بعد 6 سنوات “عجاف” من “العهد القوي على الحريات” أسدل لبنان الستار على عهد الإنهيار والفراغ واقترب من تصنيفه من الدول المستبدة والبوليسية، حسبما وصفه تقرير صدر عن مركز “سكايز” للدفاع عن الحريات الإعلامية والصحفية في مؤسسة “سمير قصير” للحريات.
ومنذ تاريخ تولي الجنرال ميشال عون الرئاسة في 31 تشرين الأول 2016، شهد لبنان بحسب التقرير “تراجعا خطيرا لحرية التعبير، واقترب من تصنيف الدول المستبدّة والبوليسية، خصوصاً بعد أن تصاعدت الممارسات القمعية”، حيث تم توثيق أكثر من 801 انتهاك ضد الحريات الإعلامية والثقافية”.
أبرز الإنتهاكات
ويُسلّط التقرير الذي اعدته الزميلة وداد جربوع الضوء على أبرز الانتهاكات التي حصلت بحقّ الصحافيين والناشطين وحتى المواطنين الذين تمّ استدعاؤهم واحتجازهم واستجوابهم، على خلفية تغريدات أو منشورات أو أخبار نُشرت على كل من مواقع التواصل الإجتماعي “فايسبوك”، “تويتر” و”إنستغرام”، والمواقع الإخبارية، والمؤسسات الإعلامية، بتهم الإساءة إلى رئيس الجمهورية أو مقام الرئاسة أو تحقير الرئيس. لا يغطي التقرير الانتهاكات التي ارتكبها مناصرو الرئيس عون، من اقتحام لمقار إعلامية، وحملات تنمّر وتضليل إعلامي، أو اعتداء جسدي على مراسلين ومصورين، وهي ممارسات يعتمدها معظم أحزاب المنظومة الحاكمة في لبنان.
واتّسم عهد عون بأسوأ أزمة اقتصادية مرّت على لبنان حيث انهار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار من 1500 ليرة الى 42 ألف ليرة، مصحوبة بتحليق أسعار المواد الغذائية وفقدان الكثير منها، بالإضافة الى انقطاع في اللدواء.
تراجع واقع الحرّيات
ويستهل التقرير ملاحظاته بخلفية تتمحور حول تراجع واقع الحرّيات في لبنان وتحديداً حرية التعبير خلال السنوات الستّ الماضية والإضاءة على أبرز تلك الانتهاكات، ثم يتطرّق إلى الإطار القانوني الذي يضع تلك القيود على حرية التعبير ويسمح بمثل هذا التضييق، وأخيراً يتمّ عرض الحالات التي وثّقها مركز “سكايز” في مؤسسة سمير قصير خلال تلك الفترة مع أبرز الملاحظات، إضافة إلى عرضهـا علـى أسـاس نوعـيّ وكمـّي.
وأفاد التقرير ان هـذا المسـار القمعي الممنهج الذي رسّخته السلطة السياسية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والنيابات العامة، كان هدفه إسكات الانتقادات الموجّهة للسياسيين. فتصاعدت وتيرة الاستدعاءات بحق الصحافيين والناشطين والمواطنين من قِبل النيابة العامة التمييزية والأجهزة الأمنية المختلفة، من مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية، وأمن الدولة، والمباحث الجنائية وحتى الأمن العام اللبناني وشعبة المعلومات. وكانت معظم الاستدعاءات على خلفية شكاوى “قدح وذمّ وتحقير” بحقّ سياسيين والأجهزة الأمنية.
منهجية النظام
وأوضح المسؤول الاعلامي في “سكايز” جاد شحرور لـ”بيروت توداي” أن “التقرير جاء ضمن سياق الظروف السياسية التي مرت في البلد، وهو يوضّح المنهجية التي اعتمدها النظام القمعي في عهد الرئيس السابق ميشال عون”، مذكراً بأن “هذا النظام استخدم أغلب الأجهزة الأمنية لارتكاب انتهاكات بشكل مباشر أو غير مباشر لاسيما استدعاءات عبر نيابات عامة أو عبر تحقيقات غير قانونية أحياناً أو الاعتقال لمدة طويلة تخالف قانون العقوبات”.
