لم يطرأ على مطار رفيق الحريري الدولي (مطار بيروت) أي تغيير منذ أكثر من 25 عاماً، لا توسعة مجاراة لتزايد العدد السكاني والمسافرين، لا أعمال تطوير لمواكبة مطارات المنطقة، لا استحداث تجهيزات، لا تعزيز قدرات استيعابية. لا شيء من كل ذلك سوى قرار غير نافذ صدر عام 2018 قضى بوضع مخطط توجيهي عام لتطوير وتوسعة المطار ولم يُنفّذ حتى العام الحالي.
في العام 2018 أقرت الحكومة مخططاً توجيهياً لتطوير وتوسعة مطار رفيق الحريري الدولي، بهدف الحد من أزمة الازدحام في مبنى المسافرين، إذ لا تتجاوز القدرة الاستيعابية للمطار ستة ملايين راكب سنوياً، في حين فاق عدد المسافرين عام 2018 تلك الأرقام وبلغ 8.8 ملايين مسافر، ومن المتوقع بلوغ عدد المسافرين في العام الحالي 2023 نحو 7.2 ملايين، وهو ما يفوق القدرة الاستيعابية للمطار، مع ترجيح ازدياد عدد المسافرين في السنوات المقبلة.
المشروع المُخطط له منذ العام 2018 لم يرَ النور لأسباب عديدة منها غياب الموارد المالية وتفشي وباء كورونا ودخول البلد في حالة الحجر. أما اليوم ففتحت وزارة الاشغال العامة الباب لتنفيذه، استقدمت تمويلاً من شركات أجنبية وباشرت مشروع تطوير وتوسعة المطار. غير أن المشروع لم يمر بسلاسة فقد جوبه باعتراضات واسعة من ناشطين ومهتمين، واتُهمت الوزارة بعدم مراعاة الشفافية في إبرام عقد توسعة المطار.
وبعيداً من السجال الحاصل في البلد اليوم حول قانونية مشروع توسعة مطار رفيق الحريري الدولي، ما مدى حاجة البلد لذلك المشروع؟ وما هي جدوى توسعة المطار واستحداث مبنى ثان للمسافرين؟
الحاجة للمبنى الجديد
أبرمت وزارة الأشغال عقداً وفق قانون رسوم المطارات، مع الشركة اللبنانية للنقل الجوي (LAT) المكلفة وفقاً لمندرجات العقد بتمويل كامل المشروع، أما لناحية التشغيل، فقررت التعاون مع شركة “dublin airport authority International” المملوكة بالكامل لحكومة أيرلندا، والمتخصصة في إنشاء وإدارة وتشغيل مطارات عالمية حول العالم. وبموجب العقد سيتم المباشرة بتمويل وإنشاء وإدارة وتشغيل مبنى المسافرين الجديد في مطار بيروت “Terminal2″المعني بالرحلات العارضة والموسمية ولطائرات شركات الطيران منخفضة التكلفة “Low Cost Carriers” طبقاً للمخطط التوجيهي العام، على أن تعود ملكية المباني والمنشآت والتجهيزات بالكامل للدولة اللبنانية.
تبلغ القدرة الاستيعابية القصوى للمطار اليوم ستة ملايين راكب، ومن المخطط لمبنى المسافرين الجديد المُزمع بناؤه”Terminal2″ أن يؤمن حركة انسيابية للمسافرين وجميع الخدمات لهم وللطائرات ولشركات الطيران بطريقة منفصلة عن المبنى الحالي “Terminal1″، ومن المتوقع أن تبلغ الطاقة الاستيعابية للمبنى الجديد أكثر من مليوني مسافر سنوياً، ومن الممكن زيادتها إلى أربعة ملايين مسافر سنوياً بهدف استيعاب الارتفاع الكبير في عدد المسافرين، وبحسب العقد يبدأ تشغيل مبنى المساقرين الجديد في الربع الأول من عام 2027.
فوائد التوسعة
مصدر بارز من المطار يشدد على أهمية مشروع إقامة مبنى جديد للمسافرين “فالفوائد الاقتصادية لا تُحصى بدءاً من ضرورة الإرتقاء بالمطار لمواكبة التطور الحاصل في مطارات المنطقة وجلب استثمارات خارجية مروراً بتنفيذ مشروع بهذه الضخامة من دون ترتيب أي أعباء مالية أو ديون على الدولة ووصولاً إلى تخفيف الازدحام الحالي على ممرات التفتيش والكونتوارات وبوابات الصعود إلى الطائرات للمسافرين على طائرات الرحلات العارضة والموسمية والناقلة للحجاج والمعتمرين وزائري الأماكن المقدسة ولطائرات شركات الطيران منخفضة التكلفة، وتجنّباً للأزمات المتكررة سنوياً عند أوقات الذروة وتزايد أعداد المسافرين”.
