احتلت سلة الضرائب الواردة في موازنة الـ2022 حيّزًا واسعًا من النقاشات، وجُبهت باعتراضات شرسة من قطاعات عدة، لما تلحقه من اقتطاعات مالية واسعة من مداخيل الموظفين. فضريبة الدخل وإن كانت محقة وواجبة على كل موظف غير أنها جاءت مجحفة لأسباب عدة، الأمر الذي دفع بالمتضررين إلى الاعتراض عليها والتقدّم بطعن ومراجعات قانونية بحقها.
ماهية الضريبة وكيفية احتسابها
أحدثت وزارة المال تعديلات على سلة الضرائب الواردة في موازنة العام 2022، لاسيما منها ضريبة الدخل. عدّلت الشطور وضاعفت قيمة التنزيلات العائلية وميّزت بالطبع بين أسعار الصرف المعتمدة في صرف الرواتب إن كان دولار أو “لولار” أو الليرة.
وكانت النتيجة أن فرضت موازنة 2022 وما تبعها من قرارات تنظيمية صادرة عن وزير المالية يوسف خليل، على الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار الأميركي، ضريبة دخل بالعملة نفسها بعد تحويلها إلى الليرة على أساس سعر دولار منصة صيرفة (البالغ حاليًا 30300 ليرة ومعرّض للتغيّر)، وعلى من يتقاضون رواتبهم بموجب شيكات على أساس سعر “اللولار”، وأصحاب الرواتب بالليرة يسدّدون الضريبة بالليرة. على أن يتم السداد لجميع الموظفين بعد تنزيل أجزاء الراتب المسموح بتنزيلها وطرح التنزيل العائلي المتوجب للمستخدم، وقد حدّدت وزارة المالية شطور ضريبة الدخل بشكل تصاعدي إضافة إلى رفع مستوى التنزيل العائلي.
وارتفعت قيمة التنزيل العائلي بحسب موازنة 2022، من 7.5 ملايين ليرة للفرد إلى 37 مليونًا و500 ألف ليرة، وارتفعت قيمة التنزيل على الولد الواحد من 500 ألف ليرة إلى 2.5 (مليونين ونصف المليون) ليرة، أي أنها ارتفعت 5 أضعاف، كما ارتفع التنزيل على الزوجة إلى 12.5 مليون ليرة.
في المقابل ارتفعت قيمة الشطور الضريبية على الشكل التالي:
ضريبة بنسبة 2 في المائة على الرواتب التي تقل عن 18 مليون ليرة.
ضريبة بنسبة 4 في المائة على الرواتب بين 18 و45 مليون ليرة.
ضريبة بنسبة 7 في المائة على الرواتب بين 45 و90 مليون ليرة.
ضريبة بنسبة 11 في المائة على الرواتب بين 90 و180 مليون ليرة.
ضريبة بنسبة 15 في المائة على الرواتب بين 180 و360 مليون ليرة
ضريبة بنسبة 20 في المائة على الرواتب بين 360 و675 مليون ليرة
ضريبة بنسبة 25 في المائة على الرواتب التي تتخطى 675 مليون ليرة.
وقبل الدخول بالأسباب التي دفعت بموظفي القطاع الخاص إلى الاعتراض على ضريبة الدخل والمطالبة بتعديلها، لا بد من الإشارة هنا إلى أن سعر الصرف المعتمد في احتساب الضريبة على الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار هو سعر منصة صيرفة الذي يفوق ما كان عليه سعر الدولار الرسمي بنحو 20 ضعفًا، أما التنزيل العائلي فتمت مضاعفته بنحو 5 مرات فقط، بالإضافة إلى تعديل الشطور بما يطال الموظفين بنسب ضريبية عالية.
علة الشطور
تراعي ضريبة الدخل الواردة في قانون موازنة 2022 تراتبية المداخيل وفق شطور عدة، كذلك وفق ربط عملية السداد بالعملة التي يتقاضى بها الموظف مدخوله، إلا أن حجم شطورها يتجاوز مفهوم الضريبة على الدخل، وينسف العدالة الضريبية التي من الواجب مراعاتها، إذ يبلغ حد الاقتطاع من قدرة الموظفين المعيشية نحو 25 في المائة.
