Photo via Habitat for Humanity GB

اللاجئون يعيشون موتاً بطيئاً… لا أدوية والأعشاب سيّدة الموقف!

“ابني وصل للموت ورجع، والحامي الله”… هكذا اختار عبدلله العلي التعبير في تصريح لموقع “بيروت توداي” عن معاناته في تأمين الدواء لطفله محمد (4 سنوات)، بعدما رفضت المنظمات الدوليّة مساعدته بحجج مختلفة تصبّ جميعها في خانة “الذلّ” التي تدفع باللاجئين إلى التوجه نحو العلاجات الشعبيّة والطبّ البديل كوسيلة للشفاء بغضّ النظر عن أضرارها الجانبيّة. 

هل الحلّ بالطبّ البديل؟

في 13 كانون الثاني (يناير) 2023، وتحديداً عند الساعة الرابعة عصراً، بدأت حرارة محمد ترتفع، وبطبيعة الحال ذُعرت العائلة وركضت به إلى المستوصف المجاور للمخيّم، حيث عاينه الطبيب ووصف له ثلاثة أدويّة بلغ سعرها مليون و700 ألفاً، وهي عبارة عن: خافض للحرارة، مضاد حيويّ وشراب لعلاج الكحّة بعدما تبيّنت إصابته بالإنفلونزا الموسميّة، وفقاً لرواية الوالد. 

اختارت العائلة التي لا تملك مبلغ المليون ليرة، التوجّه نحو الخيارات الطبيعيّة أيّ العلاج بالأعشاب، فقصدت متجراً مختصاً في الضاحية الجنوبية- بيروت، حيث حضّر لهم “العطار” خلطة خاصّة لتعزيز جهاز مناعة الطفل مكوّنة من الثوم، الزعتر البريّ والزنجبيل، مقابل 260 ألف ليرة فقط. وبحسب الوالد، “تجاوب محمد مع العلاج، إذ تحسّن جهازه التنفسيّ نتيجة تناول الثوم المضاد للبكتيريا، والزعتر الذي ساعده في إيقاف الكحة، أمّا الزنجبيل فلعب دوراً أساسياً بمحاربة الإنفلونزا حيث يُعدّ مضاداً للالتهابات والميكروبات على أنواعها”.

صرخة وجع و”حرقة”، أطلقتها اللاجئة كنانة عبد المجيد، في حديث مع موقع “بيروت توداي”، حيث عبّرت خلالها عن المصاعب والتعقيدات التي تواجهها أثناء رحلة بحثها عن دواء لابنتها، بعدما تمّت “دولرة” أسعار الأدوية تماشياً مع رفع الدعم الذي أقرّته وزارة الصحة رسمياً قبل أسابيع إثر انهيار قيمة الليرة. 

“ورا حيطان المخيّم أوجاع كتيرة ما بيعرف فيها غير ربنا”، تقول كنانة، الأمّ والناشطة الاجتماعيّة في مخيّم شاتيلا البيروتيّ، التي أجبرتها الحرب على ترك بلدها والنزوح باتجاه لبنان. هي التي تعمل بشكل مباشر في إحدى الجمعيات الناشطة بالمخيّم والتي تُعنى بحاجات اللاجئين وسُبل دعمهم تسهيلاً لانخراطهم في المجتمع، طبعاً إذا سُمح لهم بذلك بعيداً عن العنصريّة التي يُظهرها البعض لهم في كلّ فرصة. تعيش كنانة وابنتها على أطراف المخيّم، حيث تُعاني صغيرتها من مرض مزمن يُحتم تناولها لدواء معيّن بصورة يوميّة، إلّا أنّه مع الأسف هذا الأمر شبه مستحيل في ظلّ الأزمة الراهنة، بخاصة بعد ارتفاع أسعار الأدوية ثلاثة أضعاف تقريباً. 

وصلت أزمة الدواء في لبنان حدّ حرمان المرضى من علاجهم، ممّا يُعرّض كبار السن والأطفال إلى الخطر، لا سيّما في ظلّ انتشار الكوليرا وكوفيد والإنفلونزا، وغيرها من الأوبئة المتفشيّة في مجتمعنا اليوم. 

بالنسبة إلى علياء عطيّة الزعبي لم يختلف الوضع كثيراً عن كنانة وعبدلله، إذ تشعر وكأن معاناة سكّان المخيّم واحدة، والمحظوظ منهم مَن يستطيع شراء حبّة “البنادول” بكرامته. تشرح علياء لموقعنا حاجة أطفالها الملحة للخضوع إلى علاج فيزيائيّ وآخر يعتمد على الأدويّة، إذ ابنها يُعاني من نقص حادّ بالنمو وابنتها تشكو من أوجاع عدّة بسبب تشوّه خلقي في العامود الفقريّ بالفقرتين الخامسة والسادسة، أمّا هي، وبعيداً عن مشاكل أولادها الصحيّة، فتعاني من مرض السكريّ، وبما أنّها لاجئة لا مدخول ثابت لها، راحت تسأل “الأونروا” وغيرها من المنظمات الدولية المساعدة، غير أن الرفض كان الجواب الوحيد الذي وجدته، بحجة أن علاج أطفالها يُعتبر “تجميلياً”.

