجلب أوراق ثبوتية على أنهم من الجنسية السورية من خلال طرق احتيالية ويقومون بالاحتيال على القانون”.
وإضافةً إلى احتيال الشعب اللبناني على القانون والدولة اللبنانية، يغيب إشراف الدولة على حقيقة توزيع المساعدات للمحتاجين، إذ يظهر ذلك من خلال سوء التنظيم والمراقبة عندما لا تنتبه الجهات المختصة إلى أن أسامي الأفراد متكررة على الحسابات الرقمية.
ويتساءل مطر: “يقال إن الخدمات تأتي من الحكومة اللبنانية وبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، وأن أجهزة هذه الجهات تستطيع تتبع الأسماء المسجلة أنها تستفيد من المساعدات من خلال الحاسوب والأرشيف ولكن يتبيّن أن هذه المراقبة غائبة لمعرفة من هم الأفراد المستفيدين من الجهتين”، كما يذكر مطر أيضاً أن هذه العائلات ليست من القرية نفسها، ولكن من المناطق المحيطة ويعيشون في القاع.
حتى عندما يفقد اللبنانيون الأمل فإنهم يختارون الحلول غير القانونية ليكونوا قادرين على الاستفادة من المساعدات الخارجية، بينما الحكومة غافلة وغير قادرة على اكتشاف أن المساعدات لا يتم توجيهها بشكل صحيح. ولتوضيح ذلك يقول مطر: “اللبناني الذي كان يسكن في سوريا وعاد إلى لبنان لم يستفد من أي جهة، وهو عندما رأى أن السوري يستفيد من مساعدات عمد إلى التزوج من سورية”. وبعد التزوج من سورية، يعمد اللبناني إلى الحصول على الجنسية السورية بطرق غير شرعية للاستفادة من المساعدات اللبنانية والسورية.
للتعامل مع هذا الاحتيال بشكل قانوني، قدمت البلدية شكوى ضد بعض المشتبه بهم، حيث تطلب من الحكومة التعامل مع هذه الإجراءات غير القانونية فقط حتى يتمكن الجميع من الاستفادة من المساعدة، والاستفادة بشكل قانوني من مصدر واحد وليس مصدرين.
وإذا تبيّن أن القضية صحيحة، فإن الحكومة اللبنانية تعتبر مثيرة للجدل لأنها تدعي أن جميع البيانات مخزّنة إلكترونياً على نظامها، وأنها سجلت أسماء جميع المستفيدين من المساعدات، وفي بعض الأحيان تتقدم بعض العائلات بطلب للحصول على مساعدة من الحكومة ويتم رفضها، وعندما يسأل رئيس البلدية عن سبب رفض الأسرة لتلقي المساعدة، يكون الرد بأن لديهم العديد من الممتلكات أو أن لديهم الاستقرار المالي بالفعل.
وأظهرت عدة حالات أن العائلات التي تستفيد من المساعدات لديهم عدة ممتلكات، وهم مستقرون مالياً بدون المساعدة، ويقول مطر: “تظهر بعض العائلات منازل للسلطات ليست منازلهم لإظهار أنهم فقراء للاستفادة من المساعدة بينما تُترك العائلات الأخرى المحتاجة حقاً كضحايا. وهذا الاحتيال ليس بجديد، وقد بدأ قبل الأزمة”.
لم يقرر الشعب اللبناني معارضة حكومته والاستفادة من المساعدات بشكل غير قانوني، لكن لم يكن لديهم حكومة موثوقة للمساعدة، لذلك اضطروا إلى اللجوء إلى هذه الحلول غير القانونية، ويزيد مطر قائلاً: “للأسف هناك عائلات لبنانية أتت من سوريا ولم تهتم بها الدولة فاضطرت إلى اللجوء لهذا الاحتيال”.
كيف يمكن اعتبار السكان مذنبين إذا لم يكن لديهم خيار آخر للبقاء على قيد الحياة عندما تكون الحكومة غائبة والحل الوحيد غير قانوني؟ وما ذنب البلديات والمناطق اللبنانية إذا كانت الدولة اللبنانية لا تقوم بواجباتها من أجل الحفاظ على حقوق المواطن؟