Credit: FIFA

كأس العالم وقطر… علاقة جدلية تثيرها السياسة الغربية 

بعد 92 عامًا على انطلاقة أول نسخة من منافسات كأس العالم، تنظم قطر اليوم هذا العرس الكروي بنسخته الـ22، وهي أول بلد عربي يستقبل حدثًا ينتظره عشّاق الكرة المستديرة كل أربع سنوات مرة واحدة، ويتفرّغون لمتابعته بعيدًا عن شتّى الأزمات والصعوبات التي تطيح بالعالم، حيث تبقى الكرة المتنفّس الأول لطيّ هذه التقلبات والكوارث في مختلف بقاع الأرض. 

استضافت قطر عبر التاريخ العديد من البطولات وأنشطة كرة القدم، كان منها تنظيم كأس العالم للشباب عام 1995، بالإضافة إلى دورة الألعاب الأولمبية الآسيوية (آسياد) عام 2006، وكأس العرب العام الماضي. وتمتلك أيضًا مرافق تدريب عالمية أبرزها “أكاديمية أسباير”، فضلًا عن مرافق طبّية رياضية مثل “مستشفى سبيتار”، التي صنفها الاتحاد الدولي لكرة القدم كمركز للتميّز الطبّي على مستوى العالم. 

ونالت قطر شرف استضافة كأس العالم من الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) في 2 كانون الثاني (يناير) من العام  2010، إلّا أنها لم تسلم من سلسلة الانتقادات التي طالتها حول قضايا متعددة، مثل عدم مراعاتها حقوق الإنسان، خصوصًا العمّال، أو معارضتها للمثلية الجنسية، فضلًا عن منع المشروبات الكحولية في الملاعب ومحيطها، وحتى ادعاءات تقديمها الرشاوى للفيفا بشأن الفوز بتنظيم كأس العالم. 

ميزات إضافية خلال مونديال 2022: 

رافقت هذه النسخة قوانين وتعديلات جديدة أبرزها تعيين حكّام نساء في بعض المباريات، وهي المرة الأولى في تاريخ كأس العالم للرجال، بالإضافة إلى تغيّر سياسة احتساب الوقت بدل الضائع عمّا كانت سابقّا، حيث أصبح يحتسب الوقت الفعلي وليس التقديري بدقة عالية. كما حاول الفيفا الاستفادة من الذكاء الإلكتروني بقدر المستطاع، من خلال استخدام التكنولوجيا المتطوّرة التي تساعد الحكّام على كشف المخالفات وتوفير العدالة التحكيمية لجميع المشاركين، خصوصا تقنية احتساب التسلل شبه الآلي، وتزويد الكرة بـ”Sensor” يساعد على جمع البيانات الخاصة بتحركات اللاعبين خلال لمسهم الكرة. 

لكن مونديال 2022 ضمّ “السياسة” أيضًا إلى قائمة مكوّناته، بعدما تضاربت الآراء من مؤيّد داعم إلى معارض يرفض إقامة كأس العالم في بلد “مسلم”، يرأسه “أمير” ينفق مليارات الدولارات على الرياضة. ولكن من الطبيعي أن تدخّل السياسة في كرة القدم أمر لا يخدم الكرة، بل يحث على الكراهية، بعيدًا عن أهداف الرّياضة وأجواء المنافسة الإيجابية، عندها تتغلب روح السياسة على الروح الرياضية، وتنغرس الألاعيب السياسية في جذور اللّعبة! 


أحداث وتصريحات بيّنت دمج العناوين السّياسية مع كرة القدم:

خلال المباراة الافتتاحية بين منتخب إيران ونظيره إنكلترا، لم يردّد اللاعبون الإيرانيون نشيد بلدهم تضامنًا مع الانتفاضة الشعبية التي تشهدها الجمهورية الإسلامية، وهنا استخدم الإيرانيون باحة كرة القدم كمنصة للإعلان عن مواقفهم السياسية. ومؤخّرًا، نشر موقع إيران إنترناشونال الإلكتروني معلومات عن استخدام النظام الإيراني كأس العالم كوسيلة لمواجهة الانتفاضة، ومحاولة تسييس اللعبة، بدعم من الحكومة القطرية، إلّا أن الخبر لم يستند إلى وقائع ملموسة بل تسريبات سرية، ولكن إذا كان هذا صحيحًا، فستكون كرة القدم ضحية السياسات الدولية. 

كما ذكرت شبكة سي إن إن الأميركية أن لاعبي إيران تلقوا تهديدات من السلطات باعتقال وتعذيب عائلاتهم إذا لم يحسنوا تصرفاتهم على أرض الملعب أمام منتخب أميركا، ولهذه المباراة التي انتهت بفوز الأخيرة نكهة خاصة، حيث ارتسم الطابع السياسي على الجو العام لها، خصوصًا أنها أتت في فترة صراع سياسي بين البلدين، فإيران طالبت بإبعاد أميركا عن البطولة بعد التصرف الأخير لها بنشر العلم الإيراني معدّلًا دون رموزه الدينية.

