الدستور يسد فراغ السلطة.. والأمن على المحك

دخل لبنان شغورًا رئاسيًا منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وترك البلد من دون رئيس للجمهورية، فاجتمع فراغان أو شغوران، غياب رئيس للجمهورية وحكومة فعلية، وبالتأكيد يعود هذا السبب إلى مناكفات ومناورات سياسية يسعى كل فريق أو حزب أو تيار إلى الاستفادة منها من أجل تحقيق مصالحه.

ويأتي الفراغ الرئاسي في ظل انهيار اقتصادي متسارع ومع وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية لضمان الحصول على مساعدات دولية وإن كانت محدودة، يحتاجها لبنان بقوة، وبعد أكثر من ثلاث سنوات على احتاجاجات غير مسبوقة طالبت برحيل الطبقة السياسية كاملة. 

وتحول الانقسامات السياسية دون تشكيل حكومة منذ الانتخابات البرلمانية في مايو (أيار) الماضي، بينما يضغط المجتمع الدولي لانتخاب رئيس لتجنّب تعميق الأزمة، والوقوع في فراغين رئاسي وحكومي مما يؤدي إلى إشكال دستوري، أو “فوضى دستورية” كما أسماها عون قبل نهاية ولايته بأيام قليلة.

الدستور واضح

الباحث القانوني المحامي ميشال فلاّح أوضح لـ”بيروت توداي” أن: “الدستور اللبناني واضح ولا اجتهاد في معرض نصّه، إذ إنه لم يميّز بين حكومة تصريف أعمال وحكومة كاملة الصلاحيات، ذلك لأن لدى المشرّع قناعة بأن الشغور الرئاسي استثنائي ولا يجوز أن يبقى لفترة طويلة، وعلى المجلس النيابي الانكباب على انتخاب رئيس”.

وشرح أن: “حالة الفراغ التي يمكن أن تحصل ما بين شغور المركز وإشغاله بالانتخاب، لم تَغِب عن بال المشرّع الدستوري. وكان ذلك عملًا بالمبدأ العام بأن لا فراغ في السلطة وفي المؤسسات الدستورية، فجاءت المادة 62 من الدستور التي تنص أنه في حال خلو سدّة الرئاسة لأي علّة كانت، تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”.

ورأى أنه: “تطبيقًا للحالة الاستثنائية وإنفاذًا لسائر مواد الدستور، ليس بمقدور مجلس الوزراء، خلال فترة الشغور الرئاسي، ممارسة كلّ صلاحيات رئيس الجمهورية. ذلك أن بعضها يُستمد من ذاتيّته كطلب إعادة النظر في قرارات اتخذها مجلس الوزراء وفق المادة 56، على اعتبار أن هناك استحالة في أن يردّ مجلس الوزراء قرارًا اتّخذه بنفسه”.

مرسوم استقالة

وقبل ساعات من مغادرة قصر الرئاسة، وقّع عون على مرسوم قبول “استقالة” الحكومة، وأكد على حالة تصريف الأعمال، وأرسل رسالة إلى مجلس النواب حثه فيها على متابعة الرئيس نجيب ميقاتي.

وهنا ميّز فلاح (سندًا للقانون) بين الفعل الإعلاني والفعل الإنشائي، وقال: “الحكومة اعتُبرت مستقيلة منذ تقديم رئيسها استقالته، وبالتالي إنّ صدور مرسوم قبول الاستقالة هو مرسوم إعلاني لن ينشئ أي حالة جديدة. وما واقعة الاستشارات النيابية الملزمة سوى تأكيد على أن مرسوم قبول استقالة الحكومة هو فقط إعلاني وأن التأخر في صدوره أو عدم صدوره لا مفاعيل قانونية أو دستورية له”. 

