أثار قرار تلزيم توسعة مطار رفيق الحريري الدولي سجالاً كبيراً على صعيد الدولة حكومةً وشعباً، إذْ انقسمت الآراء بين مؤيّد ومعارض له، ليتحوّل الملف إلى الشغل الشاغل للبنانيين، ممّا أدّى إلى “تطييره”، على قاعدة “الرجوع عن الخطأ فضيلة”.
ومنذ لحظة الإعلان عن عقد التلزيم “المشبوه” الذي تصل قيمته إلى 147 مليون دولار بين الحكومة اللبنانيّة وشركتيLAT الدوليّة وDAA الأيرلنديّة، بدأت التساؤلات حول شبهات فساد نتيجة إبرام العقد بالتراضي دون الرجوع إلى دائرة المناقصات، الأمر الذي يُفقده مبدأ الشفافية، كما قد يُسبّب هدراً في المال العام، مع العلم أن الحكومة أعلنت سابقاً عجزها الماليّ. فهل تُعتبر الخصخصة لمبنى الركاب في المطار وإعادة توزيع الأرباح المتوقعة عبر قنوات مختلفة هي الحلّ الأمثل، أم يجب البحث عن طرق تمويل أخرى؟
مطار بيروت بين الماضي والحاضر
تمّ افتتاح المبنى الحالي في مطار بيروت الدوليّ عام 1998، بطاقة استيعابية تصل إلى ستة ملايين مسافر سنوياً، ومنذ ذلك الحين، لم يتمّ توسيع المطار.
في عام 2013، تخطّت حركة المسافرين الفعلية الطاقة الاستيعابية للمطار، ووصل عددهم إلى ذروته في عام 2018، حيث بلغَ 8.8 ملايين مسافر، ومن المتوقع أن يصل إلى 7.2 ملايين مسافر في عامنا الحاليّ.
هذا ومن المؤمل أن يوفرّ هذا المشروع أكثر من 500 فرصة عمل مباشرة ودائمة، و2000 فرصة عمل غير مباشرة، وسيساعد على استقطاب المزيد من شركات الطيران منخفضة التكلفة إلى المطار، وزيادة عدد الرحلات المجدولة، وبالتالي تشجيع السياحة على مدار العام، وزيادة إيرادات الخزينة العامة، وتعزيز الأعمال المرتبطة بالسياحة.
عبر السنوات الماضيّة، انتشرت مطالب عدّة لإنشاء مطار آخر، إمّا لأسباب اقتصاديّة وتنمويّة، أو لأخرى سياسيّة تهدف بالدرجة الأولى إلى التخلّص من سيطرة “حزب الله” المباشرة على المطار نظراً لأنّه يقع في الضاحيّة الجنوبيّة. مع الإشارة إلى وجود مدرجات عدّة على امتداد لبنان، وهي متوقفة عن العمل بغالبيتها أو خارجة عن الخدمة بسبب الإهمال أو غياب التمويل.
صفقة “مشبوهة” على حساب الوطن
“حاجة ملحة لتوسعة المطار”، تحت هذا العنوان برّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الصفقة غير الاعتياديّة، مشدّداً على “وجوب معالجة الاختناقات الناتجة من شدّة الازدحام في مبنى المسافرين الحالي وذلك بإنشاء مبنى مسافرين جديد مستقل عن المبنى الحالي بطاقة استيعابية تصل إلى أربعة ملايين مسافر سنوياً”.
من جهتها، أعلنت 10 منظمات غير حكومية، بينها جمعية الشفافية الدولية- لبنان، في بيان الأسبوع الماضي أنّ “الهدف من قانون الشراء العام الجديد وضع حدّ لممارسات استمرّت سنوات طويلة من التلزيمات غير الشفّافة والإنفاق غير المجدي”، لافتةً إلى أنّ “عقد المطار حصل خلافاً للقانون”، كما حذّرت من “تجاوزات خطيرة في لبنان في تطبيق القانون ما يفتح الباب أمام الفساد والمحسوبية”.
شراكة القطاعَين العام والخاص على المحك؟
فعلياً، إن مفهوم الشراكة بين القطاعَين العام والخاص يهدف إلى تخفيف الأعباء الماليّة عن الدولة وتوفير الخدمة الأفضل للشعب، فيكون للاستثمار في المرفق العام عبر الشراكة المردودية الأكبر لخزينة الدولة. غير أنّ هذا المفهوم لم يعد سارياً على أرض الواقع في لبنان، بحيث تحوّل إلى أداة لتمرير الصفقات المشبوهة على حساب الشعب المُثقل كاهله أساساً لغاية في نفس يعقوب، وسط غياب الرقيب والحسيب، لأنّهما مشاركان في العملية!
