أهلا بهالطلة” أو “أهلا وسهلا بوطنك الثاني” أو “عيدا عالشتوية” وغيرها من الشعارات الرنانة التي تشجع السياح أو المغتربين” إلى زيارة لبنان، إلا أنها لا تحميهم من أخطار جدية تهدد حياتهم في محيط مطار رفيق الحريري الدولي (مطار بيروت).
أخطار جديّة تهدد سلامة الطيران: الخطر الأول تكرار حوادث الرصاص الطائش، والذي أصاب مراراً طيران الشرق الأوسط، وآخرها في بداية شهر آذار (مارس) الحالي، والخطر الثاني يتمثل بكثافة الطيور المحيطة في منطقة المطار، والثالث هو الأبنية المنتشرة على المدرجات.
مسألة الرصاص الطائش تحتاج إلى معالجة جذرية وتطبيق القانون على مطلقي النار في ظل سلاح متفلت تعجز الحكومات حتى الآن حصره بيد الدولة لأسباب سياسية الكل يعرفها.
أما بالنسبة إلى قضية الحمام والطيور المحيطة بالمطار والأبنية غير القانونية على المدرجات فلا يختلف اثنان أن هذه الأمور تمثل خطراً جدياً على الملاحة، وهي محل إجماع لدى الجميع على ضرورة وضع حد لهذه الأمور، ووزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي أعطى أهمية كبيرة لها.
وقال المولوي بعد اجتماع مجلس الأمن المركزي الذي عقد الأربعاء في 22 آذار (مارس) الحالي: “موضوع أمن المطار مهمّ بالنسبة إلينا ونتحمّل المسؤولية كي نؤمّن الأمان في البلد”، وأكد أن الوزارة “كلّفت البلديات باتخاذ التدابير اللازمة في ما يخص مربي الطيور في المحيط أمّا في ما يخصّ إطلاق النار فالقوى الأمنية ستقوم بدورها لقمع هذه الظاهرة”.
وأضاف: “جاهزون لقمع مخالفات البناء ومنعها ولا يمكن لأحد أن يتذرّع بغطاء فلن يكون هناك أي غطاء سياسي أو أمني من أجل التعدّي على الأملاك العامة”.
إطلاق النار
الخبير في شؤون الطيران ورئيس جمعية الطيّارين الخاصّين في لبنان الكابتن مازن السمّاك شرح لـ”بيروت توداي” “أن هبوط الطائرة على المطار هو المرحلة الأدق خلال الرحلة، ويكون الطيار في حالة تركيز قصوى، خصوصاً أن الطيار الآلي مفصولاً، فيتابع سرعة الرياح وسرعة الطائرة والحمولة والوزن والرطوبة والحرارة وعوامل أخرى، بالإضافة إلى تعليمات برج المراقبة فيشرع الطيار بعملية الهبوط بناء على المعطيات، وخلال هذه اللحظات لا يجب أن تكون هناك أي أخطار”.
وقال السمّاك: “خلال الطيران يؤخذ بالحسبان أي طارئ يتعلق بالرحلة على قاعدة: [إذا حصل ذلك تقوم بذلك]، ولا يؤخذ بالحسبان إطلاق النار أبداً أو الرصاص الطائش”، واستغرب تكرار هذه الحوادث التي لم تحصل حتى في الدول المتخلفة، مؤكداً أن معظم الدول تحمي محيط مطاراتها، فهو محيط مقدّس ومحرّم على الجميع.
ورأى أن “سلطة الطيران المدني وجهاز أمن المطار لا يستطيعان أن يضبطا الخطر الناجم عن إطلاق النار على الطائرات، وهذا الأمر لم يحصل داخل حرم المطار بل من محيطه، لذلك يتعلق الأمر بفرض سلطة الدولة على محيط المطار وعلى البلد ككل ونزع السلاح المتفلت”.
وأشار إلى أن “لحادث إطلاق النار الاخير أبعاداً خطيرة تتعدى الحادث نفسه كون حادث كهذا لا يرقَ لشركات الطيران الأجنبية، والتي تعتبر سلامة ركابها في سلم اولوياتها. فمعظم الشركات ترصد ميزانيات ضخمة لتطوير مستوى السلامة على جميع الأصعدة إذا كان من حيث اختيار الطائرة نفسها وصيانتها والأجهزة الملاحية المتطورة وتدريب الطيارين المكثف، لذلك لن تكون تلك الشركات سعيدة بحادث كهذا يمكن أن يدمر سمعتها أو أن يدفعها إلى الإفلاس”.
وقال: “صحيح إنها ليست مسؤولة بشكل مباشر نتيجة هكذا حوادث، ولكنها ستعتبر مسؤولة كونها لم تحتاط أو لم تتجنب أو توقف رحلاتها نحو مطارات تحت الخطر. وأنا شخصياً أعتقد أن تكرار مثل هذا الحادث سيضر كثيراً بلبنان وبسمعته، بحيث يمكن أن يصل الأمر إلى حد وقف رحلات تلك الشركات ولو بشكل مؤقت إلى مطار رفيق الحريري الدولي”.
