مرة أخرى، يجد المشهد الثقافي العربي نفسه أمام قضية اعتداء جنسي جديدة بعد توجّه الناجية فاطمة فؤاد إلى حساباتها الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي لرواية شهادتها بتفاصيلها الموجعة والمؤلمة حول حادثة تعرضها للاعتداء في حفلة ليلة رأس التي نظمها موقع معازف الموسيقي بالاشتراك مع مكتبة برزخ في عام 2019.
الناجية فاطمة فؤاد.. “اللهم إنّي بلّغتُ، اللهم فاشهد”
خرجت المديرة السابقة لمكتبة برزخ فاطمة فؤاد، أول أمس السبت، عن صمتها لتروي تفاصيل حادثة الاعتداء الجنسي التي تعرضت لها خلال حفلة رأس السنة في عام 2019، مشيرةً إلى الأحرف الأولى من أسماء (ب.س ،آ.م) الشخصين (تم تعريفهم كبشار سليمان وآية متولي في الإعلام) للذين شاركا في حادثة الاعتداء عليها، خلال تنظيم موقع ومجلة معازف الموسيقية لحفل موسيقي ضم 12 موسيقية وموسيقي من العالم العربي.
فؤاد استبقت شهادتها كناجية من حادثة الاعتداء محذرة من أن محتوى الشهادة “حساس: اغتصاب”، لتضاف بذلك إلى عشرات الشهادات التي روتها الناجيات خلال الأشهر الماضية، وجاءت شهادة فؤاد قبل أقل من 20 يومًا من موعد حفل “ميدان” الموسيقي الذي ينظمه الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) في الذكرى الـ15 لتأسيسه بالتعاون مع مجلة معازف.
وكما جميع قصص الاعتداء الجنسي التي خرجت فيها النساء عن صمتهن، قررت فؤاد تقديم شهادتها التي بدأتها بالقول: “كنت أعمل كمديرة لمساحة ومكتبة [برزخ] في منطقة الحمراء ضمن بيروت، بين ديسمبر/كانون الأول 2019 ومارس/آذار 2020، ليلة رأس السنة، نظّمنا الحفلة الافتتاحية لـ”برزخ” بالتعاون مع فريق “معازف” وBallroom Blitz بعنوان ]تسقط الـanxiety]، قام بإحيائها 12 موسيقي/ة من المشهد العربي، من بينهم المدعو ب. س. (فلسطيني-أردني) والمدعوة آ. م. (مصرية)، اللذَان قاما بالاعتداء عليّ عبر تخديري رغمًا عني واغتصابي، وذلك بتاريخ 31/12/ 2019″.
بالتأكيد لن نعيد تكرار سرد حادثة الاعتداء كما روتها فؤاد على صفحتها، ليس لسبب إلا ما تحمله من التفاصيل الصادمة والمرعبة التي تعرضت لها في تلك الليلة، بعد أن تم تخديرها بحبة منشطة تعرف باسم “MD”، وهي من الحبوب المنشطة المحظورة التي تتسبب بفقدان التوازن الحركي للأشخاص الذين يتناولونها في حال كانت نسبة الكحول مرتفعة لديهم، وإيضاحًا من فؤدا فإنها أشارت إلى أن مدير موقع معازف والمجلة الموسيقية الأولى في العالم العربي (م.أ.ط) حاول “لفلفة الموضوع”.
وحول هذا التفصيل تحديدًا كتبت فؤاد: “أصر على الفريق بالتوجه إلى لفلفة الموضوع وعدم نشر بيان يدين المغتصب ب.س، متجاهلًا شهادة عضوة في الفريق قد سبق أن اعتدى عليها ب.س بالضرب خلال فحص الصوت في الحفلة نفسها، ومتغاضيًا عن عدة روايات متداولة ومسموعة لناجيات من مصر والأردن تعرضنّ لمضايقات واعتداءات من قبل ب.س، بحجة أن يعرفه جيدًا”، مشيرة إلى أن مدير معازف كان يكرر “ب. ما بيعمل هيك” أمام الموظفات والموظفين، كما قرر طلبه بعد حادثة الاعتداء بمزاولة النشر عن (ب.س)، وهو ما وصل في النهاية إلى مرحلة “طرد إحداهن واستقالة 3 أشخاص لأسباب متعددة، لعل أبرزها قضية المغتصب ب.س”.