بمعنى آخر تقع ضريبة الدخل على موظف يتقاضى 2000 دولار أميركي على سبيل المثال حاليًا بنسبة 20 في المائة أي بالشطر السادس في حين كان يقع عليه في وقت سابق نسبة 4 في المائة كضريبة دخل أي عند الشطر الثاني. من هنا يعترض موظفو القطاع الخاص على تعديل الشطور الضريبية، في حين أنهم يتمسكون بسداد ضريبة الدخل وإن كانت العملة التي يتقاضون فيها رواتبهم أي بالدولار، لكن وفق نسب وشطور منصفة تراعي العدالة الضريبية من جهة وغياب الحماية الإجتماعية من جهة أخرى.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الضريبة على دخل الموظفين تصل إلى النسبة عينها المفروضة على أرباح التجار وأصحاب المؤسسات والرساميل أي 25 في المائة، علمًا أن التاجر حين يسدد الضريبة يحسم من مجمل مداخيله الأكلاف والنفقات التشغيلية وحتى صيانة المعدات ويتكلّف بالضريبة على ربحه الصافي فقط، أما في حالة الموظفين فالضريبة تقع على مجمل دخلهم.
من هنا يسأل الخبير القانوني كريم ضاهر “كيف يمكن أن يسدد الموظف 25 في المائة من مدخوله في بلد لا يقدم أي حمايات؟”، ويقول في حديثه: “الضريبة هي أداة السلطة لرسم سياسيات اقتصادية اجتماعية تنموية، فما الذي تحققه الضريبة في لبنان في إطار العدالة الاجتماعية والخدمات؟”.
غياب الحماية الاجتماعية عن الموظفين هو ما دفع أيضًا بالخبير الضريبي سركيس صقر إلى وصف ضريبة الدخل الجديدة بـ”المجحفة”، ويستغرب صقر وصول نسبة الضريبة إلى 25 في المائة في وقت يفتقد فيه موظف القطاع الخاص لأي تقديمات طبية أو اجتماعية أو تعليمية. كما يفتقد للأمان التقاعدي إذ يستمر صندوق الضمان الاجتماعي باحتساب تعويضات نهاية الخدمة لموظفي القطاع الخاص وفق سعر الصرف الرسمي، 1500 ليرة للدولار.
غياب الحماية الاجتماعية
وعلى الرغم من تأييد ضاهر للتعديل الضريبي “إذ لم يعد ممكنًا العمل وفق سعر صرف الـ1500 ليرة للدولار”، إلا أنه يرى أن ما حصل يجب أن يترافق مع خطة اقتصادية اجتماعية، لافتًا إلى أن الضريبة بشكلها الحالي ستؤدي إلى نتيجة خطرة تقوم على ترك الموظفين مؤسساتهم والبحث عن الهجرة أاو ربما تعاقدات مهنية جديدة غير مصرح عنها، فيما لو استمرت الطريقة غير المدروسة التي تعتمدها السلطة بدلًا من التفكير باستراتيجية ضريبية .
وقد التقى موقع “بيروت توداي” مع أكثر من موظف في مؤسسات إعلامية أجنبية عاملة في لبنان، يخطّطون للتقدم بطلب نقلهم إلى مكاتب مؤسساتهم خارج البلد، تجنبًا لتكبد مبالغ مالية كبيرة لسداد ضريبة الدخل، لاسيما أنهم سيتكبدون ربع مداخيلهم، ويقولون إن عائلاتهم أحق بتلك المبالغ من دولة لا تجبي الضرائب لتنفيذ الإصلاحات إنما لتمويل الفساد.
يذكر أن الإيرادات الضريبية تراجعت كثيرًا في العامين الماضيين من 13.1 في المائة عام 2020 إلى 6.6 في المائة عام 2021 من قيمة الناتج المحلي، وهو ما يشير إلى تراجع إضافي في العام الحالي 2022، لاسيما في حال استمرار العمل بضريبة الدخل بشكلها الحالي.
دولار متحرك ومفعول رجعي
ومن المخالفات التي وردت في قرار ضريبة الدخل أنها أتت بمفعول رجعي يعود إلى بداية العام الحالي (1/1/2022)، وهو أمر مخالف للقانون، كما أن المفعول الرجعي قد يطيح بالراتبين الأخيرين من العام الحالي للموظفين في حال تم استيفاء الضريبة عن كامل العام، وفق الشطور الجديدة وبدولار صيرفة. وهذا أمر يسجل اعتراضًا من قبل ضاهر وغيره الكثيرين من القانونيين، بينهم المحامية دينا أبو زور التي كشفت لـ”بيروت توداي” أنها تعمل على تحضير مراجعة أمام مجلس شورى الدولة للاعتراض على ضريبة الدخل باسم عشرات الموظفين المتضررين من صيغتها الحالية.
ولا بد من الإشارة إلى طعن تم التقدّم به أمام المجلس الدستوري من قبل النائبة بولا يعقوبيان وموقع من 12 نائبًا، ويقوم هذا الطعن على مخالفة عدد من المواد الواردة في الموازنة من بينها المواد 32 و83 و84 وغيرها. وتتركز المواد المذكورة على إقرار قانون الموازنة خارج المهل الدستورية، وإقرارها من دون قطع حساب، وغياب العدالة الضريبية والاجتماعية في مقاربة العديد من المواد.