وذكّر بأن “المديرية العامة للطيران المدني بالتعاون مع جهاز أمن المطار تقوم بعمل رائع ودؤوب للحفاظ على مستوى عالٍ من السلامة فهي تدقق في عمل الشركات المشغلة تدقيقاً كثيفاً، ولا تسمح بأي مخالفة صغيرة كانت أم كبيرة، ولكن لا يمكن أن تكون هي المسؤولة عن حادث إطلاق نار مصدره مناطق مجاورة لمحيط المطار كون هذا الأمر يتعدى مسؤولياتها، ويعتبر من مسؤولية الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية المعنية”.
تجمع الطيور
الخطر الثاني على الملاحة هو تواجد الطيور في محيط مدرج المطار، لاسيما المهاجرة والنورس والغطاس والحمام أيضاً، بالإضافة إلى أن هناك عدداً كبيراً من “كشاشي الحمام” بالقرب من مدرج المطار من دون حسيب أو رقيب.
“هذا الأمر لا يتعلق بالبيئة المتواجدة في محيط المطار كالأشجار أو الحبوب، إنما يتعلق بأشخاص يربون طيوراً على أسطح أبنيتهم الكائنة في محيط المطار”، يقول السمّاك الذي ذكّر بأن القيمين على سلامة المطار رفعوا تقاريرهم إلى المسؤولين لوقف هذا الأمر وللأسف من دون جدوى.
وتحدث عن تجربة شخصية حصلت معه خلال إحدى الرحلات عندما اصطدم طير في محرك الطائرة، وأدى إلى خطر كبير خلال الهبوط رغم “التدريب المكثف” الذي خضع إليه لكيفية التعامل مع هكذا حوادث.
وأوضح أن هناك وسائل عدة للتخلص من الطيور في محيط المطار، وهي: تركيب أجهزة صوتية أي باستخدام أصوات مرتفعة، أو عبر أجهزة ترسل ذبذبات، أو عبر صيدها وهذه طريقة غير محبذة ولا يمكن المضي فيها.
الكابتن شادي الحشيمي أكد أيضاً لـ”بيروت توداي” أن الطيور تعتبر خطراً على الطائرة أثناء إقلاعها أو هبوطها، وفي حال دخلت إلى المحرك قد تتسبب بتعطيله ما يؤدي إلى سقوط الطائرة إذا لم يسيطر الطيار على الأمور.
ودعا المسؤولين إلى إبعاد الطيور عن المطار ووضع حد لهذه المشكلة، وقال: “هناك وسائل عدة لإبعاد الطيور عن المطار من دون قتلها، لاسيما استخدام المفرقعات خلال أوقات متقطعة لإبعادها وغيرها من الطرق التي لا تؤثر على سلامة الطيور”.
واعترف رئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت بأن قضية الحمام والطيور المحيطة بالمطار تشكل خطراً على الملاحة الجوية، ورأى أن الحل يكون إما عبر القوى الأمنية، أو السماح بجلب صيّادين لقتل الطيور.
وكان الحوت قد تقدّم بطلب من وزارة الداخلية لجلب صيادين لقتل الطيور على غرار ما حصل عام 2017، ما أثار ردود فعل مستنكرة وغاضبة من قبل ناشطين وضعوا هذا التصرّف الذي قد تلجأ إليه السلطات اللبنانية في خانة المجزرة التي ترتكب بحق الطيور، فيما الحلول ينبغي أن تكون مستدامة وتعالج أصل المشكلة الجاذبة لها، وعلى رأسها النفايات.
المباني العشوائية
أما السماك فتحدث عن خطر ثالث يهدد الملاحة الجوية، وهو انتشار الأبنية السكنية العشوائية وغير القانونية على المدرجات، لاسيما المدرج الشرقي المستخدم للإقلاع أو عند المدرج الغربي للهبوط، وقال: “نجد الغسيل على سطوح الأبنية، وغيرها من الأشياء التي تعرقل الملاحة، والحمدلله حتى اليوم لم يحصل أي حادث أمني من هذه الأبنية والمنازل، لاسيما إطلاق النار، فلو حدث سنكون أمام كارثة نظراً لقرب هذه المنازل من مسار الطائرات”.
وتمت محاولات خجولة لإزالة المباني العشوائية في محيط المطار في السنوات الأخيرة، ولكن هذه المحاولات واجهت صعوبات من قبل سكان هذه المناطق وعدم توافر البدائل السكنية الملائمة لهم.
يمكن أن تتسبب العوائق المختلفة على المدرجات ومحيطها في مطار بيروت في تعطيل عمليات الطيران، وتزيد من خطر وقوع الحوادث التي نحن بغنى عنها، فهل يلتفت المسؤولون إلى هذه الأخطار ويضعون حلولاً لها، أم يغضون النظر عنها كباقي المشاكل حتى تقع الكارثة؟