ونوهت فؤاد في منشورها إلى أن تأجيل تقديم شهادتها حول حادثة الاعتداء الجنسي التي تعرضت لها موضحة بالقول: “قررتُ أن أؤجل خوض المواجهة، لإدراكي أنني لا زلت تحت تأثير الصدمة، عاجزة عن صياغة سردية واضحة للعيان”، وتابعت مضيفة: “لا مجال أو حاجة أو رغبة لدي في تبرير تأجيلي المواجهة إلى اللحظة، فإنني على قناعة أن للناجية الثائرة، صاحبة الحق، أن تعلن ساعة الصفر متى شاءت”، قبل أن تشير في نهاية شهادتها إلى أن “الخاص مفتوح لشهادة الناجيات اللواتي ترغبن في مشاركة تجاربهن بشكل مجهول” في إطار سياسي نسوي مقاوم، خاتمة منشورها بالقول: “اللهم إنّي بلّغتُ، اللهم فاشهد”.
مؤسسة آفاق تعلق تعاونها مع معازف.. والأخيرة تفتح تحقيقًا بالحادثة
بعد وقت قصير من نشر فؤاد شهادتها للرأي العام، والذي خصت في مقدمته الجهات الفاعلة في المشهد الثقافي على مستوى الأفراد والمنظمات، نشرت مؤسسة أفاق بيانًا رسميًا عبر حسابها الرسمي على فيسبوك، قالت في مقدمته: “على خلفية الشهادة التي نشرتها الناجية فاطمة فؤاد أمس والتي تدين فيها، إلى جانب الفنانين الجانيين، إدارة مؤسسة معازف تحديدًا لصمتها وتسترها عنهما وعدم اتخاذها موقفًا من الفنانين المذكورين”، وتابع البيان مضيفًا: “نحن في آفاق نتضامن كليًا مع فاطمة فؤاد فيما تعرضت له وشاركته أمس، ونصدق الناجيات دومًا ونرفض أي شكل من أشكال التعدي والانتهاك، دون مساومة”.
وأضافت المؤسسة الثقافية في بيانها لافتة إلى أن “آفاق لم يكن لديها أية معرفة مسبقة بالحادث الذي شاركته الناجية، لا جملة ولا تفصيلًا، قبل نشر الشهادة ليل أمس [السبت]”، وحول شراكتها في حفل ميدان مع معازف قالت آفاق: “إن حفل ميدان المقرّر إقامته يوم 16 تموز/يوليو في بيروت هو حفل آفاق، فكرة وتنظيمًا، احتفالًا بعيدها الخامس عشر وليس حفلًا تنظّمه معازف بدعم من آفاق”.
وشددت آفاق في بيانها على أن “الشراكة مع مؤسسة معازف على حفل “ميدان” هي شراكة فنية، شاركت معازف من خلالها مع آفاق بوضع البرنامج الفني للحفل”، قبل أن تضيف “وعليه، وفي ظل الاتّهامات الحالية لإدارة مؤسسة معازف، وإيمانًا منّا بالمسؤولية التي تحتّم على أي مؤسسة/جهة/فضاء التعامل مع أي اعتداء بحماية الناجيات منه أولًا ومحاسبة المعتدين/ات ثانيًا، نعلن فض الشراكة مع معازف فورًا وإنهاء أي دور لها في تنظيم الحفل وإقامته”، وختمت المؤسسة الثقافية بيانها مؤكدة على أن الموقف الذي اتخذته يتماشى مع مبادءها “الراسخة برفض وإدانة أية اعتداءات”، وإيمانها “بضرورة أن تكون المؤسسات الثقافية والفنية مساحات آمنة للعاملات والعاملين فيها ولمرتاديها، محصنة بآليات واضحة تضمن المحاسبة وتحمّل المسؤولية”.
