الكابيتال كونترول الجديد… جريمة بحق المودعين

يتخلّل جدول أعمال مجلس النواب في جلسته المرتقب انعقادها يوم الثلاثاء 29 آذار 2022، بنداً “متفجّراً” بالمعنى الحرفي للكلمة، فالبند 29 من جدول الأعمال الذي يتضمن اقتراح معدّل للـ”كابيتال كونترول”، قد يُحدث ثورة جديدة في حال تم إقراره بشكله الحالي.

المقترح المطروح التصويت عليه في الجلسة المقبلة والموجود حالياً بين أيدي نواب الأمة يعطي الشرعية للمخالفات المصرفية الفاضحة، ويُطلق يد مجموعة من المصرفيين والمدافعين عن المصارف على مدى 3 سنوات قابلة للتمديد، فيمنحهم الصلاحيات المطلقة غير المحدودة بشأن كل ما يدخل أو يخرج من أموال قديمة كانت أو جديدة، ويفوّض قانون الكابيتال كونترول الجديد، تلك المجموعة تحت مسمّى “اللجنة” بالحظر والمعاقبة والإعفاء والإلغاء والإحالة إلى القضاء وكل ما يرتبط بالقضايا المصرفية كما ويخوّلها تسعير العملات وتحديد إطار التعامل بها وغير ذلك من الصلاحيات الواسعة، حتى وصف البعض مهام “اللجنة” بـ” إطلاق الأحكام العُرفية”.

مصطلحات ملتبسة

قبل تفنيد تجاوزات ومخالفات اقتراح قانون الكابيتال كونترول لا بد من المرور على بند تعريف المصطلحات الوارد فيه والمستحوذ على عدة صفحات من القانون، ففي صفحات تعريف المصطلحات هناك علامات استفهام ومسائل مخفية بين السطور، على ما تقول الخبيرة القانونية والرئيسة التنفيذية لمؤسسة juriscale سابين الكيك في حديث لـ”بيروت توداي” فتلك التعريفات تبدو وكأنها تعيد ترتيب المفاهيم القانونية لعمل المصارف ومن يحق له استقبال ودائع للصناديق الإئتمانية وغيرها وهناك ما يشبه الأسرار والخفايا في التعريفات، بمعنى أن الإقتراح يخلق نظاماً جديداً بتعاريف جديدة ومفاهيم قانونية منها يتوافق مع ما هو موجود ومنها ما يستحدث مفاهيم أخرى.

فتعريف الاموال الجديدة بحسب اقتراح القانون على سبيل المثال، يعتبر أن ما يتقاضاه المصدّرون من أموال بدل بيعهم بضاعتهم في الخارج لا يمكن اعتبارها أموالاً جديدة، بمعنى أن المصدّر عندما يصدّر البضائع الى الخارج ويتقاضى ثمنها فلا يعتبر ما يتم إدخاله دولارات جديدة، وبحسب اقتراح القانون يتم تعريف الأموال الجديدة كالآتي: (تعتبر أموالاً جديدة تدفقات العملات الأجنبية كافة المحولة من الخارج إلى حسابات مصرفية في لبنان أو الإيداعات النقدية بالعملة الأجنبية التي تمت بعد 9 نيسان 2020)، بينما لا تعتبر أموالاً جديدة تدفقات العملة الأجنبية الناتجة عن إعادة أموال عائدات الصادرات وفقاً للمادة 7 من القانون.

كذلك بالمادة رقم 2 وهي تتحدث عن نقل الأموال عبر الحدود ومدفوعات الحساب الجاري والتحاويل فهي تشترط لتحويل الأموال الجديدة أن يتم التحويل من خلال البنك المراسل الأجنبي، وهنا تسأل الكيك كيف سيتم ذلك؟ وهل المقصود أن تخرج الأموال ثم تدخل حتى تعتبر أموالاً جديدة؟ هذه المادة تخفي سوء نوايا وعدم وضوح متعمّد.

كما ورد بالمادة رقم 3 في الفقرة الأولى منها الآتي (تتم عمليات القطع كافة، باستثناء تلك التي ينفذها مصرف لبنان، من خلال الوسطاء المعتمدين، المرخص لهم بموجب قانون أو من قبل مصرف لبنان) وترى الكيك أن بتعبير الوسطاء الماليين يتم خلق مفهوم جديد، فليس مفهوماً لمن ستكون الرخص ولأي شروط ستخضع ليكون لها حق التحويل وحق عمليات القطع وتأسيس صناديق وتختصر الكيك ما تسعى إليه السلطة من خلال قانون الكابيتال كونترول بشكله الحالي بـ”استغلال أموال المودعين”.

إعفاء عما سلف

يتضمن قانون الكابيتال كونترول الجديد القديم هذا، تذاكي وقح بإعادة تدوير نسخة ساقطة منه تحت مسميات وتعابير مستحدثة، بحسب رابطة المودعين التي عبّرت عن رفضها القاطع لاقتراح القانون لما يتضمنه من انتهاكات فاضحة بحق المودعين، وأوضحت الرابطة في موقفها الرسمي منه أن “في هذا المشروع خروقات بالجملة للمواثيق الدولية والدستور والقوانين الوطنية والنظام العام أولها في ديباجة الأهداف التي وضعت مصلحة المودعين في أسفل أهداف القانون، متذرعة بحماية القطاع المصرفي ولكن على حساب أموال الناس ومنها دونما إعادة هيكلة جدية”.