“في عهد عون اغتيل الكاتب اللبناني لقمان سليم وعادت ظاهرة الإفلات من العقاب…”، هذا ما ذكّر به شحرور، الذي قال: ” لبنان مرّت عليه عمليات اغتيال عدة، لاسيما المتعلقة بالصحافيين منذ السبعينيات القرن الماضي حتى اليوم، في ظل غياب أي تحقيق جدي أو مسار قضائي يكشف الفاعلين”.
ثوة 17 تشرين
وتحدث شحرور عن تعرّض الصحافيين لضرب مبرح خلال عهد الرئيس السابق عون، خصوصاً بعد اندلاع الثورة في 17 تشرين الأول 2019، شارحاً أن آلية القمع تطورّت منذ تولي عون الرئاسة لتسجل أعلاها أكثر من 230 انتهاكاً في 2019.
ووثّق مركز “سكايز” 7 انتهاكات في الشهرين الأخيرين من العام 2016، لترتفع بعدها وتيرة الانتهاكات بشكل سريع إلى 80 انتهاكا في العام 2017، و97 انتهاكا في 2018، ثم تصاعد عدد الانتهاكات إلى 234 انتهاكا فـي 2019 وهي السنة التي اعتبرت الأكثر قمعا لحرية التعبير في عهد عون، أي أثناء الاحتجاجات الشعبية التي بدأت فـي 17 أكتوبر، لتعود وتنخفض إلى 193 انتهاكا في 2020، ثم 117 في العام 2021، وأخيرا سجل 73 انتهاكا في الأشهر العشرة الأوائل من العام الحالي.
التصنيف العالمي لحرية الصحافة
وسجّل خلال عهد عون التراجع الصادم للبنان في “التصنيف العالمي لحرية الصحافة”، والذي تُصدره منظمة “مراسلون بلا حدود”، فلبنان الذي كان يحلّ في المرتبة 98 في العام 2016، حلّ في العام 2022 في المرتبة 130 بين 180 دولة، متراجعاً 32 مرتبة عن العام 2016.
رئيس جمعية “اعلاميون من اجل الحرية” الصحافي أسعد بشارة أوضح لـ”بيروت توداي” أن هذا التراجع طبيعي في تصنيف لبنان بالنسبة للحفاظ على الحريات لأن عهد عون كان عهد استهداف الصحافة والإعلام الحر بامتياز، مشيراً إلى أن “العهد سلّط القضاء على الحريات الاعلامية ونفذ ملاحقات تعسفية كثيرة لاعلاميين بارزين ومحطات اعلامية”.
وذكّر بأن “فترة ولاية عون شهدت أسوأ مرحلة اعتداء على الحريات، لهذا السبب فان التراجع في تصنيف لبنان منطقي نسبة الى اداء السلطة التعسفية”، وقال: “عندما يكثر الفساد في السلطة تتحول الى سلطة مستبدة لقمع الاصوات المعارضة وقمع الحريات الاعلامية والعامة”.
الحرية أقوى من رموز الاستبداد
وشدد بشارة على أن “عهد عون حوّل لبنان الى دولة بوليسية، واذا تابعنا ارقام التوقيفات والملاحقات نجد ان لبنان في أعلى درجات الدول التي تنتهك الحريات الاعلامية والعامة، ولذلك كان وجب علينا ان يكون الجسم الاعلامي يدا واحدة مع المجتمع المدني”، مؤكداً أن “معركة الحريات هي معركة مستمرة لأن الصوت الحر هو أكبر تهديد لاستبداد السلطة”.
وتابع: “شهدنا مظاهر كثيرة من مظاهر الدولة البوليسية، التي تسخر القضاء والاجهزة الامنية لكم الافواه والضغط على الحريات والحد من حرية التعبير، لبنان اليوم ليس في افضل احواله، ولكن رغم كل ما يحصل سيبقى لبنان بلدا عصيا على القمع ويرفض كل اشكال الدولة البوليسية ولبنان بلد يعشق الحرية وكل من سار في هذا المسار سقط سقوطا مشينا وبقيت قيمة الحرية عالية”.
رغم القمع واستهداف الأشخاص سيبقى لبنان منبراً للحريات مهما مرّت عهود أو فترات استبداد، لأن الحرية نشأت مع قيام لبنان وهي الأساس وستبقى أقوى من كل رموز الاستبداد مهما تبدلوا.