طلاب لبنان في الخارج… الدولار يتحكّم بمستقبلهم

تتفاقم أزمة الطلاب اللبنانيين في الخارج لجهة صعوبة تأمين التحويلات المالية اللازمة لتغطية أقساطهم الجامعية وفواتيرهم ومعيشتهم.

منذ أكثر من 6 أشهر والطلاب اللبنانيين وذويهم يواجهون أزماتهم منفردين، حتى أن بعض الطلاب ممن وقعوا ضحية فساد الدولة وجشع المصارف، ضاعت عليهم فرصة تسجيلهم في العام الدراسي الجديد 2020/2021، فلا حلول جذرية حتى الساعة. كما أن الحلول المبتورة المطروحة من قبل مصرف لبنان تشي بمحاولة إقصاء الطلاب الجدد وأولئك الطامحين إلى التعلم خارج لبنان.

أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج لو يوفروا جهوداً لإنقاذ مستقبل أولادهم وتأمين استمرارية تلقيهم العلم في الخارج، سلكوا مختلف الطرق، وقعوا العرائض جالوا على مسؤولين سياسيين حشدوا مواقف سفراء لبنانيين في دول الإغتراب نفذوا اعتصامات رفعوا الصوت بشتى الوسائل… كل تلك الجهود والمواقف المؤيدة لمطالبهم لم تحصد سوى قرارين فارغين أحدهما استثنى شريحة واسعة من الطلاب، أما الثاني فعرّض الأهالي للإبتزاز من قبل الصرافين.

إفراج عن جزء من الأموال

بعد طول انتظار لحل أزمة التحويلات المالية للطلاب اللبنانيين في الخارج، أصدر مصرف لبنان قراراً لا يرقى إلى مستوى آمال الطلاب وذويهم.

فالقرار المذكور (ورقمه 13257) يتيح للمصارف العاملة في لبنان السماح لذوي الطلاب اللبنانيين في الخارج بتحويل الأموال من حساباتهم بالدولار، بموجب تقديم مستندات تثبت تسجيل الطلاب قبل نهاية العام 2019 على أن يُسمح لكل طالب بالتحويل سنوياً مبلغاً لا يزيد عن 10 آلاف دولار، ويشوب القرار مجموعة عيوب أولها انه يتعلق فقط بأصحاب الحسابات الدولارية في المصارف ولم يلحظ أصحاب الحسابات المصرفية بالليرة ولا أولئك الذي لا يملكون حسابات مصرفية على الإطلاق.

كما أن القرار يتوجه الى الطلاب الذين سبق لهم أن سُجلوا في جامعات أجنبية قبل نهاية العام 2019 بمعنى أنه محصور بالطلاب القدامى فقط ولا يشمل الطلاب الجدد المسجلين في العام الدراسي الحالي 2020/2021، وكأن مصرف لبنان بهذا القرار يسلب حق الطلاب بالتعلم ويقطع الطريق في وجه الأهالي الراغبين في تعليم أولادهم في الخارج.

ابتزاز من قبل الصرافين

كان سبق لمصرف لبنان أن أصدر في الأشهر الأخيرة قراراً يتيح لأهالي الطلاب اللبنانيين خارج لبنان (وفئات أخرى كمستخدمي العاملات الأجنبيات وغيرهم) أن يحولوا شهرياً مبالغ نقدية بالدولار محددة بسقوف معينة وفق سعر صرف 3900 ليرة للدولار بمعنى أن مصرف لبنان وضع آلية لدعم الدولار المحول الى الطلاب خارج لبنان عبر الصرافين لكن مع مرور الوقت سلك غالبية الصرافين الطريق الأكثر استغلالاً لدعم مصرف لبنان.

باتوا يفرضون على ذوي الطلاب تقاضي نصف الدولارات التي يُسمح لهم بتقاضيها، على سبيل المثال: يقول أيمن (اسم مستعار) أن كافة صرافي الفئة الأولى في بيروت فرضوا عليه الأمر نفسه وهو أن يتقدم بطلب الحصول على 10 آلاف دولار لحساب ابنه الطالب في بلد أوروبي على أن يتقاضى من المبلغ فقط 5000 دولار وفق سعر الصرف المحدد من مصرف لبنان وهو 3900 ليرة ويُبقي 5000 دولار الأخرى للصراف، وبطبيعة الحال يعمل الأخير على المتاجرة بالمبالغ المُحصلة في السوق السوداء.

كان يأمل أيمن أن يطاله قرار مصرف لبنان الأخير ليتخلّص من ابتزاز الصرافين غير ان القرار لا يشمله والسبب وفق ما يقول ”إن حسابي المصرفي بالدولار لكنه مكشوف والسبب أنني كنت دوماً أغذيه من مدخولي بالليرة اللبنانية وأحوّل المبلغ الى الدولار لحساب ابني خارج لبنان. أما مع بداية الأزمة بات الأمر مستحيلاً بعد توقف المصارف عن التحويل من الليرة الى الدولار على سعر صرف 1515 وبالتالي لم يعد امامي سوى شراء الدولارات من السوق السوداء لتغذية حسابي أو الخضوع مجدداً لابتزاز الصرافين“.

ويشكو والد الطالب جاد صفا، وهو طالب طب في سنته الرابعة في جامعة موسكو، من عدم استفادته من قرار مصرف لبنان الجديد فمدخوله بالليرة اللبنانية وحسابه المصرفي الموطّن كذلك، أما القرار فلا يشمل سوى أصحاب الحسابات الدولارية ممكن يمتلكون ودائع بالدولار محجور عليها في المصارف.

