(تصوير: AFP / rfi) القطاع الخاص والعمال
(تصوير: AFP / rfi)

القطاع الخاص يواجه السقوط والعمال يدفعون الثمن

يمر الإقتصاد اللبناني عموماً والقطاع الخاص تحديداً بأسوأ مراحله على الإطلاق، إذ تتراكم الأزمات وتتفجّر الواحدة تلو الأخرى منذ بداية العام الفائت وحتى اللحظة، فالإنهيار الذي بدأته الأزمة المالية واستكملته الأزمة المصرفية أتى فيروس كورونا ليتممه ويقضي على كل ما تبقى من آمال بصمود القطاعات الإقتصادية والمؤسسات الخاصة.

عند اتخاذ الحكومة قرارها بإعلان التعبئة العامة والطوارئ الصحية، التزمت مؤسسات القطاع الخاص بالإقفال كما باقي المؤسسات والأفراد، لكن سرعان ما علت صرخة القطاع الخاص مطالباً بسلة حوافز للحد من خسائر المؤسسات ولتمكينها من إجتياز هذه المرحلة، وذلك ”أسوة بكل دول العالم التي اتخذت قرارات مماثلة لمواجهة التداعيات الناتجة عن مواجهة انتشار فيروس كورونا“.

يطالب أركان القطاع الخاص بحوافز وإعفاءات ضريبية وتأجيل استحقاقات من بينها أجور العمال ومستحقاتهم، ذلك لتمكين المؤسسات من تجاوز المرحلة، دون أن يأبه أي منهم الى حجم الكارثة التي ألحقتها الأزمات بالعمال أنفسهم لجهة تدني أجورهم وتآكل القدرة الشرائية لما تبقى من مداخيلهم نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار وما رافقه من ارتفاعات هائلة في الأسعار الإستهلاكية.

يتكاتف أصحاب العمل لتحقيق مطالبهم بإعفاءات ضريبية وتحفيزات كثيرة تمكّنهم من تمرير هذه المرحلة الصعبة، أما العمال فلا سند لهم ولا داعم لحقوقهم ومطالبهم أو حتى لحقّهم في تأمين معيشتهم، وفي حين رفع القطاع الخاص يده عنهم بدأت وزارة العمل بالبحث في كيفية التخفيف عن كاهل مؤسسات القطاع الخاص عبر ”تشحيل“ مخصّصات ورواتب العمال.

تأجيل وتمديد استحقاقات

رفع التجار مجموعة مطالب تضمن لهم استمرار عمل مؤسساتهم خلال الأزمة، يستلزم عدد من المطالب موافقة مجلس الوزراء أهمها إلغاء كافة الضرائب المستحقة لفترة 6 ستة أشهر أي عن الفصلين الأول والثاني من العام الجاري 2020، ومنها فواتير الكهرباء والهاتف والمياه، وضريبة الدخل ورسوم البلدية وغيرها. كما طالب التجار بإقرار تسويات إستثنائية وشاملة تطال كافة الضرائب المستحقة حتى 31 كانون الأول 2019 وبتعليق كافة الرسوم المتوجبة في الموانىء لكل البضائع التي لا يزال الموردون يستقدمونها من الخارج الى لبنان و/ أو يصدرونها.

‌وطالبوا بإعفائهم من مستحقات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي لدى الشركات كافة لستة أشهر، والسماح لتلك الشركات بقيد الموظفين الجدد مجاناً لفترة الـ24 شهراً المقبلة، إضافة الى التسريع في سداد مستحقات الدولة لكافة الجهات من مقاولين ومستشفيات وغيرهم… كوسيلة لإعادة ضخ السيولة في الأسواق.

تحفيز وتقسيط

مطالب التجار لا تقتصر على الدولة بل على المصارف كذلك ومنها إعادة العمل بالتسهيلات المصرفية السابقة، والتي عمدت المصارف إلى تعليقها في شهر تشرين الثاني الفائت وانعكست سلباً على قدرة المؤسسات على الإستمرار كما أدخلت القطاع الخاص بأزمة شيكات مرتجعة وعطّلت أعمال المؤسسات الى حد كبير. من هنا طالب التجار بإعادة التسهيلات المصرفية مع احتساب فائدة بنسبة 0 في المئة للشهور الستة الأولى من تاريخ البدء بالعمل بهذا التدبير، ودعوا المصارف الى تمديد فترة سماح سداد أقساط المؤسسات الشهرية للمصارف لفترة لا تقل عن 6 أشهر، إضافة الى خفض معدل الفائدة المرجعية في سوق بيروت (BRR) الى مستويات أدنى أي 3 أو 4 في المئة.

أما القطاع السياحي الذي قدّر قيمة خسائره بما لا يقل عن 500 مليون دولار شهرياً قياساً الى أن الدخل السياحي في العام 2018 وصل إلى 6 مليارات دولار، طالب أيضاً الحكومة باتخاذ إجراءات إصلاحية منها الإعفاءات والتسويات الضريبية والتخفيضات على الفواتير المترتبة على المؤسسات السياحية، ودعا مصرف لبنان والمصارف الى تجميد كافة استحقاقات القروض المدعومة وغير المدعومة وكافة السندات العائدة الموقعة من أصحاب المؤسسات السياحية على اختلاف أنواعها وتأجيل تواريخ الإستحقاق ومنح فترة سماح لمدة لا تقل عن ستة أشهر قابلة للتمديد وفق مقتضيات الأوضاع.

