تتواصل الأزمة الإقتصادية في لبنان منذ تشرين الأول 2019 حتى اليوم، وأصابت معظم الطبقات الإجتماعية، حتى باتت الشريحة الأكثر ضعفاً وهي الأطفال في خطر .
وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” من أن “مستقبل جيل كامل من الأطفال في لبنان على المحك جراء تفاقم تداعيات الانهيار الاقتصادي عليهم، من نقص في التغذية والرعاية الصحية، وارتفاع في معدل العمالة في صفوفهم”.
وبحسب الدراسة التي أجرتها المنظمة “ارتفع عدد الأسر التي أرسلت أطفالها إلى العمل من 9 في المئة إلى 12 في المئة، في حين خفضت بين 3 و10 أسر نفقات التعليم… “. واضطرت ثلاث من كل عشر أسر في لبنان إلى تخفيض نفقات تعليم أطفالها. وتهدد الأزمة فرص حصول 700 ألف طفل في لبنان على تعليمهم، منهم 260 ألف طفل لبناني.
مأساة
وفي حديث لـ”بيروت توداي” أكدت “اليونيسف” أنها “قلقة للغاية بشأن مستقبل العديد من الأطفال في لبنان”، ورأت “أننا بحاجة الآن إلى بذل كل جهد لمنح الاطفال حقوقهم الأساسية، لاسيما التعليم، الأمان والأمل في مستقبلهم للسماح لهم بالنمو… إنها مأساة أن يجبر الكثير من الأطفال على العمل، في كثير من الأحيان في ظروف خطرة”.
فعمل الأطفال في لبنان ظاهرة قديمة تتفاقم مع اشتداد أزمة اقتصادية ومالية خانقة لم تشهدها البلاد منذ عقود طويلة، وزاد من وطأتها موجات النزوح السوري التي يشكل الأطفال جزءا كبيرا منها.
وتتعدد أسباب الظاهرة لكن أبرزها الوضع الاقتصادي المتدهور جراء الأزمة المالية والواقع الاقتصادي ما جعل 80 % من اللبنانيين يرزحون تحت خط الفقر، ما يدفع الأطفال إلى معونة أهلهم فضلا عن التسرب المدرسي وغياب القوانين وضعف التوجه نحو التعليم المهني.
“إن الأزمة المالية والسياسية، وكذلك جائحة كوفيد-19 وتفجير مرفأ بيروت، جعلت العائلات تكافح من أجل البقاء”… بهذه الكلمات شخّصت “اليونيسف” الوضع الحالي في لبنان، وتابعت: “مع انهيار الخدمات الاجتماعية الأساسية، تنهار أيضاً النظم الاجتماعية التي تحمي الأطفال، ما يفاقم حالاتهم ويزيد من تعرضهم لخطر العنف وسوء المعاملة والاستغلال.
وأشارت في حديثها لـ”بيروت توداي” إلى أن “عمل الأطفال الى ارتفاع. وأﺟﺎب أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺼﻒ ﻣﻦ ﺷﻤﻠﻬﻢ اﺳﺘﻄﻼع اﻟﺬي أﺟﺮﺗﻪ اﻟﻴﻮﻧﻴﺴﻒ ﻣﻊ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﺸﺮﻳﻜﺔ ﻓﻲ أﻳﻠﻮل الماضي ﻧﺤﻮ 53 ﻓﻲ اﻟﻤﺌﺔ أن ﻋﻤل الأﻃﻔﺎل، وﺗأﺛﻴﺮﻫ ﻋﻠﻰ أﻣﺎن ﻫﺆﻻء الاﻃﻔﺎل، ﻫو ﻣﺼﺪر ﻗﻠﻘﻬﻢ الأول، وﻫﺬه اﻟﻨﺴﺒﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻗﺒﻞ ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻬﺮ 41 ﻓﻲ اﻟﻤﺌﺔ ﻓﻘﻂ. وﻓﻲ إﺳﺘﻄﻼع أﺟﺮﺗﻪ اﻟﻴﻮﻧﻴﺴﻒ ﻓﻲ ﺗﺸﺮﻳﻦ الأول ﻗﺎﻟﺖ 12 ﻓﻲ اﻟﻤﺌﺔ ﻣﻦ الاﺳﺮ اﻟﻤﺸﻤﻮﻟﺔ ﺑالإﺳﺘﻄﻼع أﻧﻬﺎ أرﺳﻠﺖ ﻃﻔﻼ واﺣﺪا ﻋﻠﻰ اﻗﻞ اﻟﻰ اﻟﻌﻤﻞ. وﻫﺬه اﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﺘﺠﺎوز ﻗﺒﻞ ﺳﺘﺔ أﺷﻬﺮ 9 ﻓﻲ اﻟﻤﺌﺔ”.
