لم تكن سنة 2020 عاماً عادياً مرّ على لبنان اقتصادياً أو سياسياً وصحياً، فالبلد عانى ولا يزال من أزمات كبيرة، تتهدّد كيانه، بينها “انتهاك الحريات”.
فالتطاول على الحريات التي تشكّل أساس وجود لبنان لا تقل خطورة عن إفلاس أو انهيار مالي واقتصادي، فلبنان احتل المرتبة الـ97 في مؤشر الحريات الصادر عن مؤسسة “كاتو” ومعهد “فرايزر” للأبحاث، للعام 2020.
واستمر النهج القمعي منذ انطلاق ثورة 17 تشرين الأول 2019 وسط تهرب السلطة من واجباتها في حماية الحق في التعبير، وتأمين سلامة الصحافيين ومحاسبة المعتدين عليهم، بعدما ارتفعت نسبة حالات الاعتداء على الصحافيين إلى 2566 بالمئة مقارنة مع العام الماضي.
عهد الإنتهاكات
المسؤول الاعلامي لمؤسسة سمير قصير، جاد شحرور، في حديث لـ”بيروت توداي” أكد أن السلطة في لبنان منذ العام 2016 ولغاية اليوم تخاطب المواطن اللبناني بلغة القمع، وأرقام الإنتهاكات بحق الصحافيين والناشطين أثبتت ذلك، مشيراً إلى أن فترة الوصاية السورية لم تشهد هذه الإنتهاكات بحق الصحافيين.
وقال: “لم نشهد قبل ثورة 17 تشرين استخدام الرصاص المطاطي من قبل الاجهزة الأمنية بحق الصحافيين”، ملاحظاً “أن أنواع الإنتهاكات أصبحت أعنف لاسيما السحل أو الرصاص المطاطي”.
شحرور الذي استند إلى توثيق الإنتهاكات والأرقام الكبيرة للتعدي على الحريات، رأى أن هذا العهد مهّد لإسقاط مفهوم الديموقراطية في لبنان وإلباسه بامتياز دور الدولة البوليسية.
وفيما كشف شحرور أن هناك 9 حالات توقيف صحافيين وناشطين من تشرين الأول 2018 لغاية أيلول 2019، أعلن أنه سجل 18 حالة بين تشرين الأول 2019 لغاية أيلول 2020 أي بزيادة 100 بالمئة.
وأشار إلى أن 3 حالات اعتداء على صحافيين من قبل الاجهزة الأمنية الرسمية سجلت من تشرين الأول 2018 لغاية أيلول 2019، فيما سجلت 77 حالة بين تشرين الأول 2019 لغاية أيلول 2020 أي بزيادة نسبية قدرها 2566 بالمئة.
يذكر أن “عيون سمير قصير” أو مركز الدفاع عن الحريات الاعلامية والثقافية “سكايز” يرصد الانتهاكات التي تتعرض لها الحريات الإعلامية والثقافية ويدافع عن حق الصحافيين والمثقفين في التعبير.
مسودة للتقرير السنوي
وحصل “بيروت توداي” على مسودة للتقرير السنوي الذي يصدره مركز “سكايز” في كل عام فوثق 179 انتهاكاً لحرية الصحافة واعتداء على الصحافيين خلال العام 2020 توزعت على الشكل التالي:
- 58 حالة اعتداء من قبل قوات الأمن
- 36 حالة اعتداء من قبل جهات غير حكومية
- 28 إجراء قانونياً
- 27 استدعاء واستجواب
- 16 حالة احتجاز
- 7 حالات تهديد ومضايقات
- 6 حالات تراوحت من حظر محتوى إلى رقابة
- 1 حالة هجوم مسلح على مكاتب إعلامية
وإذ أكد شحرور أن الأرقام تدل أن هذا العهد هو عهد القمع منذ العام 2016 ولغاية اليوم، وتدل أن هذا البلد يخوض معركة حريات لا توثيق انتهاكات، ذكّر بأن لبنان كان في المرتبة 98 في 2016، متوقعاً أن يصبح لبنان في المرتبة 103 في العام 2021.
“إعلاميون من أجل الحرية”
وإزاء ما يحصل من اعتداءات على الجسم الإعلامي، وفي ظل غياب شبه تام لنقابتي الصحافة والمحررين للدفاع عن الصحافيين وحقوقهم قامت مبادرات عدة من أجل التصدي لهذه الإنتهاكات والوقوف بوجه السلطات الأمنية أمام الإعتقالات والتعديات التي تحصل مع الصحافيين خلال آداء مهامهم أو من خلال التعبير عن آرائهم.
ومن بين المبادرات، مبادرة “إعلاميون من أجل الحرية” التي تكلم باسمها الكاتب والصحافي أسعد بشارة لـ”بيروت توداي” فأوضح أن المبادرة تنظر بقلق إلى ازدياد حالات الضغط والاستدعاءات في موضوع الحريات العامة”، معتبراً أن ارتفاع أرقام حالات الانتهاكات التي تتعرض لها الحريات العامة والإعلامية مقلقة جداً لأن لبنان بلد الحريات “.
