Credit: ENERGEAN/FILE PICTURE

الغاز بأفضل السيناريوهات ليس كافيًا لحل الأزمة المالية: الإصلاح أولًا

لم يدخل لبنان نادي الدول النفطية كما يحاول السياسيون أن يوهموا اللبنانيين، ولن يكون الغاز والنفط العلاج السحري للأزمة المالية والنقدية والاقتصادية التي تعصف بالبلد منذ 3 سنوات.

الثروة النفطية والغازية الموعودة وفي حال صحّت التوقعات بأحسن سيناريوهاتها، فإنها لن تسد عجزًا وفجوة مالية هائلة يقع فيها الاقتصاد اللبناني اليوم، بل ستشكل ركيزة يمكن الاستعانة بها لاستعادة النهوض فيما لو تمت إدارتها بشفافية. ويبقى الخوف الأكبر من أن تلعب الثروة النفطية والغازية دور الممول للفساد والهدر والمحاصصة.

فما هي الجدوى الاقتصادية لثروة النفط والغاز المتوقعة؟ وهل من توقعات واقعية لحجم وقيمة الثروة؟ والسؤال المفصل في المرحلة الراهنة، هل تُعد الثروة الغازية والنفطية كافية لانتشال لبنان من أزماته العميقة التي يتخبّط فيها اقتصاده منذ سنوات؟

مراحل التنقيب

يبيع السياسيون أوهامًا للبنانيين الآملين بحل أزماتهم بعد شروع شركة توتال بالتنقيب عن الغاز في البلوك رقم 9 حيث يقبع حقل قانا الحدودي. فالغاز وإن كان مرجّحًا وجوده بكميات وافرة في المياه اللبنانية إلا أنه لا مؤشرات حاسمة حتى اللحظة، فالشركة لم تصدر أي تقارير أو توقعات بشأن الكميات المتوقعة بانتظار البدء بعمليات الحفر الحاسمة لمسألة الثروة الغازية.

أما الحديث اليوم عن دخول لبنان نادي الدول النفطية ومبالغة السياسيين، خصوصًا وزير الطاقة ورئيس الحكومة بالحديث عن وضع شركة توتال خطة العمل والدراسات الجيولوجية وتحديد الأكلاف والمباشرة بمراحل الإستكشاف، فذلك لن يتم بين ليلة وضحاها، إنما يقدّر أن يحصل في مدة تقارب 3 سنوات، وهي مدة العقد مع الدولة اللبنانية.

وبحسب خبيرة النفط لوري هايتايان، فإن أمام الشركة الفرنسية توتال عملية حفر أول بئر استكشافي في البلوك رقم 9، والإيفاء بالتزاماتها المنصوص عليها في العقد، وتاليًا عليها تحديد جدول زمني لأعمالها. وإذا ما استتبعنا المراحل اللاحقة لعمليات الاستكشاف والحفر وبلغنا مراحل التطوير والاستخراج فذلك يستلزم مدة زمنية إجمالية تتراوح بين 4 و5 سنوات، على ما تؤكد المديرة التنفيذية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز (LOGI)  ديانا القيسي، وتقول القيسي إنه في أحسن التوقعات، وفي حال باشرت توتال اليوم العمل على الملف وتم الالتزام بكافة المراحل بسلاسة تامة فإن عملية استخراج الغاز تحتاج لنحو 5 سنوات، خصوصًا أن عملية استخراج النفط تختلف عن الغاز، فالأخير يستلزم آليات وتقنيات مختلفة وتأمين أسواق للتصدير قبل استخراجه.

وتشرح القيسي في حديث إلى “بيروت توداي” مراحل الوصول إلى الغاز، ابتداء من عمليات الحفر التي تستغرق نحو عام كامل لتبيان وجود كميات تجارية من الغاز، مرورًا بمرحلة الآبار التقييمية ثم مرحلة تطوير الحقل ووضع خطة لكيفية الاستخراج، ثم تحديد وجهة التصدير وآلية التصدير، ولا ننسى ما يتخلل تلك المرحلة من إجراءات روتينية في الدولة اللبنانية، وضرورة الاستحصال على رأي وتقييم هيئة إدارة قطاع البترول، وموافقة وزير الطاقة وموافقة مجلس الوزراء، وهذه مرحلة تتوقف أيضًا على التنسيق التام بين الأفرقاء السياسيين، وبطبيعة الحال على وجود حكومة فاعلة وليس تصريف أعمال، وباختصار هذه المرحلة فيما لو خلت من العقبات فإنها تستلزم من 4 إلى 5 سنوات لإتمامها.

ويؤكد الباحث في مجال الطاقة من معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية، مارك أيوب، بأن لبنان يحتاج لما يقل عن عام لحسم مسألة وجود الغاز والتيقّن من ذلك، ليستتبع ذلك نحو 3 سنوات أيضًا لتطوير الحقل، ويشير ايوب في حديثه لـ”بيروت توداي” إلى أن حقل كاريش الإسرائيلي يؤشر بمرحلة تطويره عام 2013 و2014 وبدأ بالانتاج عام 2022، من هنا علينا ألا نتوقع أي عملية إنتاج قبل 5 او 6 سنوات بالحد الأدنى ورصد عوائد مالية للغاز.