كذلك، قبل بداية مباراة منتخب ألمانيا ونظيره الياباني، لجأ لاعبو المنتخب الألماني إلى كم أفواههم بعدما قرّرت الفيفا منع ارتداء الشارات التي تدعم المثليّة الجنسية، بدلًا عن ارتداء شارة الكابتن الرسمية، مع العلم أن منتخبات إنكلترا، ويلز، بلجيكا، الدانمارك، هولندا، وسويسرا قد أعلنوا عن دعمهم مثليّي الجنس عبر تأكيدهم أنهم سيرتدون شارة الكابتن التي عليها علم قوس قزح، لكنهم تراجعوا عن القيام بهذه الخطوة بعد قرار الفيفا بفرض عقوبات على المنتخبات التي سترتدي هذه الشارة، ومع ذلك، يواجه المنتخب الألماني عقوبات بسبب كم أفواههم. 

صد ورد

أيضًا، تصريحات متنوعة أثارت الجدل، كان منها حديث رئيس الفيفا السابق جوزيف بلاتر الذي عبر فيه عن ندمه على اختيار قطر لاستضافة كأس العالم، بسبب الأمور المتعلقة بحقوق الإنسان والمناخ والعناوين المثيرة للجدل، مضيفًا أن “كرة القدم وكأس العالم أكبر من أن تستضيفها دولة صغيرة مثل قطر، لقد كان اختيارًا خاطئًا وكنت مسؤولًا عنه كرئيس للفيفا”، أما السياسي البريطاني كير رودني ستارمر فقد صرّح قائلًا: “العار على فيفا”، كما اعتبر اللاعب البريطاني السابق والمعلق الرياضي غاري لينيكر أن المونديال الحالي أكثر مونديال مثير للجدل على مر التاريخ. 

في مقابل ذلك، ظهرت مواقف عديدة دعمت كأس العالم في قطر، كان منها تصريحات رئيس الفيفا الحالي جياني إنفانتينو الذي عبّر عن ثقته في هذه البطولة من ناحية أنها ستكون الأفضل في تاريخ المونديال، واعتبر أن الانتقادات التي شنّت على قطر وفيفا غير منصفة ولا تستند إلى الوقائع. كما وصف الصحفي البريطاني بيرس مورغان الحملات الغربية التي تنتقد مونديال قطر 2022 بـ”النفاق الغربي”، وتسائل ما إذا كان الغربيون نظيفون أخلاقيًا بما يكفي لاستضافة كأس العالم. 

يقول الصحافي الرياضي أحمد محي الدين في حديثه لـ”بيروت توداي” حول ذلك إن لكل بلد ثقافاته ومبادئه، فقطر دولة إسلامية عربية تتحفظ على بعض الأمور التي تمسّ بجوهر الإسلام، وبالتالي لها قوانينها الخاصة. أما بالنسبة للإعلام الغربي، ومنذ استلام قطر للمونديال والغرب لم يتوقف عن مهاجمتهم لها، وأضاف أن الإعلام الغربي وسيلة لإبقاء الحالة الاستعمارية بوجه الدول الأخرى منها العربية، وليس بشيء غريب على إعلام يدعم النظام الغربي، فالأمر ترجم في قطر، وخصوصًا أن قطر تعاني في قضايا متعلقة بالعمال وحقوق المرأة، وهذا ما استخدمه الغرب كسلاح خلال المونديال. 

بعد كل هذه الانتقادات، يبرز سؤال يطرح نفسه، وهو: “هل الهدف الأساسي للإعلام الغربي تجسيد صورة سلبية عن العرب عند المجتمع الغربي لغايات سياسية بحتة، متجاهلين الإنجازات العربية التي بلغت أعلى القمم؟!”. 

واقع المنتخبات العربية خلال المونديال: 

من الناحية الكروية، يبدو أن بعض المنتخبات العربية كرّست صورة جيّدة “للعرب” في أول جولة، ففوز المنتخب السعودي على نظيره الأرجنتيني عزّز الصورة المعنوية لأول منتخب عربي يتحدّى التانغو، والذي يضم أفضل وأبرز لاعبي العالم، من بينهم الفاز بجائزة الكرة الذهبية 7 مرات ليونيل ميسي، فقد تزامن هذا الفوز مع رهانات كبيرة على خسارة السعودية، حيث ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات ساخرة تتوقع هزيمة السعودية أمام الأرجنتين.