اللاجئون يُواجهون قدرهم بطرق بديلة

يكشف أحد الصيادلة في شاتيلا، ويُدعى طه محمد العلي، في تصريح لـ”بيروت توداي”، أن “أسعار الأدوية ارتفعت مؤخراً بنسبة 80 في المائة تقريباً، ممّا أدّى إلى انعدام قدرة اللاجئ الشرائية، إلّا عند الضرورة القصوى، وبالدين أيضاً”، مشيراً إلى أن “تكلفة أدوية الإنفلونزا تتراوح بين المليون ونصف المليون والمليونين، دون احتساب سعر المضاد الحيويّ الذي يُعتبر حاجة ملحّة في بعض الحالات وبشكل خاص عند الأطفال”.

إلى ذلك، يؤكّد الصيدليّ أن “الأونروا” وغيرها من المنظمات الدوليّة والمحليّة “لا تُقدّم أيّ مساعدة على صعيد الطبابة للاجئين منذ نحو السنتين تحديداً أيّ مع بداية الأزمة في لبنان، إذْ قبل ذلك كانت توزع ما يصلها بشكل دوريّ، أمّا اليوم لا تُحرّك ساكناً تجاه أيّ حالة حتّى المستعصيّة منها، وجميعنا يعلم مدى صعوبة دخول أيّ مستشفى اليوم، لا سيّما بالنسبة للسوريين والفلسطينيين”.

في سياق متّصل، يقول صاحب أحد متاجر “العطارة” في بيروت لموقعنا، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، إن “الإقبال على شراء الأعشاب والخلطات الخاصّة المعالجة ارتفع بنسبة 95 في المائة تقريباً مع بداية وباء كورونا حتّى يومنا هذا، ولسكّان المخيّمات حصة وازنة لناحية الإقبال، بسبب عدم قدرتهم على شراء الأدويّة، أو لإيمانهم بأن العلاج الطبيعيّ البديل أكثر فعاليّة”، متسائلاً: “أين كانت شركات الأدويّة عندما كنا نعالج بعضنا بالطبيعة التي قدّمها الخالق لنا أساساً لهذه الغاية؟”.

الأونروا ترفع العشرة: لا إمكانيات لدينا!

في ظل ّهذا الواقع المرير، يجد اللاجئ نفسه عرضةً للخطر دون وجود جهود جدّية من قبل أيّ جهة لتوفير احتياجاته الفعلية من الدواء والحفاظ على صحته وحياته، في حين بات من الضروريّ تكاتف الجهات الرسمية والهيئات المعنية بشؤون اللاجئين لوضع خطط سريعة للتعامل مع أزمة الدواء أو أقلّه توفير حلول بديلة لأولئك “المهمشين” في المخيّمات.

وكانت قد أعلنت “الأونروا” في وقت سابق، أنّها “غير قادرة على تغطية كامل تكلفة الأمراض المستعصية باهظة الثمن”، أيّ بمعنى آخر، دقّت ناقوس الخطر ورفعت مسؤوليتها في هذا الصدد بسبب عدم توفر الدعم الماديّ الكافيّ.

الحقّ في الصحة: ضرورة أو ترف بالمخيمات؟

لا يختلف اثنان على أن الحقّ في الصحة هو حقّ أساسي، والمريض مهما كانت جنسيته يجب أن يتمتع به، غير أن الأزمة الاقتصاديّة الراهنة وصلت سيولها إلى المخيّمات الغارقة أساساً بمشاكلها العديدة، وجعلت عموم المواطنين اللبنانيين واللاجئين يعجزون عن سداد فرق فاتورة الاستشفاء، نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار المعاينات عند الأطباء، وارتفاع أسعار الفحوصات والصور، ناهيك عن تكاليف العلاج غير المنطقيّة.

فعلياً، تُعنى “الأونروا” فقط بأمور اللاجئين الفلسطينيين فقط، فيما تهتمّ منظمّات أخرى بالسوريين وغيرهم. وفي إطار متّصل، أكّد مصدر في “اليونيسف” لموقعنا أن “المنظمة لا تُعنى بتقديم أو بتوزيع الأدويّة على اللاجئين، إذ أنّها تعمل مباشرة مع وزارة الصحة لجهة تأمين اللقاحات أحياناً وحسب”.

انطلاقاً من هنا، حاولنا التواصل مع وزارة الصحة اللبنانيّة، باعتبارها الجهة المخوّلة بالتوضيح، ولكن كالعادة كانت “خارجة عن السمع”.

على أرض الواقع، تعجز المنظمات التي تهتم باللاجئين عن تأمين الأدوية لهم، لسبب أو لآخر، فهي مشكورة تعمل جاهدة لتحسين أوضاعهم، ولكن أليست الصحة من الضروريات الحياتيّة التي يجب أخذها بعين الاعتبار؟ 

مع بداية وباء كورونا، سمعنا كثيراً “نكات” وشائعات مضلّلة حول تناول مشروبات أو مأكولات معيّنة لتقوية جهاز المناعة، التي تسبّبت في بعض الأحيان بتدهور الحالة الصحيّة للمريض. واليوم، يُعاد السيناريو ذاته ولكن على نطاق أوسع… فهل نشهد انفجاراً صحيّاً ثانياً جرّاء الطبّ البديل؟