وبصرف النظر عن فارق التوقعات الزمنية بين معظم خبراء النفط، لكن تتراوح جميعها بين 3 و6 سنوات بالحدين الأدنى والأقصى، ما يعني أن التهويل من السياسيين وتصوير الأمر وكأن لبنان بات بلدًا نفطيًا عقب الاتفاق على ترسيم الحدود مباشرة، تندرج جميعها في خانة بيع الأوهام.

الثروة المتوقعة

يُعوِّل سياسيون لبنانيون على كميات تجارية من الغاز قادرة على انتشال لبنان من أزماته الاقتصادية والمالية، غير أن توقعاتهم والأرقام التي يرمونها يمينًا ويسارًا لكميات الغاز والعائدات المالية المتوقعة ليست سوى تهويلًا يرقى إلى مستوى النفاق، ويستهدف غالبًا التهرّب من تنفيذ الإصلاحات المالية التي يشترطها صندوق النقد الدولي.

لا تتوقع القيسي تحقيق عائدات مالية ضخمة كما يتصور البعض من الغاز في البلوك رقم 9، ففي أحسن الأحوال بحسب القيسي قد يحقق لبنان نحو 6 مليارات على مدى 15 عامًا في حال تم التوصل إلى حقل كبير من الغاز على غرار حقل ليفياثان الإسرائيلي.

وتذكّر القيسي بنتائج الدراسة التي أجراها المحلل المالي الرائد Open Oil مع المبادرة منذ ثلاث سنوات، وهي تشير إلى أنه في السيناريو الأمثل، أي في حال اكتشف لبنان وطور حقلًا ضخمًا للنفط والغاز مماثل في الحجم لحقل ليفياثان الإسرائيلي 16 تريليون متر مكعب، وكان قادرًا على استخدام كل احتياطياته، فإن نصيبه من الإيرادات سيكون حوالى 6.1 مليار دولار من أموال اليوم على أساس 6 دولارات لكل MBTU إجمالًا على مدار 15 عامًا. 

أما السيناريو الأسوأ، في حال اكتشف لبنان وطور حقل نفط وغاز متوسط الحجم وقابل للتطبيق تجاريًا مماثل في الحجم لحقل “أفروديت” القبرصي 4.5 تريليون متر مكعب، فإن حصة لبنان من الإيرادات ستكون حوالي 1.7 مليار دولار من أموال اليوم، على أساس 6 دولارات MBTU إجمالًا على مدار 15 عامًا.

بدوره يرى أيوب أن العوائد المالية للغاز مهما بلغت فإنها لن تشكل سوى جزء صغير من الخسارات التي مني بها القطاع المصرفي والبالغة 70 مليار دولار، والمقصود هنا الفجوة المالية التي لم يتم التوافق حتى اللحظة على كيفية وآلية سدادها.

الغاز لا يكفي

من الممكن لقطاع النفط والغاز أن يشكل أحد الركائز للتوسع الاقتصادي مستقبلًا، إلا أنه لن يحل الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية في لبنان من هنا يجمع الخبراء على ضرورة تطبيق سلة الإصلاحات المالية كمدخل أساسي لمكافحة الفساد لتسهيل استفادة لبنان من ثروته النفطية.

ولا شك أن نجاح عملية استخراج الغاز والتيقّن من وجود كميات وافرة في البلوك رقم 9 سيفتح شهية الشركات الأجنبية للاستثمار في لبنان، ولكن ما لم يبادر لبنان إلى اصلاح أزمته المالية والاقتصادية فإن الخوف سيتصاعد من انضمامه إلى الدول النفطية الفقيرة نتيجة عدم إدارة ملف النفط والغاز بطرق شفافة، وفي ظل غياب الحوكمة والرقابة الفاعلة ما يمكن أن يجعل من العائدات المالية ممولًا للهدر والفساد.

ويقول أيوب: “لا يمكن أن نعتبر أن الازمة الاقتصادية قد حلت أو باتت على طريق الحل ولا يذهب أحد بتفكيره إلى احتمال أن يعبئ المواطن الغاز في خزان سيارته بين ليلة وضحاها، فالوضع ليس بهذه الصورة على الإطلاق إذ أن الأزمة الاقتصادية مرتبط حلها بإصلاحات ضرورية، ولن يحلها النفط والغاز خصوصًا أننا لا نعلم حتى اليوم ما الذي تحويه الثروة النفطية والغازية وما إذا كانت وافرة أصلًا أم لا”.

بالمحصلة نرى السياسيون يبيعوننا أوهامًا بأن الأزمة قد حلت، ويدفعون المواطنين إلى ترقّب عائدات الغاز، لحل الأزمات ويبقى الخوف من استرجاع الحديث عن بيع أصول الدولة ومؤسساتها ومحاولة بيع الغاز للجهات المانحة واقتراض المال بضمانته، وبذلك نكون قد نسفنا كل الإصلاحات المطلوبة.