Photo via the 961/@embrace_lebanon

موجة انتحار تغزو لبنان… إنهاء للحياة أم للظلم؟

“وحياة الله عم بكتب هالأسطر وعم بشهق بالبكي”… بهذه الكلمات ختم بيار صقر رسالته “السياسية الاجتماعية الاقتصادية” عبر “فيسبوك” واضعاً حداً للظلم، فأنهى حياته بعد “تعب 32 سنة راحوا ضيعان”.

فبعد موسى الشامي من جرجوع، وحسين مروة من الزرارية، ومحمد إبراهيم من الوردانية، وعلي بوحمدان من حزرتا، انضم بيار صقر من زحلة إلى قافلة “المنتحرين” في بلد يتلذذ حكامه بالسادية تجاه شعب يتعذب كل يوم ألف مرة.

صرخة صقر أو منشوره “الفيسبوكي” أو وصية “المقاوم” كان لها أثر كبير في نفوس المئات، فكانت لأول مرة سياسية اقتصادية من قبل المنتحرين، وتناقلها ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات “الواتساب”، وتحدثت عنها وسائل الإعلام حتى باتت قضية رأي عام بعد سلسلة من الانتحارات في الآونة الأخيرة.

ويعاني لبنان من ارتفاع ملحوظ في معدلات الانتحار خلال السنوات الأخيرة. وهناك العديد من الأسباب المحتملة لهذا الارتفاع، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الصعبة والأزمة المالية، بالإضافة إلى الصعوبات الاجتماعية والسياسية التي تعصف بالبلد.

الأزمة الاقتصادية

وتؤثر الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان على العديد من جوانب الحياة، بما في ذلك العمل والتعليم والرعاية الصحية والسكن والأمن الغذائي، ما يؤدي إلى القلق والاكتئاب والشعور باليأس وعدم القدرة على التعامل مع الضغوط الحياتية. وقد تزيد هذه العوامل من خطر الانتحار في البلد.

وفي كانون الثاني (يناير) من عام 2022، أعلن البنك الدولي أن الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان حالياً هي واحدة من أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ أواسط القرن الـ19، وأصبح أكثر من 80 في المائة من اللبنانيين تحت خط الفقر، ولامست البطالة 30 في المائة، وتصاعد التضخم بنسبة 100 في المائة، وفقدت الليرة اللبنانية نحو 97 في المائة من قيمتها منذ عام 2019.

ويمكن العمل على الحد من معدلات الانتحار من خلال تعزيز الوعي بالمشكلة وتوفير الدعم العاطفي والنفسي والاجتماعي للأشخاص الذين يعانون من الضغوط والصعوبات الحياتية، وتحسين الخدمات الصحية النفسية والتعليمية والاجتماعية. 

كما يمكن تقليل مخاطر الانتحار من خلال التعرف على علامات الاكتئاب والقلق والتوتر العصبي وتوفير الدعم والرعاية المناسبة للأشخاص الذين يعانون منها.

الخط الساخن

“إذا عم تعانوا من أفكار الانتحار، اعرفوا أنو منكن لوحدكن. خط الحياة 1564 موجود على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع مع مطوعين مدرّبين ليسمعولكن ويدعموكن نفسيّاً. اتصلوا بخط الحياة وخلونا نساعدكن خلال هل أوقات الصعبة”… هذا المنشور وضعته جمعية “إمبراس” (Embrace) للعناية بالصحة النفسية في لبنان على صفحتها عبر “فيسبوك” بعد ازدياد حالات الانتحار في الآونة الأخيرة.

وأفادت رئيسة الجمعية ميا عطوي بأن “نسبة المتصلين بالخط الوطني الساخن للدعم النفسي والوقاية من الانتحار بالتعاون مع الجمعية “خط الحياة” (1564)، ازدادت ثلاث مرات عن المعدل بين 2019 و2022، وست مرات عما كانت عليه في العام 2017″، مشيرة الى “أننا نتلقى يومياً 30 اتصالاً بعد الأزمة أي ما يعادل ألف اتصال في الشهر الواحد مع نسبة تراوح ما بين 30 في المائة إلى 40 في المائة من المتصلين تراودهم أفكاراً انتحارية…”.