وإذ يستغرب المصدر ارتفاع الأصوات الرافضة للمشروع لا سيما أولئك المنادين بعدم توسعة مطار بيروت واستبداله بإقامة مطار في أي من مناطق الشمال، يقول: “لا يمكننا الاستمرار بإدارة الملفات الحيوية في البلد من منظار طائفي مناطقي كما لا يمكن التعامل مع ملف بهذه الأهمية على قاعدة تقاسم الحصص، فالمطار بات عاجزاً بالفعل عن استقبال أعداد المسافرين المتزايدة ومتهالك تقنياً وعملياً ولا بد من توسعته لتمكينه من لعب دوره الأساسي في رفد خزينة الدولة”.
ولا بد من الإشارة إلى أن مشروع توسعة المطار سيؤمن أكثر من 500 فرصة عمل مباشرة ودائمة و2000 فرصة عمل غير مباشرة دون تكبيد خزينة الدولة أية أعباء، وسيمكّن المطار من استقطاب المزيد من شركات الطيران منخفضة التكلفة، ومن زيادة عدد الرحلات المجدولة ويحسن كفاءة ونوعية الخدمة المقدمة لتلك الرحلات مما يشجع السياحة على مدار السنة ويزيد إيرادات الخزينة العامة ويرفد جميع الأعمال المرتبطة بالسياحة.
كما أن توسعة المطار تتيح الفرصة للناقل الوطني (شركة طيران الشرق الأوسط) للتوسع وزيادة عدد رحلاته على الخطوط الحالية وزيادة وجهات السفر إلى مطارات أخرى.
قانونية العقد
وعلى الرغم من أهمية مشروع توسعة مطار رفيق الحريري الدولي، لا يمكن تجاهل المعترضين لا سيما أن اعتراضهم مبني على اعتقادهم بعدم قانونية العقد المبرم مع الشركات الأجنبية. من هنا توضح وزارة الأشغال قانونية العقود، “فهي مبنية على أساس أحكام قانون رسوم المطارات الصادر عام 1974 وتعديلاته والذي أجاز في عقد الإنشاء والتجهيز والتشغيل لشركات الطيران وشركات الخدمات الأرضية الوطنية إشغال مساحات مكشوفة لقاء دفع رسم سنوي بالمتر المربع. كما أجاز لها القانون نفسه إقامة إنشاءات ومبانٍ على نفقتها الخاصة على المساحات المشغولة، على أن تُعاد كامل هذه المباني والمنشآت وتُسجّل ضمن ملكية الإدارة بعد انقضاء مدة العقد على إقامتها”.
وأبرزت الوزارة استعانتها برأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، التي أكدت بدورها أن “لوزارة الأشغال صلاحية الترخيص بإشغال وإنشاء وإدارة واستثمار المنشآت النفطية وسواها من المنشآت ضمن المطار والأملاك العامة التابعة له والملحقة به”. من هنا يوضح مصدر قانوني متابع للملف أنه من المتاح قانوناً إقامة منشآت ومبانٍ في مطار رفيق الحريري الدولي بحسب المرسوم الاشتراعي رقم 36 تاريخ 15/6/1983 وتعديلاته في الجدول رقم (9) الملحق بكل من موازنات السنوات 1991، 1993، 1999، 2019، والمعدّل بالقانون رقم 300 تاريخ 11/8/2022 وقانون الموازنة العامة للعام 2022، لأنه يلحظ هذا النوع من الإشغال ضمن مندرجاته، والذي يجيز قيام الشركات في المطار بإقامة إنشاءات ومبانٍ على نفقتها الخاصة على الأراضي المكشوفة المشغولة من قبلها، على أن تحدد بدلات الإشغال لاحقاً وفق أحكام هذا القانون”.
ويوضح المصدر أن العقد هو عقد إقامة إنشاءات ومبانٍ وليس عقد (BOT)، وعليه لا يخضع إشغال المساحات المكشوفة المعدة لإقامة إنشاءات ومبان إلى آلية المزايدة العلنية، بل تبقيه في إطار التعاقد الحرّ.
ويذكّر المصدر باعتماده هذه الآلية في عقود سابقة مثل عقد إنشاء المبنى البريدي لشركة البريد السريع (DHL)، ومبنى الشحن الجوي، المعروف بقرية البضائع لشركة طيران الشرق الأوسط (ش. م. ل). بقيمة 25 مليون دولار لمدة عشر سنوات.
ولأن مهمة التدقيق بالعقود وتحديد مدى ملائمته للقوانين تقع على عاتق دائرة المناقصات يقوم رئيس إدارة المناقصات جان العلّية باستكمال ملف توسعة المطار للتدقيق فيه بصورة علمية وقانونية لإعطاء رأي موضوعي ليُبنى على الشيء مقتضاه.