وبعد البيان الصادر عن مؤسسة آفاق، ردت مجلة معازف عبر حسابها على فيسبوك مؤكدة تقديمها الدعم لشهادة فؤاد، وعبرت عن رفضها “لكل أنواع التحرش والتعدي الجسدي والسلوكيات غير اللائقة، وبالتأكيد الجرائم الشائنة مثل الاغتصاب وأية أفعال عنف أخرى”، وأن المجلة ستبدأ “تحقيقًا مستقلًا في دور معازف ومدير معازف معن أبو طالب في الأحداث التي وقعت تلك الليلة، مع نشر بيان في كل مرحلة من التحقيق وإتاحة المعلومات عن مجرياته لأي مهتم”.
كما أشار بيان معازف إلى أنه “ستقوم مؤسسة فبراير بالتنسيق مع الهيئة التي ستتولى التحقيق، وعلى مدار التحقيق، ستتسلم مريم النُزهي إدارة معازف”، وأضافت معازف في البيان بالقول: “ننوي استغلال هذا الوقت لإعادة التفكير بممارساتنا كمؤسسة، والحرص أننا كمجلة لا ندعم أية بنى عنف ذكورية في صناعة الموسيقى”، وأضاف في البيان في نهايته مشددًا على أن “أي تواطؤ أو تضليل من قبل أي عضو من فريق معازف الحالي ستتم محاسبته بما يضمن حق فاطمة فؤاد”.
وحملة تضامن مع الناجية فؤاد على منصات التواصل الاجتماعي
حادثة الاعتداء الجنسي التي تعرضت لها فؤاد تحولت إلى حملة تضامن على منصات التواصل الاجتماعي تدين الاعتداء ومحاولة التسبب على الأسماء التي كانت طرفًا في الحادثة، وحول ذلك كتبت الباحثة المتخصصة بالشأن اليمني في منظمة هيومن رايتس ووتش: “من قلبي سلامٌ للبطلة الشجاعة فاطمة فؤاد! كامل التضامن مع #فاطمة_فؤاد”.
وانضمت الكاتبة والصحفية ديانا مقلد إلى الأسماء التي أعلنت تضامنها مع فؤاد، وعلقت على شهادتها بالقول: شهادة قاسية وشجاعة في الوقت نفسه. لا يمكن أن نقرأ دون أن نجفل ونرتعب كون الاعتداء حصل في بيئة ثقافية ومن أشخاص يفترض أنهم من خلفية هي نقيض ما ننتقده في مجتمعاتنا. هذا يقتضي تحقيقا جديًا وموقفًا علنيًا من أي مؤسسة “بديلة” معنية بالأشخاص المذكورين مع الدعم والاحتضان الكامل لفاطمة”.
كذلك كتبت الصحفية رشا حلوة في منشور يشير إلى شهادة فؤاد: “يمكن أجا الوقت ينحكى عن كل الأداء الذكوري اللي موجود في مشاهد الراب/التراب/التكنو العربية. لأنه باسم “إحنا منقدّم موسيقى ألتيرناتيڤ” (وكل هالديباجة)، عم بتتدعوس كثير نساء/ مهمشين/ات وقيّم تفوق أهميتها إنه جاي ع بالك خيّا تغني أغنية راپ عن الثورة/فلسطين/ الأوطان/ إلى آخره”، كانت قد استبقته بمنشور قالت فيه: “إيس هاد الرعب؟ كل الدعم لفاطمة”.
أما الصحفية في قناة الميادين فاطمة فتوني فقد قالت في منشورها: “حسب معلوماتي أن فاطمة فؤاد ليست الضحية الأولى في ما يسمى “معازف” بل وفقًا لرواية عدد من الأشخاص فإن هناك عدد من الصبايا تعرضوا للتحرش والاغتصاب.. هذا الموضوع يجب أن يتابع. والمسؤولية تقع على عاتق المدير الذي علم وطلب لفلفة الموضوع. الناس مش هبل عشان يصدقوكم”.