وطالبت المؤسسات السياحية الحكومة بالعمل على مشاريع قوانين تجيز تمديد المهل العقدية كافة لا سيما مهل إيجارات الأماكن السياحية بحيث تعفى المؤسسات من سداد البدلات أيضاً لمدة لا تقل عن ستة أشهر قابلة للتمديد وفق مقتضيات الأوضاع، لقاء إعطاء مالكي هذه الأماكن حوافز ضريبية أخرى، كإعفائهم من الضرائب على الأملاك المبنية وضرائب الدخل ورسوم واشتراكات اخرى.

برمجة ديون وإسقاط أحكام

مطالب أخرى رُفعت الى المعنيين تقضي بإعادة برمجة ديون المؤسسات السياحيّة لدى المصارف، أيّاً تكن، لمدى طويل مع إعطائها سنة سماح بفوائد لا تتعدى 5 في المئة وتبدأ بعد انتهاء فترة الحجر الصحي وإنطلاق العجلة السياحية والاقتصادية، الى جانب إعادة برمجة الضرائب والرسوم على مدى طويل مع إلغاء الغرامات كليّاً مع فترة سماح لسنة تبدأ بعد انتهاء الحجر الصحي وإنطلاق العجلة السياحية والاقتصادية، والتقسيط والتساهل في استيفاء مستحقات الكهرباء والمياه ما قبل الحجر الصحي واعتبار الكهرباء والمياه فترة مجانية خلال مدة الحجر الصحي على غرار سائر الدول.

كما طالبوا بإصدار مذكرة عفو مؤقت من القضاء من الأحكام الماليّة والإفلاسيّة والتعاقديّة حتى يستعيد البلد عافيته في حال تعثُّر إحدى المؤسسات السياحية، كذلك إصدار مذكرة تلزم روّاد الفنادق من غير الجنسية اللبنانية الدفع بالدولار أسوة بالبلدان المجاورة وعلى المصارف اعتبارها Fresh Money وغيرها من المطالب والإجراءات الإنقاذية للقطاع السياحي.

الحلول والعمال

في الحلول يرى البعض أن من الملح تقديم حوافز واتخاذ إجراءات إنقاذية لمؤسسات القطاع الخاص ضماناً لاستمرارها ومن بينهم شارل عربيد رئيس المجلس الإقتصادي الإجتماعي إذ يرى في حديث الى موقع ”بيروت توداي“ أنه في حال استمرار الأزمة الراهنة ”يجب أن يكون هناك عملية تشاركية فالحكومة لا يمكنها اتخاذ القرارات منفردة، إنما يجب أن تتشاركها مع المعنيين بالأزمة وبالقطاعات الإقتصادية“.

وفق عربيد هناك مجموعة من الإجراءات الضرورية يجب أن تعبّر عنها الحكومة تتعلّق بموضوع المهل واستحقاق القروض المصرفية والفوائد وغيرها، ”بمعنى يجب أن نوقف العداد ونضع تصوراً للإجراءات التي يجب اتخاذها في المرحلة القريبة والمتوسطة“. كما أن هناك بعض الإستحقاقات التي من الممكن الإمتناع عن سدادها أو تأجيلها كالميكانيك مثلاً أو الكهرباء وغيرها وهناك بعض الأمور تحتاج إلى تشريع وتنظيم كالتعاملات بين المواطنين والمؤسسات والعملاء على غرار باقي الدول نظراً لكون الحكومة تعجز عن ضخ الأموال كغيرها من الدول.

ويبقى الخوف، بحسب عربيد، من عجز المؤسسات عن سداد رواتب موظفيها نهاية الشهر، ”فلا المؤسسات أنتجت ولا الموظفين قادرين على تأمين احتياجاتهم ما لو يتقاضوا رواتبهم“ يقول عربيد، نحن في أزمة فعلية فليتم تنظيم هذا الأمر ووضع آلية معينة لتنظيم العلاقة والتخفيف من حدة الأزمة المقبلة بين المؤسسات والعاملين لديها، فهذه الإجراءات تحتاج الى شجاعة ومسؤولية وعملية تشاركية لا زالت مفقودة.

التضحية بالعمال في القطاع الخاص

ما تحفّظ على قوله عربيد، تجرأ عليه مصدر في الهيئات الإقتصادية في حديث الى ”بيروت توداي“ وهو توجه مؤسسات القطاع الخاص الى الإستحصال على تغطية رسمية من الحكومة للتخفيف عن عاتقها مسؤولية سداد رواتب ومستحقات العاملين لديها، وذلك عبر خفضها الى الحد الأدنى أو الى الإبقاء على نسبة مئوية من الرواتب قد لا تتجاوز 50 في المئة مما كانت عليه.

لذلك لم يأت أي من أركان القطاع الخاص على ذكر حقوق عمال المؤسسات، لا بل ساوم القطاع التجاري عليهم إذ طالب بالسماح للمؤسسات التجارية بتعليق عقود عمل الموظفين لفترة مؤقتة، وبإعادة النظر بإنصاف في الإجازات السنوية في إطار كل شركة ومراعاة لنظامها التشغيلي، وإلغاء بعض أيام الإقفال الرسمية لما تبقى من هذه السنة.

وتبقى أسوأ السيناريوهات إقرار ما سرّبه البعض من كواليس وزارة العمل حيث يتم درس اقتراح يجيز تعديل عقود العمل وتخفيض الأجور حتى نسبة 50 في المئة، وبالتالي تعطيل مفاعيل المادة 59 من قانون العمل، التي تعتبر كل خفض للأجر باطل حكماً، حتى ولو تم عبر اتفاق بين صاحب العمل والأجير. وفيما لو تم ذلك بالفعل يكون العمال قد فقدوا كل الحماية القانونية والاجتماعية في المستقبل القريب.