إن قرار المحكمة العسكرية بعدم ملاحقة العميل الفاخوري يمثّل الانصياع الكامل للدولة اللبنانية لأوامر الولايات المتحدة ويفسح المجال للمزيد من التدخّلات في الواقع اللبناني ودائما على حساب هويتنا العربية المقاومة للمشروع الصهيوني في المنطقة. كيف لا؟ حينما يأتي هذا التدخّل السافر في عمل القضاء ورغم الجوّ المجتمعي العام الرافض للتنازل عن أبسط حقوق شعب عانى ومازال يعاني من احتلال غاشم حوّل بعض المواطنين اللبنانيين إلى مجموعة من المجرمين في خدمة نواياه الاستيطانية.
فما هي المنفعة من الصواريخ الدقيقة والأسلحة النوعية والتدريب العقائدي القائم على هامش الدولة، إذا كلّ هذه الترسانة لم تستطيع المحافظة على حقّ المساءلة والمقاضاة للبنانيين ألمّت بهم مصيبة الاحتلال فوقفوا بوجهها أحرارا كرام، ودفعوا ثمن مقاومتهم بلحمهم ودمّهم غير آبهين بحياتهم التي انكسرت بعد مرورهم بسجن الخيام، سجن العار، حيث كانوا شهود حقّ لتاريخ حافل بالعمالة، سجّله عملاء كالمواطن الفاخوري بمزيد من التنكيل والتعذيب والإرهاب بحقّ شركائهم في الوطن لمصلحة أشرار أتوا من بعيد ليسرقوا الأرض والثروات.
وما المنفعة من التغني بإنجازات التصدي لاتفاق 17 أيار، إذا أوصل هذا النهج شعبنا إلى الفقر والذل للقبول بصفقة تحت الطاولة وقعت علينا من دون أي تبرير أو تفسير للظروف التي تمّ الاتفاق عليها؟
إن أي صفقة قد تمّ إبرامها بين الجمهورية وأي طرف خارجي، وقد يكون العدو الصهيوني ربما، من يعلم؟ لا يمكنها أن تعوّض الضرر الذي أصاب شرف الأمة والأحرار فيها. كناّ نعتقد أن زمن الهزائم قد ولّى، وأننا قوم لا يترك أسراه، فرأينا في عهد السيطرة الأمنية لمن عوّل الكثير من اللبنانيين على قوّتهم لردع العدو، قرارات تفضح من اتخذها ومن أتى بهم إلى الحكم. وبتنا قلقين من أي موقف مستقبلي قد يأخذه هذا النظام برمّته، من صفقة القرن المطروحة والواعدة بالمليارات للاقتصاد المحليّ بعدما امتصّوا مقدراته فلم يعد بحجم طمعهم الذي لا يشبع.
هذا القرار أعطى صكّ براءة، لا ينتهي مع مرور الزمن، لكلّ من سيخدم هذا العدو أو أي عدو آخر قد يحلو له احتلال أراضينا واستعمال فئة من المواطنين اللبنانيين لقمع فئة أخرى بغية تأمين الظروف الآمنة لجنوده ومستوطنيه. إن هذه التصرفات المشبوهة للدولة اللبنانية تكرّس الانقسام بين المواطنين وتبرهن مرة جديدة أن أهل الحكم ومن ورائهم، غير جديرين به.