أيام قليلة تفصلنا عن دخول قرار اعتماد سعر صرف رسمي جديد للدولار مقابل الليرة حيّز التنفيذ، سعر اعتمدته وزارة المالية في تقدير الإيرادات الجمركية وبعض الضرائب والرسوم في موازنة العام 2022، وهو 15 ألف ليرة للبنانية للدولار، وليس 10 آلاف على سبيل المثال ولا 20 ألف ليرة أو حتى 17 ألف ليرة، هو سعر رسمي جديد للدولار، لم يستند لأي تبريرات أو مستند علمي يفسّر سبب إقراره عند هذا المستوى وتطبيقه على سلة من الضرائب والرسوم دون سواها.
يدخل قرار اعتماد 15 ألف ليرة كسعر صرف رسمي للدولار حيز التنفيذ مطلع شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. فما هي آلية تطبيقه؟ كيف سيتعامل المستوردون والتجار معه؟ ماذا عن حجم تأثيره على المواطنين محدودي المداخيل؟ وهل من عراقيل ترتبط بتطبيقه؟
آلية تطبيق سعر الصرف لجديد
بالنتيجة، أُقر سعر الصرف الجديد البالغ 10 أضعاف سعر الصرف الرسمي الذي استمر العمل به على مدى نحو 30 عامًا، والسؤال كيف سيطبق سعر الصرف الجديد؟ وكيف سينعكس على معيشة اللبنانيين؟
عقب إقرار الموازنة العامة للعام 2022 في شهر سبتمبر (أيلول) الفائت أعلن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال، يوسف الخليل، في بيان له رفع سعر الدولار الرسمي إلى 15 ألف ليرة مع بداية شهر نوفمبر (تشرين الثاني). القرار الصادر عن وزارة المالية والذي يحدّد سعرًا رسميًا جديدًا لصرف الدولار مقابل الليرة بـ15 ألف ليرة بدلًا من 1507 ليرات، هو قرار مالي بحت، يتعلق بواردات الدولة والضرائب والرسوم المتوجبة، بمعنى أنه سيطال كافة تعاملات المواطنين مع الدولة وكافة متوجباتهم تجاه خزينة الدولة، أما بالنسبة لنفقات الدولة على مواطنيها فإنه لا يسري عليها سعر الصرف الرسمي الجديد، بمعنى أن القرار لا يسري على رواتب وأجور القطاع العام. بمعنى آخر، لن يتم احتساب الرواتب على سعر الصرف الرسمي الجديد 15 ألف ليرة.
سيتم تطبيق سعر الصرف الجديد الـ15 ألف ليرة على الضريبة على القيمة المضافة TVA والرسوم العقارية والقيمة التخمينية للعقارات وضريبة الأملاك المبنية، بالإضافة إلى إجازات العمل والتصاريح ومختلف الرسوم وغير ذلك، كما سيسري سعر الصرف الجديد على العديد من الالتزامات منها ضريبة الدخل على العقود المبرمة بالدولار والقروض الشخصية الدولارية، بمعنى آخر ستتحول فاتورة الاستهلاك برمّتها من التحصيل وفق دولار 1507 ليرات إلى 15 ألف ليرة، أي أن رسومها ستتضاعف 10 مرات.
باختصار كل ما يتم تحصيله لصالح الدولة وفق 1507 ليرات سيتغير إلى 15 ألف ليرة، وقد حصر قرار وزير المالية مسألة تحديد الدولار المعتمد في القضايا الاجتماعية بصلاحيات مصرف لبنان الذي أسند إليه قرار سعر الدولار لاحقًا.
فوضى التطبيق
من المتوقّع أن يؤدي تطبيق سعر صرف الدولار الرسمي الجديد على الدولار الجمركي حتمًا إلى رفع تكلفة معيشة اللبنانيين، فالدولار الجمركي الجديد أو الـ15 ليرة وإن كان غير مفروض على كافة المستوردات إلا أنه سيطالها غالبًا بكافة أنواعها ومصادرها، والسبب غياب الرقابة وحتى غياب الرؤية والضوابط لتطبيق الدولار الجمركي الجديد. فالحكومة ومن بعدها وزارتي المالية والاقتصاد أعلنتا أكثر من مرة بأن السلع الأساسية مستثناة من الدولار الجمركي، لكن وبحسب المعلومات فإن الوزارات المختصة عمدت إلى وضع لائحة بالسلع المُستثناة من زيادة الأسعار بفعل الدولار الجمركي، بعد سلسلة لقاءات ومشاورات بين وزارات الصناعة والزراعة والاقتصاد والمالية، وخرج المعنيون بلائحة من المواد الغذائية معفاة من الدولار الجمركي، ولائحة أخرى بالصّناعات المحليّة البديلة.
