Photo via AP

الزلازل والهزات كشفت هشاشة الأبنية في لبنان… إقبال كبير على المسح الميداني

لم يعد خافياً على أحد أن لبنان من بين الدول الواقعة على خط زلزالي نشط  في المنطقة، حيث يشهد بشكل منتظم هزات أرضية صغيرة ومتوسطة الشدة، وتسجل المنطقة بين الحدود اللبنانية والسورية والفلسطينية معظم هذه الهزات.  

ففي العام 1956 حصل زلزال بلغت قوته 7.5 درجات على مقياس ريختر، وأسفر عن مقتل وجرح العديد من الأشخاص وتدمير العديد من المباني. 

ويؤدي الموقع الجغرافي للبنان ووجوده على هذا الخط الزلزالي النشط إلى زيادة احتمالية حدوث الزلازل في المنطقة، ما يجعل هشاشة المباني والتحضير للزلازل والوقاية منها أمراً مهماً جداً في لبنان. 

فخطر وقوع الأبنية بعد الزلازل والهزات، خصوصاً غير المطابقة للمعايير الهندسية والمواصفات اللازمة كبير جداً، وتزداد خطورة ذلك إذا كان الزلزال شديداً ويمتد لفترة طويلة، أو إذا كان البناء في منطقة زلزالية عالية. 

وحذر مسح ميداني أجري في طرابلس شمال لبنان من أن 18 مبنى متعدد الطوابق يمكن أن ينهار في أي لحظة نتيجة عيوب في البناء وتصدعات في جدرانها، وأضاف التقرير ذاته أن أكثر من 400 مبنى آخر يحتاج لمعالجة سريعة لتجنيب قاطنيها خطر انهيارها على رؤوسهم. 

 تشققات في الجدران والأساسات 

فالهزات الارتدادية والزلازل الأخيرة كشفت هشاشة المباني في لبنان، وظهرت التشققات في الجدران والأساسات، وباتت حياة القاطنين في هذه الأبنية معرضة للخطر، جراء سقوط منازلهم أو أجزاء منها. 

المهندس المدني هاشم سكرية من شركة “ستراتا” (Strata) للهندسة أوضح لـ”بيروت توداي” أن هناك إقبالاً كبيراً على عمليات مسح الأبنية للكشف على الأساسات بعد الهزات والزلازل التي حصلت، وأكد أن التكلفة المادية للمسح والاختبارات ليست مرتفعة مقارنة مع حياة المواطنين، ولكن التصليح هو المكلف، مشيراً إلى أن عملية المسح تحتاج تقريباً إلى ثلاثة أيام لإصدار تقرير مفصل عن المشاكل والحلول. 

وتعتمد تكلفة ووقت عملية المسح على عوامل عدة، مثل حجم المبنى ومستوى التعقيد، ونوعية المسح المطلوب (مسح دقيق أو سريع)، وكمية البيانات التي يجب جمعها وتحليلها مع عرض الحلول. 

وإذا تم العثور على تلف في المبنى، يتم اتخاذ إجراءات مختلفة بناءً على مدى الضرر. في بعض الحالات، يمكن إجراء إصلاحات بسيطة للمبنى، في حين يمكن في حالات أخرى أن تحتاج المباني إلى ترميم شامل أو إعادة بناء. وبشكل عام، فإن التحقق من متانة المبنى بعد وقوع الزلزال يعد أمراً ضرورياً لضمان سلامة الأشخاص الذين يعيشون أو يعملون في المبنى ولضمان استمرارية الأعمال والنشاطات التجارية فيه. 

تقييم دوري لمتانة الأبنية 

وتتعرض الأبنية غير المطابقة للمواصفات إلى تلف أو انهيار جزئي أو كلي، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث خسائر بشرية ومادية جسيمة، ولذلك، فإن إجراء تقييم دوري لمتانة الأبنية، والتأكد من تطبيق المواصفات الهندسية المناسبة يعتبر ضرورياً لتقليل هذه المخاطر. 

وتعمل شركة”ستراتا” للهندسة التي يعمل فيها المهندس سكرية على فحص التربة وهندسة الأساسات، وتقوم بأعمال تدعيم التربة والغرائز وتصميم خلطات الخرسانة وأخذ العينات وفحصها، بالإضافة إلى إجراء دراسات إنشائية وبيئية. 