ضابط شرطة
إ. ابراهيم ابن التسعة أعوام يعمل في توصيل الأغراض إلى المنازل لدى بقالة (ميني ماركت) في منطقة الزيدانية (بيروت)، يتقاضى راتباً أسبوعيا قدره 130 ألف ليرة لبنانية، أما دوامه فهنا الكارثة… من الثامنة ونصف صباحاً حتى التاسعة ونصف مساءً يتخلله فرصة للذهاب إلى المدرسة من الساعة الثانية ظهرا حتى السادسة مساء.
ابراهيم طفل سوري في الصف الثاني ابتدائي، ووالدته غادرت إلى حلب لأسباب عائلية ويسكن مع شقيقته المتزوجة في منطقة الزيدانية، ويحلم بأن يكون ضابطاً للشرطة في سوريا.
حلم إبراهيم وغيره من الأطفال انصدم بواقع مرير يعيشونه في لبنان بعدما فقدت الليرة اللبنانية نحو 82 في المئة من قوتها الشرائية مقابل الدولار، ما بين عامي 2019 و2021 بحسب تقرير حديث صدر في شباط الحالي عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الإسكوا”.
خيار واحد
وعلى وقع الأزمة، وجد الكثير من الأطفال أنفسهم أمام خيار واحد هو العمل، وفق التقرير الذي أشار إلى ارتفاع عدد الأسر في لبنان التي أرسلت أطفالها إلى العمل من 9% إلى 12%. وقد ازدادت نسبة الأسر اللبنانية منها نحو سبعة أضعاف.
وتحظر المادة 22 من قانون العمل اللبناني “بصورة مطلقة استخدام الأحداث قبل إكمالهم سن الثالثة عشرة ويجب ألا يستخدم الحدث قبل إجراء فحص طبي للتأكد من لياقته للقيام بالأعمال التي يستخدم لأدائها”، أما المادة 23 من القانون فتحظر “استخدام الأحداث في المشاريع الصناعية والأعمال المرهقة أو المضرة بالصحة قبل إكمالهم سن الخامسة عشرة، كذلك استخدام الأحداث قبل إكمالهم سن السادسة عشرة في الأعمال الخطرة بطبيعتها أو التي تشكل خطرا ً على الحياة أو الصحة أو الأخلاق بسبب الظروف التي تجري فيها”.
ويحظر تشغيل الأحداث الذين يقل سنهم عن الثامنة عشرة في الأعمال التي تشكل خطراً على صحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي الواردة في المرسوم رقم 8987 لسنة 2012.
ووصلت وقاحة أحد أصحاب المحلات إلى وضع إعلان يطلب فيه تشغيل “فتى صغير” في محله للأدوات المنزلية في منطقة الملا في بيروت.
“حدي”
ونتيجة لذلك، أطلقت “اليونيسف” منحة الطفل النقدية – “حدي” – وهي تربط المنح النقدية الشهرية بالخدمات الأساسية الأخرى التي تشتد حاجة الأسر إليها.
وسأل “بيروت توداي” عن هذه المنحة وعن هي الأسر التي تستفيد منها؟ أجابت “اليونيسف”: “منذ العام 2020، ارتفعت مستويات الفقر والضعف في لبنان بشكل كبير، ما أثر على غالبية السكان. وتتأثر الفئات الضعيفة، بما في ذلك الأطفال أكثر من غيرها، لاسيما بسبب الفجوات الكبيرة في البرنامج الوطني للمساعدة الاجتماعية الذي يستهدف أولئك الذين يعيشون في فقر مدقع بسبب الفجوات الكبيرة في النظام الوطني للمساعدة الاجتماعية.”