بمعنى أن الأجبان والألبان المستوردة على سبيل المثال ستخضع للدولار الجمركي الجديد، باعتبار أن هناك ما يكفي من إنتاج للألبان والأجبان الوطنية، والأمر نفسه يطبق على الحبوب ورقائق البطاطا وشريحة واسعة من السكاكر والمعلبات وغيرها. لكن يبقى السؤال: كيف ستتمكن الدولة من ضبط أسعار الإنتاج المحلي غير الخاضع للدولار الجمركي الجديد، في وقت تعجز فيه الأجهزة الرقابية عن ضبط التفاوت الهائل بالأسعار بين المناطق والمتاجر؟
رغم التطمينات من قبل المعنيين بأن رفع الدولار الجمركي إلى 15 ألف ليرة سيؤدي حكمًا إلى رفع أسعار السلع التي تدفع رسومًا جمركية فقط، بما يتراوح بين 20 و30 في المائة، ولن يؤثر على باقي السلع، فإن التجار باشروا على أرض الواقع إلى رفع الأسعار فورًا بنسب عشوائية وعلى كافة السلع. هذا الواقع يؤكد عجز السلطات الرقابية عن ضبط الأسواق، ولجم جشع التجار وعجزها أيضًا عن حماية المستهلك من مفاعيل تطبيق الدولار الجمركي.
ولا ننسى أيضًا فرض رسم الـ3 في المائة في الموازنة نفسها 2022، على عدد من المستوردات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة TVA، كذلك هناك نسبة الـ10 في المائة التي فرضت على السلع والبضائع الأجنبية التي يتم استيرادها والتي يصنّع لها مثيل في لبنان، وعلى السلع التي تصنف فاخرة.
جميع تلك الرسوم والضرائب التي فرضت حديثًا أو تم التمديد لها، تنعكس ضغوطًا على المواطن الضعيف بشكل أساسي، ومحدودي المداخيل والفقراء، وستخفض قدرتهم الشرائية أكثر فأكثر لاسيما في ظل غياب الرقابة الفاعلة.
فوضى أسعار الصرف
يذهب البعض بتبرير قرار وزارة المالية بتحديد سعر الصرف الرسمي عند 15 ألف ليرة، بالتنسيق مع مصرف لبنان على توحيد أسعار الصرف تدريجيًا على المدى المتوسط والبعيد، غير أن واقع الأمر يكشف مزيدًا من الإرباك والفوضى على مستوى التعاملات المالية، خصوصًا وأن سعر صرف الـ15 ألف ليرة أضيف إلى باقي اسعار الصرف ليصبح عددها 5 أسعار صرف إن لم نقل أكثر.
دولار الـ15 ألف ليرة وهو سعر صرف الدولار المعمول به لتحصيل إيرادات الدولة والرسوم الجمركية وغيرها، دولار الـ8 آلاف ليرة وهو سعر صرف الدولار المودَع في المصارف قبل تاريخ تفجّر الأزمة في لبنان وهو ما بات يعرف اليوم بـ”اللولار” ويتم صرفه وفق تعميم مصرف لبنان رقم 151.
بالإضافة إلى دولار الـ12 ألف ليرة وهو سعر الدولار المعمول به وفق التعميم رقم 158 لصرف 400 دولار للمودع بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف 12 ألف ليرة. ولا ننسى سعر صرف دولار منصة صيرفة الذي يتغيّر بشكل مستمر (ويبلغ يوم الجمعة الفائت 30.100 ليرة) ويتم اعتماده في تطبيق التعميم 161 الذي يتيح للموظفين وعموم المواطنين سحب قيمة محددة من حساباتهم بالدولار الأميركي عير سعر منصة صيرفة.
أما السعر الأبرز للدولار مقابل الليرة فهو سعر صرف دولار السوق السوداء المتغيّر بشكل مستمر، والبالغ (حتى تاريخ نشر هذا التقرير) 37 ألف ليرة. وكان الدولار قد بلغ منذ أيام قليلة رقمًا قياسيًا هو الأول بتاريخ العملة اللبنانية عند 40.500 ليرة. إلا أن هذا السعر هو ما يسري على كافة التعاملات المالية وتسعير السلع والخدمات دون حسيب أو رقيب.