بدأت الأحزاب والفاعليات السياسية في لبنان بالتحضير للانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في أيار 2022 المقبل، وعمد البعض منها على تقديم “حصص غذائية” لإغراء الناخبين، أو التسهيل للإستفادة من “بطاقة تمويلية”، وآخر استخدم “زفت الطرقات”، لكن قلة من اللبنانيين اختارت طرقاً أكثر ديمقراطية وشفافية عبر تعديل قانون الانتخاب الحالي، لاسيما منظمة “فيفتي فيفتي” .
المنظمة قدمت اقتراح قانون يهدف إلى “تفعيل” تمثيل المرأة في مجلس النواب، مطالبة بتخصيص بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، “كوتا نسائية” بعدد /26/ مقعداً على الأقل من إجمالي المقاعد .
ويطبق لبنان، منذ العام 2017، قانونًا نسبيًّا للانتخابات النيابية يجمع بين اللائحة المغلقة في 15 دائرة، وبين الصوت التفضيلي الواحد ضمن القضاء (الدائرة المصغرة)، إلا أنه لا يحدّد كوتا للنساء في مجلس النواب، أو يعتمد إجراءات لتعزيز مكانة المرأة في الميدان العام.
ولا تزال النساء في الحياة السياسية في لبنان يعانين من النقص في التمثيل في مؤسسات الدولة، ومن التهميش في السياسة. ويضم مجلس النواب راهناً ست نساء فقط من أصل 128 نائباً.
ومن هنا انطلقت “فيفتي فيفتي” وهي منظمة غير حكومية لبنانية تضم النساء والرجال، وتهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين في القطاعين العام والخاص، مع التركيز بشكل أساسي على مواقع صنع القرار السياسي، بحسب ما عرفت عن نفسها عبر موقعها الإلكتروني.
العقلية الذكورية
العضو المؤسس ورئيسة منظمة “فيفتي فيفتي” جويل أبو فرحات ذكّرت، في حديث إلى “بيروت توداي”، بأن المرأة اللبنانية منذ العام 1953 حين حصلت على حق الاقتراع والترشح للانتخابات النيابية لديها ثقافة كافية للترشح والانتخاب، ولكن هناك أسباباً عدة تمنعها من الوصول إلى الندوة البرلمانية، لاسيما العقلية الذكورية أو تقاعس الأحزاب عن تشجيع النساء على الترشح، أو العقلية “البطريركية”.
وإذ أوضحت أبو فرحات أن المنظمة تطلب بدءاً من 26 مقعداً محجوزا إلى النساء، ونسبة 40 في المئة ترشحاً للنساء على اللوائح الإنتخابية على الأقل، قالت: “نحن بحاجة للبدء من مكان معين وللمرأة لديها الحرية في الترشح عبر الكوتا أو خارجها، ويمكن الوصول إلى المناصفة، آسفة لأن المرأة حاولت مراراً وتكراراً الوصول إلى الندوة البرلمانية منذ العام 1953 ولكن من دون كوتا نسائية.”
فعدد النائبات في لبنان لم يتعدّ الستّ فقط من أصل 86 مرشحة للانتخابات 2018. ستة مقاعد تشغرها سيدات في المجلس أي بزيادة مقعدين عن البرلمان السابق مع العلم أن مجلس النواب اللبناني يتألف من 128 مقعدا. 4.6 في المئة هي إذا نسبة التمثيل النسائي في المجلس التشريعي اللبناني الحالي، فيما لم تشهد انتخابات عام 2009 النيابية سوى وصول أربع نساء إلى البرلمان.
وفي انتخابات 2009 لم تترشح سوى 13 امرأة للبرلمان، مقابل 16 في عام 2005 (نجح منهن ست)، و18 في عام 2000، و11 في عام 2006، وست في الدورة الأولى بعد الحرب عام 1992 (نجح في كل واحدة من تلك الدورات ثلاث نساء فقط).
26 مقعداً
“ان اقتراح القانون المقدم من “فيفتي فيفتي” يتميّز عن غيره من اقتراحات القوانين عبر طرحه 26 مقعداً محجوزاً إلى النساء في الدوائر كافة، ويأخذ في الاعتبار المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ويلزم القانون نسبة 40 % من المرشحين والمرشحات مع عرضة عدم التسجيل في حال نقصت اللائحة عن هذه النسبة”، هذا ما أكدته أبو فرحات، التي ذكّرت بأن “رئيس مجلس النواب نبيه بري قدم اقتراح قانون بكوتا 20 مقعدا للنساء، فيما قدم الرئيس نجيب ميقاتي اقتراح قانون بنسبة 30% للنساء ترشحاً”.
وأوضحت أن “الدراسات أثبتت أن نسبة 30% على الترشح قد لا تصل أي إمرأة على الندوة البرلمانية، ولذلك نحن بحاجة إلى وجود مقاعد محجوزة للنساء كي تستطيع أن تحصل على فرص متكافئة مع الرجل، ويمكن ان تنجح أو تفشل مثل الرجل”.
المرتبة 18
ولاحظت أن “لبنان البلد الديمقراطي الوحيد في البلدان العربية، ولكن للأسف فإنه يحتل المرتبة 18 لناحية عدد النساء في المجالس النيابية، لأنه لم يتخذ أي إجراء أو تحفيز لدفع المرأة إلى الصفوف الأمامية في السياسية”، مشيرة إلى أن الإمارات فرضت المناصفة في المقاعد بين النساء والرجال، فيما فرضت السعودية نسبة 20 في المئة من عدد المقاعد في مجلس الشورى (مجلس النواب)، وكل البلدان العربية سبقت لبنان لناحية الكوتا النسائية، لاسيما أن نسبة النساء في مجالس النواب العربية تتراوح بين 20 و30 في المئة .
