أزمة الأدوية… تجار يهدّدون صحة المرضى!

تسود الفوضى بقطاع الدواء في لبنان ويتحكم به ”كارتيل“ من المستوردين والتجار والمصنّعين، يمدّون المرضى بحاجاتهم من الأدوية متى وكيفما تشاء مصالحهم ويحرمونهم وقت يشاؤون، لا رادع لهم ولا مانع من تحقيق أرباح على حساب صحة وحياة المرضى… يحتكرون عشرات الأصناف من الأدوية وحليب الأطفال، يخزّنونها في فترة الدعم ليبيعونها بعد رفع الدعم الموعود عن الدواء ليحقّقون مكاسب مالية.

هذه الحال تسود منذ أشهر فليست بالأمر الجديد، لم يتحرّك المعنيون بالقطاع الصحي طيلة الأشهر السابقة، باستثناء تقدّم عدد من المحامين حسن بزي، جاد طعمة، هيثم عزو، مازن صفية، نجيب فرحات، بيار الجميل، جوزيف ونيس، فرنسواز كامل، باسل عباس، جان بيار خليفة، الياس طعمة، جيلبير أبي عبود ومريم حمدان والصحافي جوي حداد، من الدائرة القانونية لمجموعة ”الشعب يريد اصلاح النظام“، بإخبار للنيابة العامة المالية ضد عدد من شركات الأدوية التي تحتكر الدواء وتخزنه في مستودعاتها، وتبيع مخزونها في السوق السوداء من أجل جني الأرباح الطائلة على حساب صحة وحياة المرضى.

وقبل الإخبار إلى النيابة العامة تقدّم النائب سليم خوري بإخبار الى النيابة العامة التمييزية، بموضوع احتكار الدواء وتخزينه وكذلك بتهريب الأدوية إلى الخارج. بمعنى آخر أصبح ملف احتكار الأدوية أمام القضاء لكن وفق رئيس تجمّع مستوردي الأدوية كريم جبارة في حديث إلى ”بيروت توداي“ فإن الإخبار المقدّم أمام النيابة العامة تم بحق مستورد للأدوية غير منتسب إلى نقابة مستوردي الأدوية وأن لا دلائل ملموسة على ممارسة أحد أعضاء التجمّع لأي من تلك التجاوزات.

حديث جبارة قد يصح، لكن واقع الحال لا يمكن إخفاؤه: الأدوية والحليب تتعرّض للإحتكار وتنفذ بكثير من أصنافها من الأسواق، قد تكون القطبة المخفية في صيدليات أو مستوردين من التجمع أو خارجه أو أي طرف آخر يتعاطى شأن الدواء، ويبقى الأهم أن يتم التعاطي بجدية مع هذا الملف من قبل السلطات القضائية.

ممارسات وقحة

ممارسات بعض المستوردين لا تقل وقاحة عن القيمين على القطاع الصحي الذين يتجاهلون الظلم الذي يُمارس بحق المرضى ويتخاذلون بالدفاع عن حقوقهم، فبعض المستوردين يمارسون شتى أنواع المخالفات وإذا ما سلّمنا جدلاً بأنهم لا يخزنون الأدوية ولم يثبت ذلك لدى الجهات الرقابية فكيف يمكن تبرير ممارساتهم التي يقومون بها علناً وفي وضح النهار والتي شكى منها الكثير من الصيادلة وقدّموا أدلة عليها.

إحدى شركات استيراد الأدوية تم توثيق مخالفاتها مؤخراً وأحيل ملفها إلى القضاء هي Newallapharma التي ورد اسمها عام 2012 في قضية تزوير وثائق وتصاريح لاستيراد أدوية وتزوير تحاليل مخبرية لأدوية مستوردة من جنوب شرق آسيا (تعمل شركة Newallapharma كوكيل لشركتي Medochemie القبرصية و Engelhard Arzneimittel الألمانية وتتولى توزيع أكثر من 45 صنفاً من الأدوية في السوق اللبنانية.

أقدمت الشركة على احتكار أدوية ترقباً لارتفاع أسعارها بعد رفع الدعم عن الدواء، إلا أنها اضطرت لاحقاً إلى التخلص من تلك الأدوية لأن صلاحيتها قاربت على الإنتهاء فابتكرت نظرية السلة (basket) التي تفرض بموجبها على الصيادلة شراء المستحضرات الصيدلانية والتجميلية كشرط للحصول على الأدوية المطلوبة.

عقوبات احتكار الأدوية

قد لا تكون تلك الشركة الوحيدة التي تقوم بتلك الممارسات لكنها الوحيدة من بين مستوردي الأدوية غير المنتسبين إلى نقابة مستوردي الأدوية التي ثبتت عليها التجاوزات وفًتح ملفها أمام القضاء. ادعى النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم ضدها وضد مديرها المفوض بالتوقيع وكل من يظهره التحقيق بجرائم مخالفة قانون الصيدلة رقم 367/94 والمادتين 685 و770 من قانون العقوبات، وأحال الملف الى قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور مع ورقة طلب بمواد الإدعاء، ذلك بعد التقدم بإخبار بحق الشركة من قبل مجموعة المحامين سابقي الذكر.