“ونتيجة لذلك، وبناءً على خبرتها في تقديم المساعدة الاجتماعية لتحسين رفاه الأطفال، أطلقت “اليونيسف” منحة الطفل النقدية – “حدي” – وهي تربط المنح النقدية الشهرية بالخدمات الأساسية الأخرى التي تشتد حاجة الأسر إليها”.
وأشارت “اليونيسف” إلى أن المبادرة تستجيب للسياق الاقتصادي الحالي من خلال تقديم مساعدة اجتماعية متكاملة لـ 110،000 طفل ضعيف في لبنان – من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين.
ماذا فعلت “اليونيسف”؟
ولكن ماذا فعلت “اليونيسف” للحد من هذه الظاهرة في لبنان؟ في ردها على هذا السؤال قالت “اليونيسف” إنها “تعالج عمل الأطفال من زوايا برنامجية مختلفة. لا يمكن معالجته في صوامع، ولكن من خلال نهج متكامل. التعليم: إن إعادة فتح المدارس وضمان الوصول إلى تعليم جيد ومجاني لجميع أطفال لبنان يلعبان دوراً رئيسياً. ويشمل ذلك أيضًا فرص التعلم المؤقتة التي يتم تكييفها وفقًا لاحتياجات الأطفال وملفهم الشخصي. تدعم “اليونيسف” الوصول إلى التعليم المجاني وتعمل على جودة التعليم لتجنب التسرب من المدرسة للاجئين السوريين واللبنانيين.
وأكدت “أنها تعمل في نهج شامل لضمان مشاركة الطفل والأسرة والمجتمع مع السلطات المحلية (الوطنية) في أعمال الوقاية وزيادة الوعي حول عمل الأطفال ومخاطره. ويشمل ذلك أيضاً تحويل الأعراف والسلوكيات نحو تعزيز حقوق الطفل وحماية الأطفال من أي شكل من أشكال العنف والاستغلال والأذى.”
“أما بالنسبة للأطفال المنخرطين في العمل، فيهدف البرنامج إلى تزويد الأطفال بالمعرفة والمهارات ودعم الصحة النفسية (تدخلات الدعم النفسي والاجتماعي الفردي والجماعي) لتمكينهم وإبعادهم عن الأذى. يُستكمل هذا بالمشاركة القوية مع مقدمي الرعاية وأصحاب العمل وكذلك أصحاب المصلحة الرئيسيين (مثل شرطة البلدية والمراجع الروحية، …) لضمان تطبيق المعايير وتدابير السلامة. بشكل عام، هناك تركيز قوي على الوقاية، لأن البرامج الشاملة لإبعاد الطفل عن العمل تحتاج إلى استبدال دخل الأسرة، والذي يعتمد على توفر الدعم الاجتماعي وهو مكلف للغاية”.
من يحمي الأطفال؟
ومن يحمي الأطفال في لبنان من استغلالهم في ظل غياب أي رقابة اجتماعية أو قانونية؟ أجابت “اليونيسف”: “لمساعدة الأطفال في لبنان على النمو بعيداً عن الأذى، نحتاج إلى استجابة وطنية متماسكة. ويشمل ذلك فريق الأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني، والجهات الاكاديمية، والجهات المانحة، وقطاع الشركات، والمؤسسات المالية، والقادة الدينيين الذين يساعدون في دفع التغيير إلى الأمام وصياغة أفضل الممارسات لحماية الطفل. نحتاج أيضاً إلى رؤية إجراءات سريعة من الحكومة لإعطاء الأولوية للحماية.”
في ظل وضع اقتصادي متأزم وقانون هش بات مطلب حماية الأطفال ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، وعلى العائلات والمجتمع المدني والمؤسسات الخاصة والرسمية والحكومات والجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية تحمل مسؤولياتها والقيام بإجراءات تحمي الأطفال الذين بات وضعهم على المحك.