وحتّى بعد الفوز، تداولت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي –خاصة الغربية– أنباء عن امتلاك لاعبي المنتخب السعودي سيارات من نوع رولز رويس، إلا أنه على الفور نفى اللاعب صالح الشهري هذا الخبر في حديث له مع صحيفة عكاظ السعودية، إضافة إلى الحديث عن صفقات مالية دفعتها السعودية لاستضافة كأس عالم 2030، وهو ما يضع الخليج في خانة المال أولًا وأخيرًا بالنسبة للرأي العام الغربي! 

كما يتفاوت أداء المنتخبات العربية خلال هذا المونديال، وبحسب الصحافي أحمد محي الدين فإنّ المباراة الأولى للمنتخب السعودي كانت لافتة جدًا، لكنّه سقط في المواجهة الثانية بالرغم من تقديمه أداء جيد، ويعتبر أن الثقة المفرطة التي أظهرها الجمهور العربي عمومًا، والسعودي خصوصًا، قد أثّرت على أداء اللاعبين. وفي النهاية، لم تكمل السعودية مسيرتها بل خرجت من الدور الأول بهزيمة أخيرة من منتخب المكسيك، بعدما جاءت في المركز الأخير في مجموعتها التي تصدرتها كل من الأرجنتين وبولندا. 

أمّا منتخب قطر فقد قام بواجبه من ناحية التدريبات والجهوزية، لكن القرعة لم ترحمه، فهناك فروقات كبيرة بينه وبين خصومه داخل المجموعة، منتخبات الإكوادور والسنغال وهولندا. وكذلك أخطأ المنتخب بإرسال اللاعبين إلى معسكرات أوروبية مما أثّر عليهم سلبيا، ليصبح أول منتخب منظم لكأس العالم يغادر البطولة من دوري المجموعات، بعد أن جاء في المركز الأخير للمجموعة الأولى دون أن يحصل على أي نقطة. 

 المنتخب التونسي  قدّم أداءًا جيدًا في مباراته الأولى مع الدنمارك التي انتهت بالتعادل السلبي، بينما كانت خسارته مع المنتخب الأسترالي في المباراة الثانية نتيجة عدم تقديمه أي أداء مقنع، خصوصًا خلال الشوط الأول من المباراة. وبالرغم من حسن أداءه في المبارة الأخيرة بتفوقه على فرنسا، لكنّه لم يحقّق النقاط المطلوبة للتاهل إلى الدور الثاني، بل نال المركز الثالث في مجموعته بعدما سلك المنتخبان الفرنسي والأسترالي طريقهما نحو الدور السادس عشر. 

وبالنسبة للمنتخب المغربي، استطاع لاعبوه تجاوز الدور الأول بعد خروج المنتخبات العربية الثلاث، من خلال انتصارهم على منتخب بلجيكا وتعادله قبلها مع كرواتيا، وفوزهم في المباراة الأخيرة على منتخب كندا بنتيجة هدفين مقابل واحد، وتصدّرهم المجموعة بسبع نقاط. واحتفلت الجماهير العربية وخصوصا المغربية  بهذا التأهل الذي رسم بصمة قوية للعرب في لعبة كرة القدم. ويرى نصرالدين أن قرار الاتحاد المغربي كان صائبًا باستبدال المدرب، حيث أعطى المدرب الجديد وليد الركراكي نكهة جديدة للمنتخب بعدما أعاد بعض اللاعبين المستبعدين مثل حكيم زيّاش ونصير مزراوي وعبد الرّزّاق حمدالله، الأمر الذي عزّز نسبة تأهله إلى الدور الثاني، وستواجه المغرب في دور الـ16 المنتخب الإسباني. 

والملفت في موضوع المنتخبات التشجيع الجماهيري العربي الذي ضمّ الآلاف من الحشود، إضافة إلى تفاعل المعلقين والصحافيين على مجريات الأمور، وإظهار التعاطف الكبير على شاشات التلفزة، خصوصًا في مباراة السعودية الأولى، ومباراة المغرب الأخيرة، هذا التشجيع كان عاملًا في تزويد الثقة للاعبين والمنتخبات، وفي الوقت ذاته حمّلهم عبئًا ثقيلًا بعيدًا عن الإمكانيات والمنافسة الشرسة بين المنتخبات المشاركة!

عطفًا على ما سبق، تبقى كرة القدم لعبة الروح الرياضية الأكثر شهرة حول العالم، خصوصًا المونديال الذي لطالما يتنقل بين البلدان والشعوب، فهو يساهم في تقارب العلاقات والثقافات باختلافها. ولتبقى اللعبة بعيدة عن رموز السياسة وكبار رأس المال، وألا يتم تحويلها إلى منبر للصراع بين الشعوب والثقافات.