وبحسب المادة 88 يُعاقب بغرامة من 6 ملايين إلى 20 مليون ليرة وبالحبس من شهرين إلى 6 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين كل صاحب صيدلية أو مستودع أو مصنع أو مستورد أو وكيل يمتنع عن بيع الأدوية أو يقفل محله دون إذن من وزارة الصحة العامة وعلى الوزارة أن تصادر الأدوية موضوع الإحتكار.

كذلك المادة 90 تنص على أن يُعاقب بغرامة من 10 ملايين إلى 50 مليون ليرة كل مستورد أو مستودع يسعر أو يبيع الدواء أو المستحضرات الصيدلانية خلافاً لمندرجات قرار وزير الصحة العامة بتحديد التسعيرة ولا يجوز في مطلق الأحوال أن تقل الغرامة عن حدها الأدنى.

كما أنه يحق للوزارة أن تصادر الدواء وتبيعه من الصيدليات بالسعر المحدد وعلى هذه الأخيرة أن تدفع الثمن للمستورد وفي حال ارتكاب المخالفة المذكورة من قبل صيدلية لا يجوز أن تقل الغرامة عن نصف حدها الأعلى بالإضافة إلى مصادرة الدواء من قبل الوزارة.

غلاء وبيع بـالفلت

ولا تقتصر الممارسات غير الأخلاقية على احتكار الأدوية من قبل بعض المستوردين والصيدليات بل هناك ما هو أقبح من ذلك، فكارتيل الأدوية يتحكّم بصحة المرضى بطريقة غير مباشرة، من خلال رفع أسعار الفيتامينات الأساسية الضرورية لمواجهة فيروس كورونا لدى المرضى الذين يتعالجون في منازلهم وهم بالآلاف.

فالفيتامين C على سبيل المثال يتراوح سعر العبوة منه بين 55 ألف ليرة و60 ألف ليرة بعد أن كان سعره لا يفوق 12 ألف ليرة قبل اشتداد أزمة كورونا. كذلك الزنك ارتفع سعر العلبة منه من نحو 18 ألف ليرة إلى 25 ألف ليرة. أما الأدوية الأخرى المستخدمة لمواجهة الإلتهابات الرئوية التي قد يُحدثها الفيروس فشبه مقطوعة من الأسواق، كما أن أدوية الكورتيزون مقطوعة تماماً وغيرها العديد من الأصناف.

ويعمد بعض الصيادلة إلى احتكار الأدوية ذات الطلب المرتفع، كالـ Panadol تحديداً، وحصر بيعه بالمعارف والأقارب، كما أن بعضهم لم يخجل من بيع علبة البنادول على دفعتين، فيبيع كل مريض ”ظرف“ واحد من الدواء، بذريعة ترشيد بيع الدواء وتأمينه لأكبر عدد ممكن من المرضى، في حين أنه يحقق أرباحاً مضاعفة من آلية البيع تلك. إذ يبلغ سعر ظرف البنادول بين 2500 ليرة و3000 ليرة، في حين أن سعر علبة البنادول بأكملها لا يتجاوز 3250 ليرة.

بين الصيادلة والمستوردين

إلى ذلك تعمد شركات استيراد الأدوية إلى رفض استرجاع الأدوية التي انتهت صلاحيتها أو تلك التي قاربت على انتهاء صلاحيتها كما جرت العادة، يقول نقيب الصيادلة السابق جورج الصيلي في حديث إلى ”بيروت توداي“. ويؤكد أن بعض المستودعات تمارس الإحتكار وتقوم بممارسات غير قانونية ومجحفة جداً بحق الصيادلة والمواطن، داعياً من يتولى المسؤولية على رأس هرم نقابة الصيادلة أو وزارة الصحة للتحرك سريعاً.

وإذ يرفض الصيلي الحديث عن أن سبب شح الأدوية هو تخزين الناس وتهافتهم، يرى أن لا قدرة للصيدلي على تخزين آلاف العلب من صنف دواء. ”وحده المستورد يملك المستودعات ويمكنه التخزين“ يقول الصيلي، فبعض أصحاب المستودعات لديهم مستودعات بديلة بانتظار رفع الدعم وعودة الدواء إلى الأسواق.

من جهته يرفض نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة اتهام المستوردين كافة باحتكار الأدوية والحليب ويوضح أن الشركة التي ثبت تورطها باحتكار أدوية ليست منتسبة إلى النقابة ”وعدا ذلك لا يتجاوز التكهنات فلا اتهامات موثقة ولا دلائل على مخالفة أي من المستوردين المنتسبين إلى النقابة” يقول جبارة في حديثه إلى ”بيروت توداي“.

احتكار الحليب

حتى الحليب لم ينفد من جشع بعض المستوردين والشركات، فالإتهامات التي وجّهها الصيلي لبعض المستودعات بأنها تشتري كميات كبيرة من الشركات وتحتكرها بانتظار رفع الدعم صحّت وتبيّن أن إحداها تحتكر آلاف العبوات من حليب الأطفال، وقد داهم أمن الدولة منذ أيام قليلة، شركة أبو عضل HOLDAL وثبت إخفاء نحو 200 ألف عبوة حليب للأطفال، عوض تسليمها للسوق. وجاء تحرك أمن الدولة بناءً على شكاوى وردت الى مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد، حول فقدان حليب الأطفال من الأسواق. وجرى تسطير محضر ضبط بحق الشركة.