مسّت الأزمة الاقتصادية والمالية اللبنانية كل المجتمعات والفئات العمرية في لبنان ولعبت دورًا كبيرًا في التأثير على العديد من القضايا الإنسانية مثل ازدياد العنف ضد الأطفال وخاصة اللاجئين منهم.
بحسب إحصاءات منظمة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسف) الصادرة في تقرير نهاية عام 2021 في لبنان فإنّ طفل من بين طفلين معرض لخطر العنف الجسدي أو النفسي أو الجنسي. ارتفعت أيضا حالات الاعتداء على الأطفال والحالات التي تعاملت معها اليونيسف وشركاؤها من 3,913 حالة إلى 5,621 حالة بين تشرين الأول 2020 وتشرين الأول 2021، أو بنسبة تقارب 44 في المئة.
قالت دارين أبو فخر، عاملة في المجال الاجتماعي ذات خبرة سبع سنوات، في حديث مع “بيروت توداي” أن “الأزمة الاقتصادية في لبنان تسببت بخسارة الكثير من الوظائف لدى الأباء والأمهات مما سبب بزيادة الضائقة النفسية عليهم. ذلك بالإضافة إلى عدة عوامل أخرى كالصدمات النفسية التي مر بها كل من اللاجئين والمواطنين اللبنانيين بالتزامن مع عدم توعية الأهل على أساليب التربية الايجابية، سبّب إرتفاع كبير في حالات العنف ضد الأطفال”.
كما إن نسبة الأطفال الذين يعانون من فقر متعدد الأبعاد ازدادت من 900,000 طفل في عام 2019 إلى 1.8 مليون طفل في آواخر عام 2021 وهم يواجهون خطر التعرض للانتهاكات مثل عمالة الأطفال بهدف مساعدة أسرهم على تغطية النفقات.
نداء استجابية من جمعيات محلية ودولية
صممت عدة جمعيات محلية ودولية في لبنان مشاريعًأ كاستجابة لزيادة حالات العنف عامة وعلى الأطفال خاصة، فشرعت بعض الجمعيات بتنفيذ برامج توعوية وبرامج صحة نفسية وحتى مالية لتستطيع أن تساهم في الحد من تفاقم حالات العنف.
وعن طرق مساعدة هذه البرامج بالحد من الارتفاع في حالات العنف ضد الأطفال تتابع أبو فخر قائلةً: “برامج التوعية لها دور كبير بالتأثير على الأهل خصوصًا من ناحية التعامل مع الأطفال، أما الصحة النفسية التي تُقدم لكل من الأطفال وذويهم فتساعد كليهما بالتأقلم مع الظروف الصعبة في البلاد”.
وقالت أيضا أبو فخر أن المساعدات المادية التي تقدمها بعض الجمعيات تكمن أهميتها في المساهمة في منع الزواج المبكر وعمالة الأطفال، فهؤلاء الأطفال إما هم المعيل الأساسي للعائلة أو “همّ” تتخلص منه العائلة بالزواج المبكر.
إحدى الجمعيات التي تهدف برامجها لحماية الأطفال هي منظمة أطفال الحرب في لبنان (War Child in Lebanon) وذلك من خلال اتخاذهم للدعم النفسي الاجتماعي والتربية والتعليم مكونات أساسية لعملهم التي حتمًا تتضمن حماية الأطفال.
كما بلغ عدد الأشخاص المستفيدين من برامجها وخدماتها 121,000 في عام 2021، ومن ضمنهم 2,800 طفل استفاد من خدمات حماية الأطفال، التي تنقسم عند منظمة أطفال الحرب في لبنان إلى قسمين أساسيين: الحماية والاستجابة.
وتكون الحماية من خلال جلسات توعية تُقدم للأهل والأطفال من خلال إنشاء شبكات حماية الطفل المجتمعية التي يمكن أن تقود آلية حماية الطفل في المجتمع من خلال تدخل طويل الأمد وبناء القدرات، أما الاستجابة فهي عبر خطوط ساخنة (81834529) يستطيع الوصول إليها كل من الأطفال وعائلاتهم.