اعتراضات وتحركات

قرار مصرف لبنان لم يمر مرور الكرام فقد لاقى اعتراضات واسعة ومن المتوقع أن يتم تنفيذ اعتصام مفتوح من قبل أهالي الطلاب الى حين تعديل القرار.

وقد وجهت الجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الجامعات الأجنبية، كتاباً إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ذكّرت فيه بالوعد الذي أطلقه لهم مؤخراً عقب تنفيذ الطلاب وأوليائهم اعتصاماً أمام مصرف لبنان للمطالبة بإصدار تعميم يلزم المصارف بتحويل تكاليف التعليم من أقساط ومصاريف في الخارج، ويعتمد سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة للدولار.

وقد انتهى التحرك حينها الى اجتماع مع الحاكم وتلقي وعداً منه بتنفيذ المطالب التي تتلخّص بإصدار تعميم باعتماد سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة للدولار، وبتحويل الأقساط والمصاريف بما يعادل 10 آلاف كحد أقصى، وتحرير التحويلات من الحسابات بالدولار لسداد الأقساط والتكاليف، وأن تكون التحويلات من حسابات التوطين والحسابات الجارية بالعملة اللبنانية الى الدولار بالسعر الرسمي 1515 ليرة للدولار، وأن يتوجه الذين لا يملكون حسابات مصرفية في المصارف الى الصرافين المصنفين، وإلزامهم القيام بالتصريف على سعر المنصة الإلكترونية في مصرف لبنان.

الدولار الطلابي

وفي حين يبقى المطلب الاساس للطلاب وأهاليهم إقرار الدولار الطلابي وفق سعر الصرف الرسمي وتسهيل تعليم الطلاب اللبنانيين في الخارج، يؤكد عضو الهئية التأسيسية للجمعية اللبنانية لأولياء الطلاب في الجامعات الأجنبية الدكتور ربيع كنج في حديث الى ”بيروت توداي“ ان الطلاب في الخارج يعانون من أزمة تطال أهاليهم جميعاً من دون استثناء، ”لا يعنينا كيف سيتم حلّها وما هي القرارات المطلوبة وكيف يجب أن تُصاغ، فكل ما يهمنها أن تطال الحلول كافة أهالي الطلاب وليس كما جاء في قرار مصرف لبنان الأخير الذي يطال فئة من الأهالي دون الأخرى“، يقول كنج.

ويذكّر بضرورة أن يراعي أي قرار كافة الفئات وهم أصحاب الحسابات الدولارية المجمدة أموالهم في المصارف وأصحاب الحسابات المصرفية بالعملة اللبنانية الذين باتوا عاجزين عن تحويل أموالهم من حساباتهم الموطنة من الليرة الى الدولار وعبر المصارف الى الخارج إضافة الى أصحاب المداخيل المحدودة المتوسطة والمتدنية الذي اعتادوا تصريف اموالهم من الليرة الى الدولار لتحويلها شهريا الى أولادهم في الخارج… هؤلاء جميعاً وقعوا في أزمة مصيرية قد تطيح بمستقبل أولادهم ما لم توضع الحلول النهائية لهم، وفق كنج.

يُذكر ان رابطة المودعين تعتزم التوجه الى القضاء رفضاً للقرار الأخير الصادر عن مصرف لبنان لمخالفته القانون ووضعه قيوداً غير مشروعة على حق الملكية.

اقتراح القانون

حل آخر من المحتمل أن يطيح بالقرار المبتور لمصرف لبنان لكنه يتطلب مسؤولية عالية من قبل السلطة التشريعية وهو اقتراح قانون سبق لعدد من النواب التقدم به خلال شهر تموز الفائت ولم يُكتب له البحث والإقرار بسبب تأجيل الجلسات التشريعية ويقضي اقتراح القانون المعجّل المكرّر بإلزام مصرف لبنان بصرف مبلغ 10000 وفق سعر الصرف الرسمي للدولار أي 1515 ليرة، عن العام الدراسي 2020/2021 لكافة الطلاب اللبنانيين الجامعيين الذين يدرسون في الخارج من دون استثناء.

ووفق أحد معدي اقتراح القانون النائب علي فياض في حديث الى ”بيروت توداي“ فأزمة الطلاب خارج لبنان يجب أن تُحل بشكل جذري بأحد اتجاهين: إما إقرار القانون المذكور (أو تعديله بما يتلاءم والقدرات المالية المتاحة) على أن يشمل كافة الطلاب في الخارج أو أن يتم إصدار قرار جديد من قبل مصرف لبنان يشمل فيه جميع الشرائح التي تم استثنائها من القرار الحالي، وإذ يصف فياض القرار الحالي بغير المنصف يشدد على ضرورة وضع حل جذري لأزمة الطلاب اللبنانيين في الخارج و”إن اضطرينا الى تخفيض المبلغ المطروح من 10 آلاف دولار الى أقل من ذلك على أن يشمل كافة أهالي الطلاب الذين يتعذر عليهم التحويل المالي لأولادهم في الخارج“.

والنتيجة انه في غياب أي حلول جذرية عاجلة فإن العديد من الطلاب قد يضيع مستقبلهم أمام هذه الأزمة الإجتماعية الخطيرة التي تكاد تطيح بإحدى أهم ميزات المجتمع اللبناني وهي المستويات والطاقات التعليمية العالية.