بدأت الحفارة Tungsten Explorer المملوكة من شركة Vantage Drilling الأميركية والمستأجرة من قبل شركة توتال بعملية الإستكشاف في المياه اللبنانية. (AP / Hussein Malla) مقال عن النفط والغاز
بدأت الحفارة Tungsten Explorer المملوكة من شركة Vantage Drilling الأميركية والمستأجرة من قبل شركة توتال بعملية الإستكشاف في المياه اللبنانية. (AP / Hussein Malla)

هذا ما يجب أن تعرفونه عن غاز لبنان ونفطه

لا أرقام دقيقة حتى اللحظة عن حجم ثروة لبنان الغازية والنفطية الجاسمة في قعر مياهه، وكل ما يُحكى عن ضخامة الثروة أو ضآلتها تبقى في خانة التكهنات، إلى حين البدء بالإستخراج وتقدير ما يمكن أن يخبئه البحر. أما مواعيد استخراج النفط والغاز التي تُطلق هنا وهناك فهي الأخرى لا تتجاوز حدود التكهنات لا بل ترتبط بطريقة أو بأخرى بالتسويق لتيارات سياسية تتنازع على “أبوّة” ملف النفط والغاز اللبناني.

ويبقى تحديد جدول زمني للإستكشاف والإستخراج والتسييل والتسويق وغير ذلك لا قيمة فعلية له لأكثر من سبب أولها لاستحالة وضع مدة زمنية دقيقة لأسباب تقنية ثانيها وأهمها هو عدم مصداقية السلطة السياسية في لبنان وانعدام الثقة بها لاسيما أن ملف النفط والغاز تعطل على مدى أكثر من 13 عاماً بسبب الخلافات السياسية والطائفية المستمرة حتى يومنا هذا.

بعيداً عن نشاطات أول أعمال التنقيب عن الغاز والنفط في البرّ اللبناني التي تعود الى العام 1947 و1967 نظراً لتعطّلها كلياً مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1975. ينشط ملف استكشاف الغاز والنفط اليوم في المياه اللبنانية وهو ملف مختلف تماماً عن ملف النفط والغاز في البرّ، وتقنياته كذلك مختلفة، وكان هناك محاولة بالتسعينيات لتنشيط هذا الملف أهمها عام 1993 فتم استقدام شركة حينها، أجرت مسوحات بالشمال ثم توقف الملف لسبب ما، يُرجّح أن يكون سياسياً.

صراع على أبوّة الغاز

واليوم يقع صراعاً بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل حول هوية مُحرّك ملف الغاز والنفط. الطرفان يتنازعان على أبوة الملف، وكل طرف يصرّ على اعتراف الآخر بأنه من أحيا ملف النفط والغاز ووضعه على السكة الصحيحة، علماً أنه يمكن للطرفين تبنّي هذا الملف ومتابعته على الأرض.

 يستند تيار المستقبل في عملية التنافس على الملف مع التيار الوطني لحرّ، الى أن الملف فتح عام 1993 في عهد الرئيس الراحل رفيق الحريري، في حين يصر التيار الوطني الحر على أن الملف بدأ يخرج الى النور منذ عام 2010 مع إقرار قانون الموارد البترولية في المياه البحرية في عهد الوزير جبران باسيل، ولذلك هما مختلفان على أبوة الملف مستبعدين كليا مشاركة جميع الأطراف في السير بهذا الملف واستمرار العمل به مع تداول السلطة الى حين الوصول الى الثروة المُنتظرة.

جولة على ملف الغاز

وفي جولة على كافة المراحل التي مرّ بها قطاع النفط والغاز في لبنان تبدأ مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا لوري هايتيان من العام 2007 وتوضح في حديثها الى “بيروت توداي” أن الملف نشط حينها وتم ترسيم أولي للحدود مع قبرص وحُلّ الخلاف بشأنه كما تم وضع إطار عام لسياسة الطاقة.