وبعد الكشف الميداني على مبان عدة بناء على رغبة مالكيها، أكد المهندس سكرية أن هناك أبنية بحاجة إلى تدعيم وأخرى مهددة بالسقوط، خصوصاً أن معظم المباني في لبنان لم يتم إنشاؤها بنظام مقاوم للزلازل، معتبراً أن هناك فرقاً كبيراً بين مبنى لديه عناصر إنشائية ضعيفة وبين مبنى آخر لديه تصميم جيد وعناصر إنشائية قوية فيقاوم الهزات لدرجة معينة. 

والجدير بالذكر أن تقنيات البناء المعاصرة تضمن تحمل الأبنية للزلازل، ولكن يجب أن تتم المراجعة الدورية للتأكد من سلامة البناء والحد من مخاطر وقوع الأضرار في حالة وقوع الزلازل. 

حيطان مقاومة للهزات 

وشرح سكرية عن قانون موجود في نقابة المهندسين يفرض صراحة أن يكون هناك “حيطان” مقاومة للهزات، ولكن للأسف “هناك بعض المهندسين أو المالكين لا يلتزمون به، رغم ذكر الأمر في رخصة البناء ولكن على أرض الواقع لا يتم التنفيذ، وهذه المشكلة التي نعاني منها في الأبنية”، مشدداً على أن بعض المهندسين لا يفرض على الملك بناء “حيطان” مقاومة للهزات، فيما المالك لا يعرف بهذه الأمور أو يهمل الأمر، مؤكداً أن القانون موجود ولكن لا يطبق. 

“إن إنشاء أبنية أو فلل لديها نظام مقاوم للزلازل أمر ليس مكلفاً بالنسبة لتكلفة المبنى بشكل عام”… قال سكرية الذي تحدث بإسهاب خلال حديثه مع “بيروت توداي” عن تحمل المسؤولية في حال كانت الأبنية مخالفة للمواصفات، فأوضح أن بعض الأبنية في لبنان تبنى من دون رخص أي مخالفة، وذلك يكون عبر استثناء من وزارة الداخلية أو البلدية، وعندها يكون المالك استحضر “معلم عمار” لإنشاء المبنى، وفي هذه الحالة المالك يتحمل المسؤولية لأنه لم يعتمد على المهندس لإنشاء مبنى مطابق للمواصفات. 

أما الأبنية التي تحصل على رخص ولم تكل مطابقة للمواصفات الإنشائية ولديها ضعف بالمواد أو بالعناصر، فالمهندس المسؤول عن الرخصة يتحمل المسؤولية، بحسب سكرية الذي حث المواطنين الذين يشكّون في متانة أبنيتهم على إجراء مسح وفحوصات ودراسات إنشائية للإطمئنان على أرواحهم. 

توزيع المسؤولية 

وأوضح خبير قانوني لـ”بيروت توداي” أن المسؤولية المدنية حددها قانون الموجبات والعقود اللبناني، لاسيما في المادة 131 التي نصت صراحة على أن حارس الجوامد المنقولة وغير المنقولة يكون مسؤولاً عن الأضرار التي تحدثها تلك الجوامد حتى في الوقت الذي لا تكون فيه تحت إدارته أو مراقبته. 

وشرح أن المبنى غير المطابق للمواصفات والمعايير المطلوبة، فإن المسؤولية عن ذلك يمكن أن تتحملها الأطراف المعنية التي تشمل: 

  • المالك: فالمالك هو المسؤول الرئيسي عن المبنى ويجب أن يتأكد من أن المبنى مطابق للمواصفات والمعايير المطلوبة. إذا تم تصميم وبناء المبنى بطريقة غير مطابقة للمواصفات، فقد يتحمل المالك جزءاً من المسؤولية. 
  • المهندس المعماري والمقاول: يتحمّل المهندس المعماري والمقاول مسؤولية تصميم وبناء المبنى بطريقة تتوافق مع المواصفات والمعايير المطلوبة. إذا كان هناك أي تصميم أو أخطاء بناء، فقد يتحمّل المهندس المعماري والمقاول جزءاً من المسؤولية. 
  • الجهات الحكومية: يتحمّل الجهاز الحكومي المسؤولية عن التأكد من أن جميع المباني تتوافق مع المعايير والمواصفات المطلوبة. إذا لم تتم مراجعة المبنى بشكل كافٍ أو إذا لم تتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقق من أن المبنى مطابق للمواصفات، فقد تتحمّل الجهات الحكومية جزءاً من المسؤولية. 

بشكل عام، يجب على جميع الأطراف المعنية بتصميم وبناء المبنى التأكد من أن المبنى يتوافق مع المواصفات والمعايير المطلوبة. وإذا كان هناك أي شك في مطابقة المبنى للمواصفات، يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقق من ذلك قبل بدء استخدام المبنى.