وشدد على أن “ما قام به الرئيس إنما يندرج تحت خانة الخيانة العظمى، إذ لا يحق له وقف عملية تسيير المرافق العامة ما يشكّل خطرًا على وضع الدولة الأمني والإداري والداخلي كما على صورتها في الخارج. في حين يصرّ آخرون على ضرورة التزام الحكومة بتصريف الأعمال بالمعنى الضيّق للكلمة، إن لم يكن الأضيق من الضيّق، بعيدًا من صلاحيات الرئاسة الأولى.

شغور أو فراغ

“حالة الفراغ التي يمكن أن تحصل ما بين شغور المركز وإشغاله بالانتخاب، لم تَغِب عن بال المشرّع الدستوري “، قال فلاح الذي أوضح إن: “ذلك عملًا بالمبدأ العام بأن لا فراغ في السلطة وفي المؤسسات الدستورية، فجاءت المادة 62 من الدستور واضحة وجليّة في تصريحها: [في حال خلو سدّة الرئاسة لأي علّة كانت، تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء]”.

وعالج الدستور سندًا للمادة 74 منه وضعية الرئاسة في حال الشغور، ونص صراحة على أنه “عندما تنتهي ولاية رئيس الجمهورية دون انتخابه، فأُلزم الدستور مجلس النواب بالانعقاد فورًا، والشروع دون تأخير بملء الفراغ على رأس الدولة”.

البرلمان يفشل مجددًا

وفشل مجلس النواب الخميس للمرة الخامسة على التوالي في انتخاب رئيس جديد للبلاد في ظل انقسامات عميقة بعد أيام من دخول البلاد في فراغ رئاسي إثر انقضاء ولاية عون.

واقترع 47 نائبًا بورقة بيضاء، فيما حظي النائب ميشال معوّض المدعوم من القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع وكتل أخرى بينها كتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بـ34 صوتًا، وصوت ستة نواب للمؤرخ والأستاذ الجامعي عصام خليفة.

وفشلت جلسة الخميس رغم توفر نصاب انعقادها بأكثرية الثلثين في الدورة الأولى، قبل أن ينسحب نواب ليطيحوا بالنصاب في الدورة الثانية.

مخاطر أمنية

وفي ظل الارتباك الحكوميّ الحاصل والشغور الرئاسي والتخبّط السياسي، تزداد المخاطر الأمنية والتفلّت في المناطق اللبنانية كافة ليصبح صعبًا على القوى الأمنية ردعه أو وقفه في الوقت المناسب.

وتمكّنت شعبة “المعلومات” في قوى الأمن الداخلي  من تنفيذ عمليات نوعية استباقية دقيقة خلال صيف عام 2022 (اعتبارًا من شهر يوليو [تموز] لغاية شهر أكتوبر [تشرين الأول])، أسفرت عن رصد وتحديد وتوقيف 30 شخصًا غالبيتهم من اللبنانيين ينتمون إلى ثماني خلايا إرهابية في مختلف المناطق اللبنانية كانوا يخططون لعمليات تستهدف مراكز عسكرية وأمنية وتجمعات دينية ومدنية.

مصدر أمني أكد لـ”بيروت توداي” على أن الأجهزة الأمنية المختصة في حالة تأهب تام في المناطق اللبنانية كافة وتعمل على مراقبة وملاحقة خلايا ومجموعات إرهابية.

وكانت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية قد نشرت في أغسطس (آب) الماضي تقريرًا تحت عنوان: “ذهول لبنان من عودة المتشددين من سوريا” كشفت خلاله عن أن “نحو 1000 لبناني التحقوا بصفوف التنظيمات المتشددة في سوريا، وأن عودتهم إلى بلدهم تشكّل مصدر قلق كبير للسلطات، وأن ما يقارب من الـ300 مقاتل سابق يريدون العودة…”.

وأعلن قائد الجيش العماد جوزيف عون، خلال اجتماع عقده مع أركان القيادة وقادة الوحدات الكبرى والأفواج المستقلة منذ أيام، أن “الوضع الأمني ممسوك، وحماية لبنان مسؤوليتنا. لم نقبل سابقًا أي مساس بالأمن والاستقرار ولن نقبل به اليوم”.