ولفت إلى أن مبادرة “إعلاميون من أجل الحرية” التي انطلقت عبر تعاون مجموعة كبيرة من الإعلاميين اللبنانيين والعرب وضعت هدفاً أساسياً لها وهو الدفاع عن الحريات الإعلامية والعامة، وكانت منبراً دائماً للدفاع عن هذه الحريات كلما تعرضت للخطر سواء في موضوع استهداف المؤسسات الإعلامية أو الصحافيين العاملين ميدانياً”.
وإذ أكد أن “المبادرة، منذ نشأتها، واكبت جميع الإنتهاكات بحق الإعلاميين إن عبر مواقف وبيانات واضحة وصريحة، أو عبر تحركات لاعلاميين وناشطين للوقوف إلى جانب أي زميل أعتدي عليه أو على حريته، خصوصاً أمام القضاء”، ذكر بشارة بأن “المرجع الصالح لمقاضات الصحافيين هو محكمة المطبوعات حصراً”، مشدداً على أن المبادرة ترفض أن يمثل الصحافيون أمام أي مرجع آخر لأنهم مصانون بحكم القانون.
محكمة المطبوعات
وتعتبر محكمة المطبوعات المرجع الأساس للبتّ في القضايا التي تخصّ أيّ صحافي أو إعلامي في أيّ موضوع كان ويفترض بها أن تكون الجهة الوحيدة التي تحكم في قضايا الإعلام، وفي بعض الدعاوى قد تصل العقوبة الى حدّ إصدار القاضي حكماً بالتوقيف الإحتياطي بحقّ الصحافي أو ناشر الخبر أو المقال.
ويرفض الناشطون دائماً مثولهم أمام المحكمة العسكرية أو أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية التابع لقوى الأمن الداخلي لتشرهم تغريدة عبر “تويتر” أو منشوراً على حسابهم عبر “فايسبوك”، أو غيرها من الأجهزة الأمنية التي كثرت في الآونة الأخيرة استدعاءاتها للإعلاميين.
ويكفل الدستور اللبناني حرية إبداء الرأي “ضمن دائرة القانون”، والمادة 19 من “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، والذي صادق عليه لبنان في 1972، تنص على أن “لكل إنسان حق في حرية التعبير”.
وبحسب “هيومن رايتس ووتش”، فإن القوانين الجزائية المتعلقة بالتشهير تعد من الأدوات الرئيسية التي استخدمتها النخبة السياسية اللبنانية القوية لإسكات النقد في البلاد، والتي تجيز عقوبة الحبس حتى ثلاث سنوات لانتقاد الجيش والرئيس والمسؤولين الحكوميين. على الرغم من أن القوانين، التي يعود أصلها إلى الحقبتين الاستعماريتين العثمانية والفرنسية، موجودة منذ أوائل القرن الـ 20، إلا أن الأدلة التي استعرضتها هيومن رايتس ووتش تظهر زيادة هائلة في استخدامها، ولا سيما في استهداف التعبير عن الرأي على الإنترنت.
لبنان في المرتبة 102
وبحسب “مراسلون بلا حدود” فإن لبنان يحتل المرتبة 102 من أصل 180 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة للعام 2020.
وتحت عنوان: “إعلام مسيَّس للغاية وسط استهداف لحرية التعبير” قالت منظمة “مراسلون بلا حدود” التي تتخذ من فرنسا مقراً لها وتحظى بصفة استشارية لدى الأمم المتحدة إن هناك حرية حقيقية في التعبير في وسائل الإعلام اللبنانية، ولكن هذه الأخيرة تظل مسيَّسة للغاية ومستقطبة إلى حد بعيد، إذ تُعتبر الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية أدوات دعاية لبعض الأحزاب السياسية أو رجال الأعمال.
ولاحظت المنظمة، في منشور كتبته على موقعها، أن “ثورة” تشرين الأول 2019 كسرت الخط الأحمر المتمثل في عدم انتقاد الشخصيات النافذة، وتكثفت الهجمات على وسائل الإعلام خلال المظاهرات، حيث تستخدم الشرطة القوة استخداماً غير متناسب وتهاجم الصحفيين بعنف، حتى وإن أدلوا بما يثبت أنهم يمارسون عملهم الإعلامي.
وأشارت إلى أن المراسلين الذين يعملون لوسائل الإعلام المقربة من السلطة يتعرضون إلى سوء المعاملة من قبل المتظاهرين الذين يشككون في مصداقيتهم، بينما يُتهم آخرون بالخيانة عندما ينقلون معلومات لا ترضي أبناء طائفتهم. كما لا يُستثنى المدونون والصحفيون الإلكترونيون من هذه القاعدة، إذ يمكن أن تكلفهم منشوراتهم على منصات التواصل الاجتماعي استدعاءً من مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية عقب تلقي شكوى من جهة خاصة، غالباً ما تكون من شخصية بارزة لها صلة بالحكومة.