وفي العام 2010 صدر قانون الموارد البترولية في المياه البحرية ثم في العام 2012 تم إنشاء هيئة إدارة قطاع البترول وتسارعت الوتيرة لوضع المراسيم التطبيقية للقانون وتوالت الى حين إعلان أول جولة تراخيص عام 2013 ومن بعدها استقالت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في فترة كان لا يزال فيها مرسومين عالقين من دون إقرار هما مرسوم تحديد البلوكات ومرسوم نموذج العقود ودفتر الشروط وعلق الملف.

علق الملف وتأجلت جولة التراخيص الأولى الى حين انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة، فحل المرسومان في البند الأول للجلسة الأولى للحكومة وأقرا، ثم أطلقت جولة التراخيص الأولى التي كانت بدايتها في شباط من عام 2018 وتم توقيع العقدين مع كونسورتيوم شركات فرنسية Total وإيطالية ايني وروسية نوفاتيك، علماً أن المناقصة كانت مفتوحة لكن لم يتقدّم إليها منافسين سوى الشركات الثلاث التي شكّلت الكونسورتيوم  والمتعاقد حالياً على البلوكات 4 و9.

وصول الحفّارة

ووصلنا الى شباط 2020 موعد وصول الحفارة إذ أن فترة الإستكشاف تستمر 5 سنوات من تاريخ التوقيع على العقد لكن الفترة الأولى من الإستكشاف مدتها 3 سنوات يجب أن يتم خلالها حفر بئر في البلوك 4 وبئر من بلوك 9، وبعد ذلك في حال قررت الشركات التجديد لفترة الإستكشاف لمدة سنتين يمكنها ذلك لكن مع حفر بئر في كل بلوك والإستغناء عن 25 في المئة من مساحة كل بلوك.

وقد بدأت الحفارة Tungsten Explorer المملوكة من شركة Vantage Drilling الأميركية والمستأجرة من قبل شركة توتال بعملية الإستكشاف في المياه اللبنانية، أي أنها ستقوم بالحفر على مدى شهرين ثم تخرج من المياه اللبنانية على أن تجري شركة توتال التحليل اللازم للنتائج  في مهلة شهرين آخرين، لتحديد حجم الكميات المتوافرة وما إذا كانت تجارية قابلة للإستخراج أو غير ذلك، ولا بد من التشديد على أن الحفارة مهمتها حفر بئر استكشافي فقط وليس وضع منصة أو أي مهمة أخرى.

تكهّنات بتكهّنات

تختلف الأرقام المتوقعة للثروة الغازية والنفطية في لبنان، وتدور العديد من الدراسات والمسوحات من بينها دراسة أعدّتها مجموعة “فرنسبنك” عن قطاع النفط والغاز في لبنان، حول أن لبنان يمتلك من الغاز الطبيعي نحو 30 تريليون قدم مكعبة و660 مليون برميل من النفط السائل، ولكن وفق هايتيان، فإن كل تلك الأرقام مجرّد تكهنات. مرحلة الإستكشاف يستتبعها البحث بالكثير من العوامل الضرورية في عملية التطوير، منها توفر بنى تحتية للغاز ودراسة الجدوى الاقتصادية ونوعية المنصة والخطة التسويقية وغيرها من الأمور التي ستسبق عملية الإنتاج، لذلك قد تبدأ عملية الإستخراج خلال 3 سنوات أو 5 سنوات أو ربما 10 على سبيل المثال فلا يمكن لأي كان أن يتكهّن المدة الزمنية بشكل دقيق. 

وتذكّر هايتيان ببعض الحقول التي يتفاوت عدد السنوات الفاصلة فيها بين البدء بعملية الإستكشاف وموعد الإنتاج، منها حقل “ظهر” المصري الذي استهلك أقل من 3 سنوات وبدأ الإنتاج وكانت البنى التحتية متوفرة في حين أن حقل “تمار” الإسرائيلي استهلك 4 سنوات وبدأ بالإنتاج علماً أن البنى التحتية لم تكن متوفرة، أما حقل “لفياثان” الإسرائيلي فبدأ بالإستخراج بعد 10 سنوات من تاريخ استكشافه، وفي قبرص بدأوا الإكتشافات في العام 2011 وحتى الآن لم يبدأ الإنتاج، من هنا لا بد من التأكيد أن الحديث عن تحديد مهل زمنية للإستخراج أو الحديث عن الكميات، أمر غير دقيق على الإطلاق.