تقول نسرين ياسين، مديرة جودة البرامج في “أطفال الحرب في لبنان”: “عندما توردنا حالات عبر الخطوط الساخنة، إما يتم إحالتهم إلى إدارة الحالات لدينا أو إذا كانت خدمة غير متوفرة لدينا فتتم إحالتها إلى شركائنا المتخصصين أيضًا في المجال المطلوب”.
وتتابع ياسين قائلةً: “من الضروري إطلاع الأهل على المواضيع المطروحة على أطفالهم والأهم مناقشة الأفكار الحساسة مع الأهل بشكل موازي لطرحها على الأطفال بحيث يبقى الطرفان على مسافة واحدة من تلك المواضيع”.
مساعدة أهل الأطفال المعنفين
ثم عن كيفية التعامل مع عائلات الأطفال، تقول ياسين:” نحن نعمل من خلال شركاؤنا، فيتم تحضير الأرضية لبناء ثقة بيننا وبين العائلات وذلك من خلال التشارك مع الأهل والاستماع لمشاكلهم وتساؤلاتهم كما يتم شرح التفاصيل للأطفال وذويهم قبل الغوص في الأنشطة والبرامج كما نقدم برامج تهتم بصحة الأهل النفسية”.
كما تُشدّد على أهمية الدور الذي يلعبه وعي الأهل كعامل أساسي في ازدياد أو نقص حالات العنف ضد الأطفال. وهذا ما يجعل من هذه المؤسسة فريدة من نوعها من ناحية ليونة برامجها، حيث تُأقلم منهجيات كل برنامج آخذة بعين الاعتبار الظروف المستجدة عند الأطفال وعائلاتهم لضمان توصيل رسالتهم بطريقة آمنة وسليمة.
تتابع ياسين قائلةً: “نُعير اهتمامًا كبيرًا للصحة النفسية والتوعية لدى الأهل، من خلال ورش عمل وبرامج تفيدهم بمعلومات عن حقوق أطفالهم وكيفية التعامل معهم إضافة إلى كيفية الحفاظ على صحتهم النفسية “.
تقوم “أطفال الحرب في لبنان” بتقديم برامجًا تعليمية للأطفال بطريقة سلسة حيث يتم تنسيق ساعات الدراسة على حسب وقت الأطفال في المنطقة المحددة. وذلك لضمان تأمين أبسط حقوق الأطفال على أن يكون نافذة أمل لهم لتغيير حياتهم مستقبليًا.
تعديل وإقرار قوانين لحماية الأطفال
على جميع الأطراف المسؤولة في البلاد التعاون والعمل معًا لضمان حماية الأطفال، والدستور والقضاء اللبناني هو من أهم هذه الأطراف. هناك مطالبات بتعديل بعض القوانين كالأحوال الشخصية بجميع فروعها وأشكالها، وتعديل بعض الثغرات في القوانين التي خضعت لتعديل جزئي من قبل كقانون 422/2002 حماية الطفل والأحداث وقانون ٤٣٩ حماية المرأة وسائر أفراد الأسرة ، وإقرار قوانين تؤمن حماية الأطفال من جميع أنواع العنف و الإساءة.
مصير الأطفال المُعنفين
بالرغم من جهود الجمعيات المحلية والعالمية في الحد من تفاقم حالات العنف ضد الأطفال وتعديل بعض القوانين ، مازال يترتب على الجهات المعنية اتخاذ إجراءات قابلة للتطبيق أكثر لمنع ازدياد الحالات، خاصةً في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان.
وفي حال لم يتم العمل على هذه القضية الاجتماعية المهمة التي تمسّ الأمن القومي للبلاد فإن مصير هؤلاء الأطفال معروف وهو أمراض صحية ونفسية وجسدية.