وفي هذا السياق، يؤكّد رئيس هيئة الشراء العام جان العليّةلموقع “بيروت توداي” على أنّه “منذ اللحظة الأولى للإعلان عن هذه الصفقة، طالب شخصياً بضرورة السير وفقاً للإجراءات التنافسيّة المنصوص عليها في قانون الشراء العام”، معتبراً أن “إسناد التلزيم إلى قانون رسوم المطارات في غير موقعه القانونيّ الصحيح”.
العليّة الذي لم يوفرّ فرصة إلّا وطالب فيها الجهات المعنيّة بـ”إيداع كل وثائق التلزيم” لصالح هيئة المناقصات، لم يجد تجاوباً لطلبه حتّى بعد قرار الإلغاء، ممّا يطرح علامات استفهام حول نيّة وزارة الأشغال وكلّ المشاركين في هذه المناقصة.
ورداً على التشكيك بقانونيّة العقد، أوضحت وزارة الأشغال العامة والنقل أنّ “استنادها إلى قانون رسوم المطارات الصادر بتاريخ 19/03/1974 وتعديلاته، يُجيز في عقد الإنشاء والتجهيز والتشغيل، لشركات الطيران وشركات الخدمات الأرضية الوطنية، إشغال مساحات مكشوفة لقاء دفع رسم سنوي بالمتر المربع. كما يُجيز لها القانون نفسه إقامة إنشاءات ومبانٍ على نفقتها الخاصة على المساحات المشغولة، على أن تُعاد كامل هذه المباني والمنشآت وتُسجّل ضمن ملكية الإدارة بعد انقضاء مدة العقد على إقامتها”.
على الرغم من أن هذا التبرير للصفقة يتمتع بالقوّة القانونيّة، إلّا أنه يمكن تأجيل هذه الصفقة حتّى تنفيذها وفقاً لأسس قانونية أكثر وضوحاً. والسؤال الأبرز اليوم هو الآتي: هل تخضع هذه الصفقة لقانون الشراء العام، أو هل يكفي قانون رسوم المطارات لتغطيتها قانونياً؟
الإجابة عن هذا السؤال لا تزال مُبهمة، إذْ لم يُصدر وزير الأشغال علي حمية ولا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أيّ توضيح في هذا الإطار، واكتفيا بإعلان إلغاء المناقصة بصورة مفاجئة. وكان قد طلب حمية من ميقاتي الإدلاء برأيه في هذه الصفقة وكل الصفقات المماثلة التي تمّتنفيذها سابقاً، ما يعني أن ديوان المحاسبة كان ليتحمّل مسؤولية تقييم هذه الصفقة. وبالتالي، كان ليتعيّن عليه أيضاًإعطاء رأيّه القانونيّ والماليّ فيها، مع الحفاظ على استقلاليته وعدم السماح للقوى السياسية والوسطاء بالتأثير عليه، لا سيّما أن الصفقات السابقة شكّلت انتهاكاً صارخاً لقانون المحاسبة العامة، وبخاصة الصفقة مع “ميدل إيست”، وربما يكون ملف “أكسال” وغيره مشابهاً أيضاً.
مصادر قانونيّة مطلعة اعتبرت في حديث لموقع “بيروت توداي” أن “العقد باطل بأساسه، إذْ إن الصفقة تمّت دون المرور بالجهات الرقابيّة، وبالتالي فإنّ تلزيم مطار بيروت بالتراضي يُعدّ مخالفة فاضحة لقانون الشراء العام الذي يُبطل أي نصّ قانوني يتعارض مع مبدأ شفافية المناقصات والمزايدات عبر هيئة الشراء العام”.
قانونياً، توضح المصادر أن “لحكومة تصريف الأعمال صلاحيات محدودة، تشمل القرارات الطارئة حصراً بالدرجة الأولى، وإذا كان لا بدّ من اتخاذ قرارات من هذا النوع، فلمَ التسترّ عنها والتخطيط تحت الطاولة، في الوقت الذي يحتاج البلد فيه إلى خطوات تنفيذيّة سريعة ومدروسة بعيداً عن المزايدات والشعبويّة لاستعادة ثقة المجتمعَين المحليّ والدوليّ”.
لا شكّ بأن الضغط الإعلاميّ الذي مارسته الـ”MTV” وغيرها من الوسائل ساهم في تطيير الصفقة التي لم يكن من المتوقع أن تظهر إلى العلن في هذا الوقت تحديداً، خصوصاً وأن الجهات المعنيّة لعبت دورها على أكمل وجه في إلهاء الرأي العام بـ”التوقيت الصيفيّ والشتويّ”. فهل تراجعت وزارة الأشغال فعلياً عن العقد أو أنّها “مسألة وقت” لإعادة تمريره؟