وكانت مديرة العلاقات العامة والتواصل في جمعية “إمبراس” للعناية بالصحة النفسية في لبنان، هبة دندشلي أوضحت لـ”بيروت توداي” أن أسباب الانتحار، يمكن أن تكون فردية أو نفسية أو بيولوجية، وهناك عوامل مؤثرة أخرى لاسيما اجتماعية وبيئية واقتصادية أو عدم توفر الأسس الاجتماعية والاقتصادية للعيش السليم، وهذه العوامل قد تزيد من التفكير بالانتحار.  

إحصاءات لا أبحاث

وتوجد في لبنان إحصاءات وإحصائيات لحالات الانتحار، وهذه الإحصائيات غالباً ما تكون متاحة للعامة من خلال التقارير الصحفية والإعلامية وتقارير المنظمات الحكومية وغير الحكومية، فالمشكلة ليست بالإحصاءات إنما بغياب الأبحاث العلمية عن الانتحار وطرق الحد منه. 

ولاحظ مؤسس المركز اللبناني للعلوم النفسية والاجتماعية “نفسانيون” علي الأطرش “أننا لم نعمل في لبنان بشكل علمي وصحيح على موضوع الانتحار، واكتفينا فقط باستيراد البرامج المُعلبة والتي لا تشبه ولا تتلائم مع معطيات بلدنا ومجتمعنا وواقعنا النفسي والإجتماعي”.

وقال لـ”بيروت توداي”: “نحن بأمس الحاجة لأبحاث نفسية اجتماعية ودراسات علمية جدّية، ومؤتمرات وورش عمل حول موضوع الانتحار، لنصل إلى مُخرجات وأفكار من شأنها أن تتحول إلى برامج توعوية ووقائية، لإننا الآن في لبنان أبعد ما نكون عن الأساليب والتقنيات التوعوية والعلاجية الناجعة لهذا الموضوع، والسبب الأساسي هو غياب البحث العلمي وانعدام دور المؤسسات المختصة”.

وتابع حديثه “إذا أمعنا بالملاحظة لحالات الانتحار في لبنان، يمكننا أن نتبين نمطاً معيناً يصلح لأن يكون مادةً للدراسة، فكل حالة انتحار يعقبها سلسلة من حالات الانتحار والتي غالباً ما تكون في منطقة واحدة”.

تراجع حوادث الانتحار؟!

وسجلت في حزيران (يونيو) 2021 سلسلة حالات انتحار، ووصل متوسّط حوادث الانتحار سنويّاً خلال الأعوام 2013- 2022 إلى 143 حادثة، والعدد الأكبر سجّل في العام 2019 إذ بلغ 172 حادثة، أمّا العدد الأدنى فهو 111 حادثة سجّلت في العام 2013، وفقاً للشركة “الدولية للمعلومات”.

وأشارت “الدولية للمعلومات” إلى أن “الأيّام والأسابيع المنصرمة شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حوادث الانتحار المسجّلة رسمياً ما أعطى انطباعاً بارتفاع هذه الحوادث مقارنة بالفترة السّابقة، غير أنّ مراجعة حوادث الانتحار بالأرقام تفيد عكس ذلك، إذ تراجعت حوادث الانتحار خلال العام 2022 مقارنة بالعام 2021”.

ولاحظ الأطرش أن “طريقة إعلان خبر الانتحار من قبل الكثير من وسائل الإعلام (ليس الجميع بالتأكيد) ووسائل التواصل هي جداً خاطئة بل مؤذية، ولا يهمها التوعية بقدر اهتمامها بعدد المشاهدين”.

ودعا المراكز النفسية والمنظمات والجامعات والنقابات الرسمية والخاصة ووسائل الإعلام والناشطين إلى “وضع خطة جدّية وهادفة للحؤول دون تحفيز الأشخاص الذين عندهم الاستعداد للانتحار على إنهاء حياتهم”.

لا شك أن الحالة العامة في لبنان محبطة، ولكن يجب على الأشخاص الكئيبين أن يجدوا الأمل بأنفسهم وقدراتهم وطاقاتهم ويبدلوا آراءهم فـ”ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل”.