الالتباسات المتعمّدة باقتراح القانون لا تنتهي ففي المادة 4 منه التي تتحدث عن فتح حسابات جديدة وفي بندها الأول تقول (يحظر على المصارف فتح حسابات مصرفية جديدة كما يحظر عليها إضافة شركاء إلى حسابات قائمة، كما يحظر تفعيل الحسابات الراكدة) والسؤال: كيف يمكن أن يحظر على المصارف فتح حسابات جديدة وما حاجتنا حينها إلى المصارف؟ وتوضح الكيك أن من هذه المادة تحديداً يتبيّن الهدف من شركات الوساطة المالية والوسطاء الماليين والمقصود هنا خلق نظام رديف للمصارف حيث تصبح فيه المصارف مجرد واجهة هدفها تذويب الودائع، أما شركات الوساطة المالية والصناديق الائتمانية فمهمتها توظيف الأموال التي تم تهريبها إلى الخارج.

وتختصر الكيك الهدف من اقتراح قانون الكابيتال كونترول “المسخ” بأنه محاولة من قبل السلطة لقوننة الإعفاء عن كل ما سلف “فهم يريدون فتح صفحة جديدة ليتمكنوا من الاستفادة من الأموال التي تم تحويلها إلى الخارج ويضعون القيود على الاموال الجديدة”.

“اللجنة” والصلاحيات المطلقة

في المادة 8 من اقتراح قانون الكابيتال كونترول يتم إنشاء لجنة مطلقة الصلاحيات، وعلى الرغم من خطورة الأمر إلا أن الكارثة لا تكمن بالصلاحيات الواسعة فقط إنما بهوية أعضاء اللجنة فهي لجنة لا تؤتمن على أموال المودعين ورساميلهم، وتنص المادة القانونية بإحدى فقراتها على الآتي (تنشأ لجنة خاصة مؤلفة من وزير المالية، وزير الاقتصاد والتجارة وحاكم مصرف لبنان، ويرأسها رئيس مجلس الوزراء أو وزير ينتدبه هذا الأخير. وتكون هذه “اللجنة” مسؤولة عن إصدار التنظيمات التطبيقية كافة المتعلقة بهذا القانون، بشكل خاص ما يتعلق منها بحظر نقل الأموال عبر الحدود وبالتحاويل وبمدفوعات الحساب الجاري وبعمليات القطع وتحديد سقوف للحسابات النقدية وبإعادة الأموال المتأتية عن عائدات الصادرات وغيرها من التدابير الخاصة المتعلقة بسعر صرف العملات الأجنبية، الخ. ويتم نشر القرارات التي تعدها “اللجنة” من خلال تعاميم تصدر عن مصرف لبنان).

بمعنى ان اللجنة المخوّلة التصرّف بأموال المودعين وتحديد كافة الأطر للتعامل بها، تضم أشرس المدافعين عن المصارف وهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المُدرج اسمه كمتّهم بالعديد من قضايا تبييض الأموال واستغلال المنصب وغيرها في لبنان والخارج، ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي رجل الاعمال المصرفي والمرتبطة مصالحه وأعماله بمصير أكثر من مصرف لبناني وهو المدافع الشرس عن المصارف على حساب المودعين، ووزير المال يوسف خليل الذراع الأيمن لسلامة ومدير العمليات في مصرف لبنان سابقاً والداعم لهندسات سلامة، ووزير الإقتصاد العاجز عن مواجهة المصارف أو حتى اتخاذ موقف واضح من تجاوزاتها وانتهاكاتها حقوق المودعين، هذه اللجنة هي من أعطاها قانون الكابيتال كونترول الصلاحيات المطلقة للتصرف بأموال المودعين.

وليس هذا فحسب فالقانون يمنح كذلك اللجنة صلاحية فرض غرامات على المخالفين وتصفها الكيك بأنها “لجنة سياسية بصلاحيات جزائية”. والأسوأ من هذا وذاك، هو إسناد مهمة مراقبة عمل اللجنة الخاصة إلى لجنة الرقابة على المصارف، العاجزة أصلاً عن أداء دورها منذ تشكيلها وحتى اليوم، فلم نشهد على ملاحقتها أو تحذيرها أو حتى إنذارها أي مصرف خالف وانتهك القوانين وداس عليها منذ عامين ونصف العام من تاريخ تفجّر الأزمة واحتجاز المصارف أموال المودعين حتى اليوم.

لا مفعول للكابيتال كونترول

من جهتها ترى الباحثة في الشأن الاقتصادي والمالي والأستاذة الجامعية ليال منصور في حديث إلى “بيروت توداي” أن قانون الكابيتال كونترول حالياً لا مفعول له ولا قيمة “كما انه لا يرتّب أي مخاطر” بحسب تعبير منصور، إذ أنه لا يتمتع بمفعول رجعي بمعنى أن قانون الكابيتال كونترول المقترح حالياً ليس له أي مفعول على الأموال السابقة وبالتالي لا أمل باستعادة أي اموال وهو كان يُعد ضرورة بعد وقوع الأزمة مباشرة أي منذ نحو عامين ونصف العام أما إقراره اليوم فلا قيمة حقيقية له ولا أمل بتقديمه أية حلول.

وتلفت منصور إلى أن أهمية القانون اليوم تقتصر فقط على ضبط مسار الأموال الواردة مستقبلياً ومنع التصرف بها بشكل غير مجدي، “أما فعلياً فلا يتعدى مفعول الكابيتال كونترول سوى تلبية أحد شروط صندوق النقد الدولي بمعنى أن إقراره لا  يتعدى الشكليات ولا مفعول حالي له، ولو أرادت السلطة أن يكون للكابيتال كونترول مفعول جدي لكانت أقرته بعد وقوع الأزمة بأقل من 24 ساعة”.