وأكدت أن القانون الإنتخابي في لبنان مجحف “جداً” بحق المرأة رغم أنه “نسبي”، ولكن مجرد القول بصوت تفضيلي أصبح قانونا نسبيا ًولكن غير صحيح، فالصوت التفضيلي يخول الناخب أن يصوت لزعيمه، وتالياً فإن قانون الانتخابات الحالي في لبنان غير “ملطّف” للمرأة.
ماذا يعني كوتا؟
وإذ سئلت هل الكوتا ضرورة ، أم أن يكون المرشح للنيابة قادراً على التشريع بصرف النظر عن جنسه (ذكر أم أنثى)؟ أجابت: “نعم الكوتا النسائية ضرورية، وبحسب اقتراح القانون المقدم من “فيفتي فيفتي”، فإن المرأة يحق لها أن تترشح ضمن الكوتا أو خارجها. فالكوتا ضرورية لإعطاء المرأة فرص متكافئة مع الرجل، وحتى اليوم لم تستطع المرأة الوصول إلى الندوة البرلمانية رغم العدد الكبير للمرشحات مقارنة مع الفترة السابقة،” مشددة على ضرورة اتخاذ تدبير مؤقت وهو الكوتا الذي طبق في 128 بلداً حول العالم وفي الدول المحيطة بلبنان.
وتهدف الكوتا إلى تعزيز المساواة بين المرأة والرجل وزيادة المشاركة السياسية للمرأة وتمثيلها في الهيئات المنتخبة.
تهميش المرأة
وتحدثت أبو فرحات عن تهميش المرأة، فرأت أن تهميش المرأة أحد الأسباب لانخفاض تمثيلها في مجلس النواب، بالإضافة إلى العقلية الذكورية التي تسيطر على القوانين، فالمرأة في لبنان ليس لديها جميع حقوقها السياسية والإجتماعية. حتى اليوم لا تستطيع المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي إعطاء جنسيتها لأولادها، ولا تستطيع فتح حساب مصرفي لأولادها، ولا تزال مهمشة ومعرضة للعنف في مناطق عدة في لبنان.
بالإضافة إلى هذه الأسباب فإن قانون الأحوال الشخصية يمنع المرأة من حقوقها الكاملة تجاه الرجل، وتالياً فإن الأديان لم تعط المرأة حقوقها مثل الرجل.
وشددت على أن النساء جاهزات وحاضرات ولديها كل الطموح للدخول إلى عالم السياسة، مشيرة إلى أن المرأة اللبنانية موجودة في مجالات وقطاعات مختلفة منذ عشرات السنين، وهناك نقابات تصل نسبة حضور المرأة بين 30 و50 في المئة، وتالياً لا شيء يعيق وصول المرأة إلى السياسة. ومن واجب الرجال والنساء أن نجد الإجراءات والتحفيز اللازمين لوصول المرأة إلى الندوة البرلمانية.
وتم إقرار قانون الانتخاب بحقوق المرأة السياسية انتخابا وترشيحا في العام 1953، وأول امرأة دخلت البرلمان اللبناني كانت ميرنا البستاني عام 1963 وذلك بعد فوزها بالتزكية في دورة فرعية لملء المقعد الشاغر بوفاة والدها أميل البستاني.
قانون غير صديق للمرأة
وعلّقت ابو فرحات على القانون الإنتخابي الأخير الذي جرت على أساسه انتخابات 2018 ، فوصفته بأنه غير كامل وليس صديقاً للمرأة ولا يساعدها في الوصول إلى مصدر القرار (البرلمان)، لذلك الحل الوحيد لرفع الظلم عن المرأة يكون بتطبيق الكوتا أو بتطبيق اقتراح القانون المقدم من “فيفتي فيفتي” ، بعد استشارات عدة من قبل دكاترة متخصصين، مذكرة في الوقت نفسه بأن الدين لا يمنع المرأة من الوصول إلى منبع القرار.
أما عن الخطوة التالية لـ”فيفتي فيفتي” فختمت أبو فرحات بالقول إن “أعضاء المنظمة سيقومون بجولة الى الكتل النيابية وإلى الجماعات السياسية الناشئة، والأحزاب السياسية والمعارضة لعرض عليهم اقتراح القانون، ونستأنس بآرائهم ونحاول تمريره، ونحن سنكفي المشوار إلى الآخر حتى وصول المرأة إلى الندوة البرلمانية وتشكيل كتلة نيابية نسائية “حرجة” ( 30 – 45) لتقدر المرأة أن تغير القوانين المجحفة بحقها وتشارك باعادة البلد وفي الإصلاحات التي يطمح إليها كل اللبنانيين”.
تعددت اقتراحات القوانين التي تسعى إلى إنصاف المرأة، إلا أن أحدا لا يستطيع أن يخفي أن المرأة نصف المجتمع، بل يمكن أن تصنعه، فهي القوى الصامتة التي تعمل أكثر من الرجل أحيانا، ورغم ذلك لم تنل جميع حقوقها، فالكوتا النسائية ضرورة في الوقت الحالي لوصول أكثر نسبة نساء إلى الندوة البرلمانية لتحقيق حقوقهن، لأن المرأة أدرى بحقوقها التي على أمل أن يضمنها ويحررها المجلس النيابي المقبل.