آلية تسويق الغاز

أمام لبنان طريقتان للتصدير، لكن مهما كانت الطريقة المُعتمدة للتسويق لاحقاً عليها أن تُبنى على علاقات ديبلوماسية رفيعة يجب التمهيد لها من المرحلة الراهنة، من هنا يجب أن تكون ديبلوماسية الطاقة فاعلة جداً كما يجب على وزارتي الطاقة والخارجية البدء بالحديث والبحث بكافة الإحتمالات مع الأطراف الدولية المعنية بتسويق الغاز اللبناني.


اقرأ/ي أيضا: ملفات ساخنة تنتظر الوزراء الجدد… هل من رؤية للإصلاح؟


وعلى المعنيين طرح موضوع الطاقة في القمة الثلاثية المرتقب عقدها في نيقوسيا بين لبنان وقبرص واليونان قريباً، ذلك لإيجاد الفرص المتاحة أمام لبنان للاستفادة من قطاع الغاز والنفط. ووفق هايتيان، يجب أن نؤمّن الأراضي الصالحة للتسويق قبل أن تبدأ الإستكشافات.

تقنياً، أمام لبنان طريقتين لتصدير الغاز الأولى عبر التسييل أو ما يعرف بالـLNG والثانية عبر تصديره بالأنابيب ولكل من الطريقتين تعقيداتها وتكاليفها المرتفعة.

بالنسبة للأولى أي تسييل الغاز وشحنه الى الأسواق الخارجية، يجب بداية البحث في إمكان توفر محطة تسييل ونظراً لكون لبنان لا يملك محطة تسييل ولا يملك القدرة المالية لإنشائها يمكنه اللجوء الى دولة تملك محطة كمصر وبذلك يُمكن نقل الغاز عن طريق الأنابيب الى قبرص ومنها إلى مصر.

وبالنسبة للطريقة الثانية أي تصدير الغاز من دون تسييله فهناك إمكانية للتصدير عبر مد أنابيب بين لبنان وتركيا مباشرة وهي الخطة التي كانت اسرائيل تدرسها واستبدلتها بالتصدير عبر مصر. ويرى الخبراء أن للخط بين لبنان وتركيا الحظ الأوفر في تأمين الجدوى الإقتصادية لتسويق الغاز اللبناني، لاسيما أن تركيا تعتمد باستهلاكها على الإستيراد فقط ومن الممكن تأمين التصدير للسوق التركي ومنه عبر أنابيب تركية الى أوروبا.

مُعضلة الكهرباء

ويُخطئ من يظن أن لبنان سينعم بالكهرباء الدائمة بعد البدء بإنتاج الغاز، فعملية الإستفادة من الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية يستلزم أولاً تأهيل قطاع الكهرباء إبتداء من الوقت الراهن للعمل على الغاز بمعامله وشبكاته وكافة تجهيزاته، الأمر الذي يُعيد أزمة الكهرباء الى الصفر. فخطط الكهرباء منذ أكثر من 10 سنوات لم يُنفّذ أي منها بسبب التجاذبات السياسية والمحاصصة والفساد.

وما يحصل اليوم في أزمة محطات التغويز خير دليل على أن لبنان لا زال يدور في حلقة مفرغة من تضييع الوقت والفرص ومنها الإستفادة لاحقاً من الغاز لتوليد الطاقة، إذ من الممكن فعلاً أن يُنتج لبنان يوماً ما الغاز ويبيعه بالخارج في حين تستمر معامل الطاقة لديه باستخدام الفيول أويل لإنتاج الكهرباء.

وعلى الرغم من أن التغويز يوفر على خزينة الدولة، إلا أن المشروع لا زال رهينة التجاذبات والسبب هو إصرار بعض الفرقاء السياسيين على استقدام 3 محطات تغويز بتكلفة تفوق 750 مليون دولار على أساس توزيعها بحسب مناطق نفوذ كل تيار سياسي، في حين أن لبنان لا يحتاج سوى لمحطة تغويز واحدة فقط.


شاهد/ي أيضا: حكي بيروت عن النفط والغاز في لبنان، مع لوري هايتيان